هل غزة كفندق الكومودور في نيويورك؟!
هكذا نجح الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، في إشغال دول عديدة ومنظمات حقوقية، ومحللين وفقهاء سياسيين، في ملف مستقبل غزة ! فقد انشغل الجميع بالإجابة عن السؤالين التاليين:
هل يرغب دونالد ترامب أن يسلّم غزة لإسرائيل، أم أنه يرغب في الاستئثار بغزة باعتبارها مشروعاً أميركياً تجارياً يشبه فندق الكومودور في نيويورك؟! وهل يريد، كما يزعم، إعادة بنائها من جديد.. فهو قد أعلن عن خطته بتهجير سكان غزة جميعاً إلى دول عديدة من منطلق «رأفته» بساكنيها كما يدَّعي؛ حفاظاً على حياتهم، مع العلم أن كل قنابل تدمير غزة كانت أميركية الصنع؟
كثيرون من حاملي ألقاب المحللين السياسيين حاولوا الإجابة عن ذلك، وأكثرهم اتفقوا على أن «مشروع غزة ترامب» ليس سوى تأكيد على جهالة دونالد ترامب بالسياسة، وأن هذه الجهالة والتهور وصلت إلى درجة الجنون.
هؤلاء جميعهم لم يقرؤوا كتاب ترامب «فن الصفقة» (The Art of the Deal) الصادر العام 1987، فقد أورد في كتابه طرق وأهداف تحقيق الربح التجاري، لدرجة أنه اعتبر أن كتابه أهم حتى من الكتاب المقدس، وقال عنه: كل من يرغب في الحصول على الثراء والنجاح في الأعمال، عليه أن يشتري الكتاب ويضع يديه على غلافه.
قال في كتابه قبل أن يدخل الحلبة السياسية: «على الطامع في النجاح وتحقيق الطموح الأكبر من الصفقة أن يختار تحقيق الأهداف الكبيرة والبعيدة، وأن يمتلك مهارة الإقناع، والإصرار والصمود، وأن يستغل الفرص السانحة لتحقيق الأهداف، كل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بامتلاك وسائل الإقناع، وطريقة تسخير وسائل الإعلام».
من المعروف أن ترامب لا يملك القدرة على تأليف هذا الكتاب، لأن مؤلفه الحقيقي هو توني شوارتز المذكور اسمه على الغلاف، وهو قد اعترف في ولاية ترامب الأولى بأن دونالد ترامب لم يكتب هذا الكتاب.
كما أن معظم المنشغلين بهذه القصة لم يقرؤوا القصة المشهورة التي رفعت من شأن ترامب مالياً، وهي قصة فندق الكومودور في نيويورك المؤسس العام 1919 كان يضم 1400 غرفة، ولكنه أفلس في العام 1966، لذا قرر رجل الأعمال، ترامب بعد سنوات أن يشتريه ويعيد ترميمه وتحويله إلى صرحٍ جديد، بعد أن حصل على إعفاء ضريبي، وسمّاه جراند حياة نيويورك، ثم أغلقه في جائحة كورونا ، وأصبح ناطحة سحاب العام 1996، هناك خطة لإعادة افتتاح فندق الكومودور بصورة جديدة العام 2026.
دونالد ترامب زعيم الصفقات الغريب هذا يمكن اكتشاف شخصيته المتناقضة من خلال صداقاته مع ثلاث شخصيات، الشخصية الأولى شخصية دينية مسيحانية، هي باولا متشل وايت، وتنتمي إلى الكنيسة البروتستانتية الإيفانجيلية ولدت العام 1966، وتعتبر اليوم شخصية بارزة في هذه الكنيسة، ولها منصات إعلامية عديدة، وهي قسيسة في علم اللاهوت، تدَّعي أنها تتلقى الوحي من السماء! هذه (القديسة) البارزة هي اليوم من أهم الشخصيات في طاقم ترامب، وهي التي أدخلته في المسيحانية، وأشرفت على إعادة صياغته وغيَّرتْهُ من رجل علماني طائش إلى شخصية دينية، وإلى «مبعوث إلهي غايته تمكين إسرائيل من الانتصار على أعدائها تمهيداً لعودة المسيح».
أما الشخصية الثانية فهي بالمناسبة نقيض الشخصية الدينية الأولى.. إنه الملياردير إيلون ماسك أغنى أغنياء العالم ومالك شركة تسلا ومنصة «إكس» الرقمية وغيرها من الشركات العملاقة، هو اليوم مستشار ترامب الجديد في قضايا تقليص الإنفاق الحكومي، وهو الذي أوصى بإغلاق أكبر مؤسسة دعم أميركية لتقديم المساعدات في العالم (USAID).. ماسك المولود في جنوب أفريقيا العام 1971، كندي الأصول حاصل على الجنسية الأميركية، وأكبر داعم لحملة ترامب الانتخابية؛ فقد تبرع بـ426 مليون دولار لحملة ترامب.
أما الشخصية الثالثة والأكثر تأثيراً في ترامب من الشخصيتين المتناقضتين السابقتين، فهي عضو الحزب الجمهوري، مريام أدلسون، زوجة الملياردير الأميركي اليهودي الراحل شلدون أدلسون، ممول حملات نتنياهو الانتخابية، وهي اليوم مالكة صحيفة «إسرائيل هيوم»، ومن أكثر الشخصيات تأثيراً في الرأي العام الإسرائيلي، بما تملكه من صداقات إسرائيلية وبما تملكه من ثروة زوجها الراحل، وهي كذلك الأكثر تبرعاً لحملة ترامب الانتخابية.
هذه الشخصيات السابقة حضرت احتفالات تنصيب ترامب، وجلست في الصفوف الأولى، حتى أن ماسك كان يجلس في وسط أسرة دونالد ترامب كأحد أفراد العائلة.
لا غرابة إذاً حين يَعتبر الرئيسُ الأميركي، دونالد ترامب، قطاعَ غزة صفقة تجارية ناجحة لا تختلف عن فندق كومودور في واشنطن! فهو يملك سلطة في المجال السياسي الخارجي أكثر من المجالات الداخلية المتمثلة في التشريعات الصحية والصناعات وغيرها! وهو في فترة حكمه الأولى 2017 نقل السفارة الأميركية إلى القدس ، ثم اعترف بسيادة إسرائيل على الجولان.
لا تستخفوا بأقواله، فغزة عنده مشروعٌ تجاري غني بالثروات المخبوءة، أبرزها شاطئها الغني بالغاز الطبيعي، وغزة كذلك منتجع سياحي فاخر، بالإضافة إلى أنها مشروع ضغط سياسي على مصر، لأنها ستكون في المستقبل مشروعاً لحفر قناة بين البحر الأبيض والبحر الأحمر، كبديل لقناة السويس، مع العلم أن ترامب يعتبر نفسه المقاول الوحيد لتنفيذ هذا المشروع الكبير، الذي لم ينجح بن غوريون في إتمامه، لتتحول إلى «غزة ترامب» على الرغم من أنه ادعى كاذباً أنه زارها ويعرف موقعها، وأنها مكان جميل.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر