أدباء ومثقفون يطالبون بعودة الأندية الأدبية
هذه المطالبات لاقت تفاعلاً كبيراً من أدباء ومثقفين في شبكات التواصل الاجتماعي، لافتين إلى أنّ دعم الأندية الأدبية وتفعيل أنشطتها لا يتعارض مع أنشطة وفعاليات الشريك الأدبي ولا عمل المقاهي الثقافية.
وكانت الآراء والمطالبات تذهب إلى أهميّة استغلال المباني التي تملكها الأندية الأدبية، والمكتبات والكتب والمجلات التي عملت على إصدارها خلال عقود، إضافة إلى الأرشيف الثقافي الذي تملكه هذه الأندية الأدبية والثقافية، وكانت الشروط التي قدمها الأدباء والمثقفون لا تخرج عن اللوائح والأنظمة الجديدة، وحلّ المجالس الحالية، والدعم المالي المستحق لهذه الأندية في تفعيل دورها، وتنشيط المباني التي أصبحت معالم بارزة في كلّ منطقة ومدينة.
تهميش الثقافة الجادة
أكّد الشاعر والأكاديمي والمدير الأسبق للأندية الأدبية أحمد قران الزهراني، أنّ الأندية الأدبية في الخمسين عاماً الماضية لعبت دوراً حيوياً في نشر الثقافة والأدب بين مختلف شرائح المجتمع، وشجعت على القراءة من خلال توزيع مطبوعاتها مجاناً، كما اعتنت بالمواهب الأدبية من خلال منابرها وتقديمها للساحة الثقافية، إضافة إلى عملها على الحفاظ على الإرث الأدبي العربي وساهمت في الحفاظ على الهوية الثقافية.
ولفت الزهراني إلى تنظيم الأندية الأدبية لكثير من الفعاليات والأنشطة الثقافية في نصف قرن من خلال المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية والقصصية، وساهمت بشكل كبير في التعريف بالثقافة السعودية خارجياً من خلال مطبوعاتها أو من خلال استضافة المثقفين العرب للمشاركة في فعالياتها، وعملت على بناء جسور التواصل بين الأدباء والمثقفين في المملكة.
وتابع الزهراني: الأندية الأدبية هي الحاضنة الرئيسية للثقافة السعودية، إذ ساهمت في إثراء الحياة الثقافية وتنمية الوعي المجتمعي على مدى تاريخها، وأكثرية المثقفين السعوديين مروا وعبروا إلى الشهرة من خلال الأندية الأدبية.
وطالب الزهراني بأهميّة عودة الأندية الأدبية إلى دورها الثقافي الحيوي؛ لأنها هي المؤسسات الجديرة بذلك؛ ولأنها المكان المهيأ لذلك؛ ولأنها الحاضنة الفعلية للثقافة والمثقفين، وتهميشها يعني تهميش الثقافة الجادة والحقيقية في ظل التسطيح الذي يعيشه العالم بسبب مضامين وسائل التواصل الاجتماعي، التي بالتأكيد تؤثر على الهوية الثقافية المحلية.
الشريك الأدبي لا يعرف المثقفين
الزهراني أكد أنّ الشريك الأدبي يقوم بدور لا بأس به في نشر الثقافة، لكن ليس بهذه الكيفية التي نراها، إذ يغلب الكم على الكيف، وأغلب القائمين عليها لا يعرفون المثقفين؛ ولهذا تجد القائمين على تلك المقاهي يكررون الأسماء، فبمجرد أن يستضيف شريك أدبي أحد المثقفين وينتشر خبر عن ذلك إلا ويسارع مقهى ثقافي آخر استضافة ذلك الضيف، والسبب عدم وجود قاعدة بيانات لدى تلك المقاهي وعدم اهتمامها بالتنوع والجودة، والمهم بالنسبة لهم الكم لأن الهدف هو الجانب المالي، إذ تصرف وزارة الثقافة على كل فعالية تنظمها تلك المقاهي.
