ما مستقبل العملات الرقميّة بعد انتخاب ترامب؟
من المعروف أنّ اليوم الأوّل للرئيس الأميركيّ في البيت الأبيض يحمل أهمية كبيرة جدًّا. وتعدّ القرارات الّتي يتمّ اتّخاذها في ذلك اليوم ذات أولوية كبيرة، وقد تشكّل مستقبل البلاد…
واصلت عملة “البيتكوين” انخفاضها يوم الخميس لتلامس أدنى مستوياتها منذ تشرين الثاني/نوفمبر، حيث تمّ تداولها عند مستوى 91600 دولار، لترتفع بعدها حتّى تجاوزت الـ100 ألف دولار.
يأتي الهبوط الأخير للعملة المشفّرة بعد أن ارتفعت إلى مستويات قياسيّة في أعقاب فوز الرئيس المنتخب دونالد ترامب في أوائل تشرين الثاني/نوفمبر، متجاوزة، لأوّل مرّة، حاجز 100 ألف دولار في أوائل كانون الأوّل/ديسمبر واستمرّت بالارتفاع لتتجاوز 108 آلاف دولار. كما أدّى ارتفاع أكبر عملة مشفّرة في العالم إلى زيادة كبيرة في الأسهم المرتبطة بالعملات المشفّرة.
بعد عدّة تصريحات خلال حملته الانتخابيّة السنّة الماضية، وعدّة وعود أطلقها حول العملات المشفّرة، أصبح ترامب “النصير الأوّل” لصناعة التشفير، الّتي كانت تحت تدقيق صارم من قبل لجنة الأوراق الماليّة والبورصة SEC بقيادة جاري جينسلر خلال إدارة بايدن، حيث سعت الوكالة إلى التخفيف من الاحتيال المرتبط بالقطاع.
وتعدّ تأثيرات ترامب سريعة جدًّا وجذريّة في بعض الأحيان، إذ ارتفع سعر العملة بشكل كبير وجنونيّ بعد إعلان نتائج الانتخابات، وأعلن جينسلر في تشرين الثاني/نوفمبر عن نيّته التنحّي هذا الشهر من منصبه. وقال الرئيس الأميركيّ المنتخب في كانون الأوّل/ديسمبر إنّه سيرشّح بول أتكينز المعروف بتأييده للعملات المشفّرة لقيادة لجنة الأوراق الماليّة والبورصة الأميركيّة، ليحلّ محلّ جينسلر.تحليلات متضاربة
يعدّ وصول ترامب إلى السلطة دافعًا كبيرًا لزيادة التكهّنات والتوقّعات الّتي تعتمد على القرارات الرئاسيّة القادمة. ربّما تكون عدم القدرة على توقّع قرارات ترامب وتوجّهاته الدافع الأكبر لوجود تحليلات كثيرة فيما يخصّ سوق العملات الرقميّة.
ويعدّ تعهّد ترامب بإنشاء قسم جديد في إدارته في البيت الأبيض لـ “قيصر العملات المشفّرة” من أهمّ القرارات الّتي تعدّ بمستقبل زاهر. ورشّح ترامب الرئيس التنفيذيّ السابق لشركة “باي بال” PAYPAL ديفيد ساكس في هذا المنصب للإشراف على سياسات البيتكوين.
بدوره، حذّر أنتوني سكاراموتشي، المستثمر الكبير في العملات المشفّرة والّذي عمل في إدارة ترامب الأولى، أنّه على الرغم من أنّ الكونجرس الّذي سيرافق ترامب لإدارة البلاد الّذي سيكون الأكثر تأييدًا للعملات المشفّرة في التاريخ، لا ينبغي أن يشعر المستثمرون بالإثارة الشديدة بشأن أيّ تغييرات فوريّة!
وقال سكاراموتشي، لموقع “ياهو فاينانس” Yahoo Finance “أودّ فقط أن أحذّر الناس، إذا كنت تعتقد أنّه في 20 كانون الثاني/يناير، سوف يتغيّر كلّ شيء، وسوف يصبح كلّ شيء أفضل لعملة البيتكوين ومجتمع الأصول الرقميّة، فهذه ليست الطريقة الّتي تعمل بها واشنطن”.
ويشدّد أصحاب الرؤية السلبيّة على حقيقة أنّه في الفترة الّتي سبقت تنصيب ترامب، بدأ ارتفاع العملات المشفّرة يفقد قوّته. انخفضت عملة البيتكوين بنحو 6٪ عن مستواها قبل أسبوع، الانخفاض الّذي بدأ يوم الاثنين جاء بعد أن أثارت البيانات الاقتصاديّة الأميركيّة مخاوف التضخّم. وحسب بلومبرج، جائت ردّة فعل المستثمرين بسحب أكثر من 580 مليون دولار من صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة الأمريكيّة يوم الأربعاء.
بدوره، حفّز جيروم باول، رئيس بنك الاحتياطيّ الفيدراليّ، مجتمع العملات المشفّرة في وقت سابق من هذا الشهر بتعليقاته على البيتكوين. قال باول في مؤتمر نيويورك تايمز “ديل بوك” DealBook “يستخدم الناس البيتكوين كأصل للمضاربة. إنّه مثل الذهب، إلّا أنّه افتراضيّ، إنّه رقميّ. لا يستخدمه الناس كشكل من أشكال الدفع أو كمخزن للقيمة. إنّه متقلّب للغاية. إنّه ليس منافسًا للدولار، إنّه حقًّا منافس للذهب”. ويعدّ باول المسؤول عن رفع أو خفض أسعار الفائدة للدولار الأميركيّ، والّذي بدوره يؤثّر بشكل مباشر على قيمة مختلف الأصول الرقميّة وغيرها، بالإضافة إلى العملات الأخرى.
يبدو أنّ الخلاف وصل حتّى أروقة صناعة القرار الأميركيّة. ماري دالي، رئيسة بنك الاحتياطيّ الفيدراليّ في ولاية سان فرانسيسكو، ترى العملات المشفّرة باعتبارها فئة أصول مستقلّة، ولا يجب مقارنتها مع الذهب كما هو الحال غالبًا.
ترامب وقرارات اليوم الأوّل
من المعروف أنّ اليوم الأوّل للرئيس الأميركيّ في البيت الأبيض يحمل أهمية كبيرة جدًّا. وتعدّ القرارات الّتي يتمّ اتّخاذها في ذلك اليوم ذات أولوية كبيرة، وقد تشكّل مستقبل البلاد. ومن المقرّر أن يصدر الرئيس المنتخب دونالد ترامب أمراً تنفيذياً متعلقاً بالعملات المشفّرة في الساعات الأولى من ولايته الثانية، وفقًا لما ذكرته مصادر مطّلعة على الأمر لموقع “ديكريبت” Decrypt، ومن المرجّح أن يكون هذا الأمر هو الأوّل بين العديد من القرارات التنفيذيّة القادمة.
ومن المتوقّع أن ينشئ أوّل أمر تنفيذيّ لترامب بشأن العملات المشفّرة مجلس رئاسيّ للعملات المشفّرة، يتألّف من حوالي 20 من قادة الصناعة. وتشير التكهّنات أنّه من المحتمل أن يكونوا جميعًا مؤسّسين ومديرين تنفيذيّين. ومن المرجّح أيضًا أن يوجّه القرار التنفيذيّ لجنة الأوراق الماليّة والبورصات بالتخلّص من قاعدة SAB 121 والّتي تدفع البنوك الأميركيّة باتّجاه عدم الاحتفاظ بالعملات المشفّرة.
قانون SAB 121 هو قاعدة قانونيّة تجبر الشركات، مثل بورصات العملات المشفّرة أو المنصّات الماليّة، بكيفيّة المحاسبة للأصول المشفّرة الّتي تحتفظ بها نيابة عن عملائها. ويضمن هذا المعيار أن تعرّض الشركات هذه الأصول في ميزانيّاتها العموميّة وتشرح المخاطر المرتبطة بالاحتفاظ بها؛ وبالتالي تخضع تلك المؤسّسات لمتطلّبات رأس مال تنظيميّة كبيرة؛ ممّا يدفعها إلى محاولة التخلّص من الأصول المشفّرة.
الحدّ من البيروقراطيّة مع ترامب
إذا، على الورق وحتّى الآن، يبدو مستقبل العملات الرقميّة واعدًا تحت إدارة ترامب. إذ يوجد إصلاحات كثيرة تشي بمستقبل يحمل قواعد واضحة. بعض هذه الإصلاحات المقترحة، والّتي لم تمّ الإبلاغ عنها سابقًا، تشمل توجيه لجنة تداول السلع الآجلة CFTC ولجنة الأوراق الماليّة والبورصات SEC لإنشاء مجموعة عمل للعملات المشفّرة لتنسيق الجهود بشأن الأصول الرقميّة.
الأمر الآخر الموجّه إلى لجنة الأوراق الماليّة والبورصات كان إلغاء قاعدة التبادل المثيرة للجدل، والّتي تستهدف مشاريع التمويل اللامركزيّة DeFi، وهو أمر آخر تمّت صياغته ويقوم وزير الخارجيّة الأميركيّ بالتنسيق دوليًّا بشأن تعزيز الابتكار المتعلّق بالعملات المشفّرة.
مؤخّرًا، فيما يعدّ واحدة من سلسلة المحاولات للحدّ من البيروقراطيّة، خرجت “كوين بيس” Coinbase يوم الاثنين ضدّ محاولة لجنة الأوراق الماليّة والبورصات الأميركيّة الّتي استمرّت لسنوات لتوسيع التعريف البيروقراطيّ لكلمة “البورصة”، والّتي إذا نجحت ستضع نظام DeFi تحت سلطة الجهة التنظيميّة.
