واقع مختلف تشكّل خلال العشر سنوات الأخيرة
ومع دخول الأردن “أربعينيّة الشتاء” الّتي يعوّل عليها المزارعون، ما زالت البلاد تحت وطأة تأثير التغيّر المناخيّ، ما يعني أنّ ثاني أفقر دولة بالعالم في المياه وفق المؤشّرات العالميّة، سيواجه مشكلة سنويّة تتطلّب إجراءات استثنائيّة…
الجفاف يصيب بعض أجزاء نهر الأردن (Getty)
يقول الأردنيّون في أمثالهم الشعبيّة عن ذروة الشتاء: “الأربعينيّة شمس تحرق أو مطر يغرق”، في إشارة إلى شدّة لهيب الشمس أو غزارة الأمطار خلال “أربعينيّة الشتاء” وهي الفترة الممتدّة من 21 ديسمبر/ كانون الأوّل إلى نهاية يناير/ كانون الثاني من كلّ عام.
إلّا أنّ الأردنيّين اليوم باتوا أمام واقع مختلف تمامًا، جرّاء تغيّر المناخ في بلادهم كغيرها من دول العالم، حيث تشهد ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة صيفًا، وتأخّر موسم الشتاء مع تراجع الهطل المطريّ، ما أدّى إلى انخفاض كبير بمخزون المياه الجوفيّة، واختلال في الدورات الزراعيّة.
ومع دخول الأردن “أربعينيّة الشتاء” الّتي يعوّل عليها المزارعون، ما زالت البلاد تحت وطأة تأثير التغيّر المناخيّ، ما يعني أنّ ثاني أفقر دولة بالعالم في المياه وفق المؤشّرات العالميّة، سيواجه مشكلة سنويّة تتطلّب إجراءات استثنائيّة.
كابوس مؤرّق
وتفاعلًا مع المشكلة، قال الباحث والخبير بمجال حماية البيئة والتغيّر المناخيّ أحمد الشريدة: “حسب إحصائيّة البنك الدوليّ فإنّ الأردن ولبنان وسورية وفلسطين هي أكثر الدول تأثّرًا بالتغيّر المناخيّ”.
وأضاف أنّ بلاده “أكثر هذه الدول تأثّرًا بالتغيير المناخيّ الّذي أصبح كابوسًا يؤرّق المسؤولين والمواطنين على حدّ سواء، حيث يعتبر موسم 2024- 2025 من أسوأ المواسم المطريّة منذ 100 عام، إذ لم يهطل من معدّل الأمطار السنويّ سوى 4 بالمئة فقط”.
وأمام هذه المعضلة، دعا الشريدة “للتأمّل والوقوف عندها ومواجهتها”، مشيرًا إلى أنّ الأردن “من الدول الّتي تعتمد بشكل مباشر على مياه الأمطار في الزراعة وتغذية المصادر المائيّة السطحيّة والجوفيّة”.
وأشار إلى أنّ “الأردن دخل منذ حوالي 10 أعوام في دوّامة تذبذب سقوط الأمطار، ما أدّى إلى وجود الكثير من العقبات الّتي تحول دون وجود موسم مطريّ نموذجيّ حتّى الآن”.
وأرجع الخبير ذلك إلى “وجود الأردن ضمن دائرة مناخيّة متطرّفة، ما ينعكس سلبًا على كمّيّات الأمطار وانتظامها”.
واعتبر أنّ كثافة الأمطار حال توفّرها، تؤدّي إلى “وجود زراعة مرويّة، وزراعة بعليّة ذات خصائص جيّدة”، موضّحًا أنّ “هناك طلبًا على مياه الريّ في فصل الشتاء الحاليّ، ما يعني وجود ضغط على الموارد”.
وفيما يتعلّق بأربعينيّة الشتاء، قال الشريدة: “عادة ما كان يسقط 30 بالمئة من المعدّل السنويّ للأمطار، وهي نسبة جيّدة إذا نزلت، لأنّها تعمل على زيادة المخزون الجوفيّ”.
كما حذّر من وجود “شحّ في كمّيّة مياه الأمطار، وهذا يؤدّي إلى تفاقم المشاكل الاقتصاديّة والاجتماعيّة، وما ينتج عنها من تأثيرات على الناتج المحلّيّ”.
سبل مكافحة المشكلة
ولمواجهة ذلك، طالب الخبير “الحكومة بوضع استراتيجيّة محدّدة، تقوم على تحلية مياه البحر وخاصّة في منطقة خليج العقبة”.
كما دعا إلى “الاستفادة من المياه الرماديّة الموجودة من عمليّة تدوير مياه الصرف الصحّيّ، ووضع برنامج للتوعية والتثقيف بأهمّيّة المحافظة على مصادر المياه، ومعالجة الشبكات المهترئة”.
واقترح “استخدام الطاقة الشمسيّة في عمليّات حفر المزيد من الآبار الارتوازيّة في المناطق الّتي تعدّ مناطق ذات الطابع الجافّ”.
وأشار إلى أهمّيّة “الاستفادة من المياه المالحة المتوفّرة في مناطق شمال الأردن وغور الأردن، من خلال التحلية”.
وحثّ الأكاديميّ على “عدم زراعة محاصيل تتطلّب كمّيّات كبيرة من مياه الريّ، مثل الموز، وإعلان حالة الطوارئ البيئيّة بمشاركة القطاعين العامّ الخاصّ ومؤسّسات المجتمع المدنيّ”.
4 أسباب للظاهرة
أمّا الكاتب المتخصّص في البيئة أمجد قاسم، قال، إنّ “بيانات الأرصاد الجوّيّة تشير إلى أنّ هذه الحالة مشابهة لحالة سابقة حدثت خلال موسم الشتاء عام 1998 و1999”.
وبحسب قاسم، فإنّ هذا التراجع يعزّى إلى عدّة 4 عوامل جوّيّة ومناخيّة، وهي “غياب المنخفضات الجوّيّة المؤثّرة، وهذا حال دون تشكّل السحب الممطرة”.
“بالإضافة إلى تدفّق الهواء القطبيّ البارد نحو غرب أوروبا وشمال غرب القارّة الإفريقيّة، ما تسبّب في تساقط أمطار غزيرة في تلك المناطق، ومنها العاصمة الإسبانيّة مدريد وبعض المناطق الأوروبّيّة على حساب منطقة شرق البحر المتوسّط”، وفق قوله.
أمّا العامل الثالث وفق الأخصّائيّ البيئيّ، فهو “حدوث تغيّرات ملحوظة في مراكز نشاط المنخفضات الجوّيّة بعيدًا عن الأردن، حيث تتركّز تلك المنخفضات الجوّيّة حاليًّا وسط منطقة البحر المتوسّط، وهذا يقلّل فرص سقوط الأمطار على شرق المتوسّط”.
فيما أوضح أنّ العامل الرابع يتعلّق بـ”تدفّق الهواء الدافئ إلى طبقات الجوّ العليا فوق بلاد الشام، ما أدّى إلى استقرار الغلاف الجوّيّ فوق الأردن، ودفع المنخفضات الجوّيّة بعيدًا عن البلاد، وهذا منع تشكّل السحب الركاميّة الّتي تعتبر المصدر الأساسيّ للأمطار”.
المصدر: عرب 48