Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

إسرائيل حالة دوليّة وليست دولة…

من أجل تأسيس فاصل تاريخيّ بلا روافع منطقيّة، وفي مبالغة سياسيّة لا تحتمل الانتظام، ولكنّها ستبقى حاضرةً إلى وقت طويل في مخيال الوعي السياسيّ؛ ألقى الرئيس الأميركيّ ترامب بقنابله "السياسيّة" التفريغيّة، أو الفراغيّة، باللغة العسكريّة، ليُحدث شيئاً ممّا يسمّيه علم الاجتماع السياسيّ بـ "السكتة السياسيّة"، التي أصابت الجميع على خلفيّة الصدمة التي شكّلتها التصوّرات العبثيّة، المطروحة من قبل الرئيس السوبر مان، حيال أكثر القضايا جدّيّة، في الزمان والمكان؛ والرسالة التي يمكننا أن نلتقطها، بعكس ما حاول الرئيس التاجر بثّها، إنّما تعبّر عن قدر كبير من الاضطراب الانفعاليّ، الذي عادةً ما يفضح حال فقدان التوازن كنتيجة طبيعيّة لسؤال الوجود وقلقه المزعج.

وقلق الوجود الكامن في هذه التصوّرات، داخل إطار الصورة الرّاهنة للنظام الدوليّ المتداعي، لا يمكننا الادعاء أنّه يرتبط حصراً بالإسرائيليّ، ولكنّ الأمر في إعلاناته العامّة والأساسيّة يستهدف الفلسطينيّ على وجه التخصيص، ما يدفعنا لضرورة قراءة ما فضحته هذه الحرب الإباديّة للإنسان والمكان، من تناقضات كانت وما تزال سيّدة المشهد بامتياز ليس فقط على جبهة السياسات الأميركيّة، ولكن فيما يخصّ السياسات الأوروبية أيضا؛ حيث يذكّرنا تناقض المواقف المعلنة من عديد الدول الأوروبية، في مقارنتها بالممارسة السياسيّة الداعمة للدولة الإسرائيليّة، بالتصريح الشهير لمفوض السياسة الخارجيّة في الاتحاد الأوروبيّ جوزيف بوريل: "إمّا أن نحترم القانون، أو أن ندعم إسرائيل"، ليُستبدل المفوض لاحقاً ببطلة اقتصاد السوق الليبرالي، كاجا كالاس رئيسة وزراء إستونيا، الصادر بحقّها مذكرة اعتقال روسيّة. غير أنّ الدعم الأوروبيّ المشار إليه هنا لا يتوقّف عند مستوى الرواية المحمولة على مقولة "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ولكنّه ما فتئ يذهب بعيداً على صعيد توفير الغطاء السياسيّ، والدعم اللوجستيّ، المتوفرين دائمًا لحماية أمن إسرائيل "المشروع". يُعدّ تصريح بوريل، الاعتراف الأكثر وضوحاً لسياسات الاتّحاد الأوروبيّ المتناقضة حيال صراع الشرق، بين إسرائيل ودول المنطقة وشعوبها، على الرّغم من أنّ العالم قد تغيّر بعد السابع من أكتوبر 2023، حسب تأكيد الديمقراطيّ الأميركيّ تشاك شومر، وهو ما يحيلنا مباشرةً للموقف الأميركيّ الراسخ في دعم إسرائيل ظالمةً أم ظالمة، ولا فرق بين الظلمين إلّا بمقدار التورّط الأميركيّ في نسب الظلم وصوره، التي وصلت حدّ الدفاع المستميت عن جريمة الإبادة الجماعيّة، ما دفع نتنياهو لتذكير الشرائح الرافضة من الشعب الأميركيّ، في خطابه الأخير أمام الكونجرس نفسه، بتاريخ دولتهم، حين تبجّح قائلًا: "دعونا لا ننسى أنّ هذا البلد "العظيم" والصديق، الولايات المتحدة الأميركيّة، ما كان له أن يولد ويتسيّد هذا العالم لولا ما قام به من عمل جبّار لم يعبأ فيه بأحد، كما نفعل نحن اليوم. لا أقصد فقط تصفية ملايين الهنود الحمر بلا شفقة، ولكن أيضا لأنه البلد الذي لم يتجرّأ أحد على الدعوة إلى محاكمته بزعم ارتكابه جرائم حرب".