ويعدّ نظام DeFi “التمويل اللامركزيّ” Decentralized Finance النسخة الرقميّة للنظام الماليّ التقليديّ، ولكن بدون بنوك أو وسطاء. وهو عبارة عن مجموعة من التطبيقات والخدمات القائمة على تقنيّة “بلوك شين” blockchain والّتي تتيح للمستخدمين اقتراض الأموال وكسب الفائدة وتداول العملات المشفّرة وتأمين أنفسهم ضدّ المخاطر وشراء الأصول مثل الأسهم أو العقارات، كلّ ذلك دون الحاجة إلى بنك أو مؤسّسة ماليّة لإدارتها.
في بيان من ثماني صفحات تمّ تقديمه إلى لجنة الأوراق الماليّة والبورصات يوم الاثنين، انتقد رئيس المكتب القانونيّ لشركة كوين بيس بول جريوال التغيير المحتمل للقاعدة باعتباره “تعسّفيًّا” و”غير عقلانيّ” في عدّة جوانب، وحثّ الوكالة على “التخلّي عن جهودها” لتطبيق القاعدة المقترحة على البورصات اللامركزيّة DEXs.
وقال جريوال “لا تستطيع البورصات اللامركزيّة الامتثال لمتطلّبات التسجيل والإفصاح المصمّمة للبورصات الماليّة التقليديّة الّتي تديرها شركات مركزيّة”. “وحتّى لو كانت البورصات اللامركزيّة قادرة بطريقة ما على الامتثال لقواعد التسجيل والإفصاح الحاليّة، فإنّ اللجنة لا تشرح كيف يمكن للبورصات اللامركزيّة المسجّلة لدى هيئة الأوراق الماليّة والبورصات تسهيل تداول الأصول الرقميّة”.
وتقول مصادر مطّلعة إنّها تعتقد أنّ ترامب يعتزم إصدار إرشادات شاملة وواسعة النطاق من شأنها أن تعود بالفائدة على صناعة العملات المشفّرة، لكنّها تقول إنّ الأمر سيستغرق المزيد من الوقت، على الأرجح، لإنجاز هذه الإصلاحات نظرًا للكمّ الهائل من الأوامر التنفيذيّة الّتي تنتظر الرئيس المنتخب. ويشير الخبراء إلى أن هذا قد يكون أمرًا جيّدًا، لأنّ هذه القضايا تتطلّب دراسة متأنّية، ومن المهمّ معالجتها بشكل صحيح.
بالطبع، نظرًا لطبيعة الرئاسة والاضطراب الّذي لا شكّ أنّه سيحيط بأيّام ترامب الأولى في منصبه، فإنّ أيّ جدول زمنيّ لأيّ أوامر تنفيذيّة مقترحة قيد النظر من قبل إدارته تخضع دائمًا للتغيير. مثلًا، في الأسبوع الماضي، أجرى بو هاينز الّذي اختير لإدارة مجلس التشفير التابع لترامب، مكالمات هاتفيّة مع قادة سياسة التشفير في واشنطن، طالبًا منهم تقديم مقترحات لأوامر تنفيذيّة محتملة متعلّقة بالعملات المشفّرة بحلول يوم الأربعاء المقبل، 15 كانون الثاني/يناير.
إدارة بايدن تعرقل طموحات ترامب
في نهاية عام 2024، سمحت محكمة أميركيّة لوزارة العدل ببيع 69370 حبّة بيتكوين من “أكبر عمليّة مصادرة للعملات المشفّرة في التاريخ”.
وحسب سعر البيتكوين الحاليّ، الّذي يصل حوالي 96 ألف دولار، تبلغ قيمة هذه البيتكوين ما يقرب من 6.4 مليار دولار. من جهتهم، قال مسؤولو وزارة العدل إنّهم يخطّطون للمضيّ قدمًا في بيع الأصول بما يتّفق مع أمر المحكمة، ويجري الضغط من وزارة العدل للبيع بسبب تقلّب سعر البيتكوين.
وتمّت مصادرة العملات بعد سرق أحد القراصنة العدد الكبير من حبّات البيتكوين من طريق الحرير، وهو سوق غير قانونيّ عبر الإنترنت حيث لا يمكن شراء وبيع السلع إلّا باستخدام البيتكوين، في عام 2012، قبل وقت قصير من إغلاق الحكومة الأميركيّة للسوق. اكتشفت الولايات المتّحدة لاحقًا عملات البيتكوين المسروقة في عام 2020 أثناء إجراء مزيد من التحقيقات في طريق الحرير، وحصلت في النهاية على اتّفاقيّة موافقة في ذلك العام من القراصنة، الّذين تنازلوا عن البيتكوين للحكومة الأميركيّة.
المصدر: عرب 48