الزهراني لفت إلى أنّ الأندية الأدبية لا يقتصر نشاطها على فعاليات ثقافية وإنما يتعدى ذلك إلى إصدار الكتب للمثقفين وإصدار المجلات المتنوعة، وهو ما لا تقوم به المقاهي الثقافية أو ما يسمى بالشريك الأدبي، ولو لم تصرف الوزارة على فعاليات تلك المقاهي لما نظمت فاعلية واحدة، ولهذا الأندية الأدبية أحق بتلك المبالغ التي تصرف على الشريك الأدبي.
تفعيل الأنظمة المالية والإدارية
واقترح الزهراني لعودة الأندية الأدبية إلى أنشطتها وفعالياتها العديد من النقاط، ومنها:
أولاً: أهميّة إيمان وزارة الثقافة بالدور الكبير الذي قامت به الأندية الأدبية في خدمة الثقافة السعودية على مدار خمسين عاماً، وأن هذه الأندية إضافة مهمة لعمل الوزارة وليست حملاً ثقيلاً عليها، وأنها تحتاج إلى دعم مالي ومعنوي وإداري، كذلك إيمان وزارة الثقافة بأن الأندية الأدبية تختلف اختلافاً جذرياً عن الجمعيات الخيرية؛ ولهذا يجب التراجع عن إلحاق الأندية الأدبية بوزارة الموارد البشرية.
ثانياً: صدور أمر من المقام السامي بضم الأندية الأدبية إلى وزارة الثقافة بمقراتها أرضا وبناء وبكادرها الإداري الذي يعمل متفرغاً فيها وجميع ما يلحق بها ونقل ملكية أراضيها لوزارة الثقافة، وتحويلها إلى مراكز ثقافية من خلال ضم جمعيات الثقافة والفنون إليها وتغيير مسمياتها إلى (المركز الثقافي).
ثالثاً: تشكيل لجنة من المثقفين لإعادة صياغة أنظمتها الإدارية والمالية وتحديد دورها الثقافي والفني.
رابعاً: إنشاء إدارة عامة للمراكز الثقافية في وزارة الثقافة سواء تحت مظلة هيئة الأدب والنشر أو مستقلة ومرتبطة بشكل مباشر بسمو وزير الثقافة أو بمعالي النائب.
خامساً: إعادة تشكيل مجالس إداراتها.
سادساً: تخصيص ميزانية تليق بمكانة الثقافة والفنون السعودية والمثقفين السعوديين، بحيث لا تقل عن ثلاثة ملايين ريال لكل مركز ثقافي.
سابعاً: تفعيل المراقبة المالية والإدارية من قبل الإدارة العامة لتلك المراكز.
تغييرالسور الثقافي حول الأندية
فيما رأى الكاتب والروائي عواض شاهر العصيمي، أهميّة تغيير السور الثقافي الذي ضربته الأندية الأدبية حول نفسها في إقامة الفعالية. وأضاف: الجمهور له حق في الحضور بأريحية كما لو أنه يفكر في نزهة مفيدة، وهذا غير متوافر عند الأندية الأدبية في تعاطيها الرسمي، المتحفظ، مع الطريقة التي تدير بها مزاج اللقاء. هناك مشكلة في رأيي لدى الأندية الأدبية، وهي أن التفكير الأدبي أو الثقافي في العقلية الإدارية يريد أن يحافظ على منسوب نخبوي يمثله المعنيون بالأدب والثقافة وليس وراء ذلك من سبيل. وتساءل العصيمي: «ماذا عن الناس العاديين، الذين يرغبون في الحضور دون أن يدعوا بأنهم من كتاب نمرة عشرة من أهل الثقافة والإبداع؟!».
ولفت العصيمي إلى نظرة الإنسان العادي التي تغيرت اليوم عن النظرة التقليدية التي تقسم الناس إلى فئات مثقفة متميزة وفئات (شغيلة) كادحة. أصبح التواصل مع الأدب والثقافة وقنواتها ووسائلها أسهل وأوسع عن ذي قبل، وبات الشخص الذي يعمل في مهن بسيطة على اطلاع بما يجري، بل وقد يرغب في الحضور، لكنه يصطدم بالسور الثقافي في النادي، احذر أن تقترب. أمامك نخبة مفكرة، ومنبر لأهل الصنعة، وقاعة مغلقة تتلألأ فيها الكلمة الأنيقة التي تحسب لمعانيها ودلالاتها حساباً. هذا الجو يصيب الزائر العادي بالرعب الثقافي، ومن المرجح أن يهرب باتجاه الباب عاقداً العزم على عدم العودة.
المقاهي أكثر أريحية من الأندية
ويشير الكاتب والروائي العصيمي إلى أن الأمر مختلف في المقاهي الثقافية التي تدير مناسباتها بأريحية مواتية لكل فئات الناس، فالمكان نفسه يقدم خدمات لمتذوقي الحضور بمعية كوب من القهوة، أو كتاب من مؤلفات الضيف، أو سؤال في البال يفكر الزائر في طرحه على الضيف دون حواجز، وبالتالي يقدم المقهى الترفيه مع الثقافة في جوٍّ من البساطة المريحة. من يتابع في شكل جيد سيرى أن التحول الجديد في شؤون الثقافة والأدب والفكر قلص المسافة بين المثقف والجمهور. لقد أقيمت أمسية شعرية في محافظة ينبع يحملها الهواء الطلق بجوار البحر، وأخرى في محافظة ثانية حضرها بعض أهالي المحافظة في مكان مفتوح كما لو أنه سوق شعبي افتتح للتو. متى كانت الثقافة بعيدة عن التعاطي الشعبي العادي مع الحياة والأشياء؟ إن أقصر مسافة يمكن أن تجمع مثقفاً مع جمهوره هي المواجهة المباشرة الأليفة مع الناس والأرض والسماء.
شلليّة الأندية أطفأت جذوتها
الكاتب إبراهيم الشمراني رأى أنّ الأندية الأدبية قبل عشرين عاماً كانت في أوج نشاطها، وكانت مراكز إشعاع ثقافي ببرامجها وفعالياتها ومجالس إدارتها وإنتاجها الأدبي والثقافي على تباين في التميز والحركة، ثم تطورت أوعية النشر والثقافة في العالم كله، وهيمنت الشللية الثقافية على حركة تلك الأندية، التي يفترض أن تواكب أنواع التطور في السعودية، لكنها لم تفعل، فسارع التحزب والإقصاء والتهميش في إطفاء جذوة اشتعالها، ورغم تميز بعضها وحرص الكوكبة التي تديرها على الأهداف الأسمى، مرت السنوات لتصبح كما يصفها الكاتب ميرزا الخويلدي بـ«البطة العرجاء»، (متسمرةً عند مشكلاتها المزمنة التي تعاني منها: معضلة اللائحة، ومجالس الإدارات، وميزانيتها، والنتيجة أن الكثير من هذه الأندية أصبحت خارج سياق زمانها، غير قادرة على مسايرة حجم الحركة الثقافية الهائلة في مفاصل المجتمع، وغير قادرة على مواكبة رؤية التحول 2030 وطموحاتها العملاقة)، وبدلاً من تقديم العلاج المناسب تم نقل المريض الذي لم يستجب للإنعاش، إلى (نقاهة) المسنين!
وأكّد الشمراني أنّ حرص من ينادي بإعادة الحياة لها نابعٌ من أهميتها كمرتكز وطني ومساحة حرة ومكان محترم موقر وممكن ثقافي له ملامحه وتاريخه وتجربته ورموزه التي يجب أن يستفاد منها جميعاً ويطوّر، لا أن يهمل ويترك ويقذف به في قطاع الجمعيات غير الربحية!.
التطوير ليس صعباً
ولا يظن الشمراني أن مشروع تطويرها صعب على عقول (شباب) هذا الوطن المثقف المطلع على التجارب الثقافية في العالم. وأضرب مثلاً بتجربة نادي الكومنولث في كاليفورنيا الأمريكية والبيوتات الثقافية والفنية في فرنسا.
وأضاف: بإمكاننا أن يكون لدينا على الأقل مراكز ثقافية في الجهات الأربع والخامس في الوسط تدرس هيكلتها ونشاطها ويستقطب لإدارتها البارزون ثقافة وقيادة؛ ليصبح كل واحد من المراكز الخمسة منصةً مؤثرة لدعم الحوار الثقافي وإثراء المجتمع المحلي بشتى أنواع المعرفة والفنون، ويمكن في هذا السياق الاستفادة من تجربة مركز (إثراء) التابع لأرامكو.
وعلى غرار تجربة البيوتات الفرنسية يمكن أن تسعى تلك المراكز إلى إدماج الفنانين والمثقفين في المجتمع وأنشطته والترويج للتعاون الثقافي بين بلادنا والثقافات الأخرى التي تعيش بيننا، وفي جانب منها تركز على التحديات الراهنة وتحث على الابتكار ونقل المعارف.
ويسمح نظام هذه المراكز بانتساب الأعضاء من كل التوجهات والتجارب والجنسيات؛ ليشاركوا في تنظيم برامج سنوية تعد في خطتها مسبقاً تشمل المحاضرات، والأمسيات والمعارض الفنية والتجارب السينمائية والفعاليات الثقافية وحتى الندوات السياسية والاقتصادية ويجري نشاطها الثقافي عبر استضافة مثقفين ومفكرين وكتاب بارزين، وأدباء وفنانين، مع تعزيز التنوع والشمولية، وتشجيع الحوار بين الثقافات.
ويجوز أن تقدم تلك المراكز دورات في تطوير الذات كفن التواصل والتفكير الإيجابي، والذكاء العاطفي والتأثير، وإدارة الوقت، وحل المشكلات، وورش التمثيل المسرحي يشرف عليها خبراء و فنانون متخصصون يدرسون فيها مهارات الإلقاء وتقنيات الأداء الحركي والأداء التمثيلي.
ولا بأس أن يعتمد في شيء من مصادر ميزانيتها على اشتراكات الأعضاء، والتبرعات، وعوائد الفعاليات، ورعاة (مليئين) كالبنوك والشركات الكبرى بحيث تشكل دعماً ثابتاً تشرف عليه وتستفيد منه وزارة الثقافة لإثراء المعرفة والفنون والأدب.
ولا يمنع أن تنظم تلك المراكز لقاءات ومحاضرات وفعاليات تغطي مواضيع ثقافية متنوعة تشمل أنواع الأدب كالرواية والشعر والقصة والفنون والسينما والتراث المعماري والتراث الشفوي، وتستضيف شخصيات مؤثرة عالمياً من قادة سياسيين، وعلماء، وفنانين، ومثقفين وتتيح للجمهور الحوار معهم والتعرف على رؤى جديدة تستشرف المستقبل.
وطالب الشمراني بأهميّة اختراع مبادرة الموسم الثقافي في كل مركز بحيث يضم مجموعة من الفعاليات ما بين معارض للكتب والحرف والمشغولات اليدوية، والفنون الشعبية ومنبر للروايات الشفوية. ولفت الشمراني إلى أهميّة الأحلام أن يكون كل مركز معلماً معمارياً حضارياً يضم متاحف ومعارض متعدّدة، تحتفي بالإنجازات العلمية والثقافية والتاريخ الطبيعي وعلوم الفضاء، ويضم مبنى للوثائق والمطبوعات الخاصة بالأندية الأدبية وقاعة للمؤتمرات ومسرحاً.
المقاهي لا تتعارض مع الأندية
وأكد الشمراني أنّ تجربة (المقاهي الثقافية) أو أي تجربة تقرب بين الجمهور والمثقف ومحبي الشعر والأدب ونجومهما لا تتعارض مع وجود الأندية الأدبية، لكن تحوير عمل الأندية الأدبية ليكون عبر هذا المنفذ فقط فيه ظلم لتاريخها وأهدافها وتباعد عن النخبة التي من المهم التركيز على تجاربهم ونتاجهم وقد نحتاجهم يوماً ما فلا نجدهم، بل ربما لا نجد نخبةً أبداً، وسيكتفي أصحاب التجارب الرائدة بالمشاهدة وسيستمر الجمهور في متابعة المشاهير!
ثقافة جادة
الدكتور معجب الزهراني رأى أنّ هذه المؤسسات الثقافية العريقة جزء لا يتجزأ من مكتسبات الوطن، إذ كانت وما زالت من روافع الثقافة الجادّة. وأكّد الزهراني أنّ المقاهي الثقافية تستحق الدّعم؛ لأنها تجربة جديدة، لكنها ليست بديلاً للأندية الأدبيّة مطلقاً.