إلّا أنّ وقاحة ميليكوفسكي، المسمّى لأسباب سياسيّة استعماريّة، وعقائديّة أسطورية بـ"بنيامين نتنياهو"، وهو المُقرّ في الخطاب نفسه بأنّ شرائح واسعة من شعبه يسمّونه الكاذب ابن الكاذب، دفعته لينسى أو يتناسى أنّ ما حظيت به إسرائيل من رؤساء الولايات المتحدة الأميركيّة والسواد الأعظم من الغرب الشريك، لا يعدّ ولا يحصى، حيث تعتبر إسرائيل المشروع، ضرورة أميركيّة غربيّة استعماريّة، أكثر من كونها جهة سياديّة شريكة، وهو ما عبّر عنه الرئيس الديمقراطيّ السابق جو بايدن بلغة مباشرة لا تورية فيها عشيّة صدمة الطوفان: "لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها" حيث لا يحتمل مثل هكذا تصريح أي تأويل محتمل، قدر ما يؤكّد مع أيّ مشروع نتعامل.

مكانة إسرائيل إذن، هي مكانة راسخة لا يمكن تحريكها في العقيدة السياسيّة والعسكريّة للغرب الأطلسيّ، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركيّة؛ حيث تتّخذ هذه العقيدة الداعمة لحروب إسرائيل المتكرّرة ضدّ العرب، عديد الأشكال والصيغ التي لا يمكننا حصرها في حدود المستوى العسكريّ وحده، وإنّما في الأبعاد السياسيّة والاقتصاديّة والقانونيّة أيضا، ولنا أن نتذكّر العدوان الثلاثيّ على مصر في العام 1956؛ ولكن عادة ما يكون للشعوب رأي آخر يؤكّد بمعنى من المعاني على أنّ "الحقيقة نسبيّة"، بالمفهوم البراغماتيّ، لا تنهض على معايير ثابتة، وليست مطلقة، بل متغيّرة وفقًا للسياق والتجربة، على الرّغم من المطلق الثابت في العلاقة المعقّدة والمركّبة التي تربط هذا الغرب بإسرائيل بداية من سرديّتها الزائفة، وصولاً إلى بنيتها الكولونياليّة الاستعماريّة ووظيفتها الأيديولوجيّة الصراعيّة.

بناءً عليه، ولأنّ العلاقات السياسيّة، وفق الفرنسيّ ريجيس دوبريه، لا تفسّر نفسها، ولكن تُفسَّر بالظروف المادّيّة المؤسّسة لهذه العلاقة؛ نعم تلقّى ترامب الرئيس التاجر، ردود فعل الإقليم بصفة خاصة والنظام الدوليّ بشكل عام، على تلك التصوّرات، التي حاولت أن تخلق الصدمة لتقيس مستويات الهزّات الارتداديّة، فكانت المواقف السعوديّة والمصريّة على وجه التحديد مفاجئة إلى حدّ بعيد؛ ولكن الأهمّ في هذا السياق، أنّ سلوكه، ومن قبله سلوك أسلافه، إلى جوار الممارسات الأوروبيّة، يمكننا الاستدلال منها، أنّ الرأسماليّة الاستعماريّة في الغرب، تتعامل مع إسرائيل من منطلقات وظيفيّة استثماريّة، تتقاطع مع تاريخ اليهود في أوروبا، والأيديولوجيا العقائديّة المتكئة على السياق الأسطوريّ في الشرق، باعتبارها حالة دوليّة وليست دولة.

المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *