إلى أين سيصل قطار العُنصريّة والفاشيّة؟

العنصرية والممارسات الفاشية في تفاقم مستمرّ، روح الانتقام كأنّها نار يسكبون عليها البنزين في كل لحظة، كلما ارتفعت ألسنتها أكثر طالبوا بالمزيد.
من صرعات الانتقام، منع الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم في صفقات التبادل وذويهم من التّعبير وإظهار أي صورة للفرح، وحتى اعتقال من يحتفلون بأسير أطلق سراحه.
ما تفسير كل هذا العداء والحقد الذي لا يستطيع تحمّل ابتسامة أو ضحكة أسير نال حرِّيّته؟
وما الهدف من إرغام الأسرى الفلسطينيين على ارتداء فانيلات مختومة بنجمة داوود ومكتوب عليها "لن نغفر ولن ننسى باللغة العربية"؟!
أوّلا هي العنصرية التي تؤمن بغباء أنّ ما يحق لليهودي لا يحق للعربي، وهذا مبنيٌ على أسس تصل جذورها إلى أساطير توراتية عن الشَّعب المختار، وما دام أنّه شعبٌ مختارٌ، فإنَّ كلَّ واحد منه يساوي آلافا، وربما ملايين من الأغيار.
الشَّعبُ المختار يحظى بحصانة إلهية، ويحقُّ له أن يعذّب ويهين ويذلَّ غيره، وهو يعتبر أنّ أيّ مظهر من مظاهر القوة أو عزّة النفس والكرامة يبديه العربي فهو استفزاز، ويجب أن يعاقب عليه.
يجب أن يحمل العربي شعورًا بالدّونية أمام الصّهيوني-التوراتي، وعلى العربي أن يذوّت وأن يسلّم بأنه أقل وبأنه ليس ندّا، وما يحق لليهودي لا يحق له، لا معنويًا ولا ماديًا.
بناء عليه، فإن إصابة إنسان يهودي بجراح تستدعي البكاء والتألّم والتّضامن وإنشاء سردية هائلة حول الألم والمعاناة، ولكن إذا جُرح أو قتل الفلسطيني، فهذا أمرٌ لا يجب حتى الالتفات إليه.
هكذا فإن معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين لا تعني شيئًا، رغم خروج بعضهم من المعتقل فاقدًا القدرة على النّطق من شدّة التعذيب، وبعضهم مات بالفعل تحت التعذيب، والبعض خرج مشلولاً أو مبتور الأطراف، والبعض نقص وزنه عشرات الكيلو غرامات، فهذا لا يهمُّ، لأنّ العربي لا يساوي شيئا، ولا يفترض أن يعامل كإنسان.
لم يسلم حتى الملك عبد الله الثاني من سخريّتهم، وراحوا يتهكمون على جلسته وردّة فعله أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
هذه رسالة إلى الإنسان العربي بأنّ حتى ملِكَه أو رئيسه لا يعامل باحترام، ويشعر بالدّونية أمام غيره من زعماء! بينما انظروا كيف كانت لغة الجسد لدى بيبي نتنياهو أمام دونالد ترامب متباهيًا وقويًا ومنفوخًا ومنتصب القامة!
أكثر ما يغيظ الإسرائيليين من كلِّ الأطياف السّياسية، هي استعراضات المقاومة التي تقدّمها في كل عملية تبادل أسرى، لأنّها تظهر رجالاً معتزّين بأنفسهم، ولهذا تأثيرُه على أبناء الوطن العربي والعالم كلّه، كيف لتنظيم صغير وبإمكانيات متواضعة، أن يصمد خمسة عشر شهرًا أمام أعتى قوة عسكرية في المنطقة، مدعومة بكل ما يلزم من دولة عظمى، ثم يجري تبادل أسرى ندًّا لند وليس استسلامًا.
طريقة الاستعراض والتّسليم تأتي بعد محاولات مئات المرات لتحرير الأسرى والمحتجزين بالقوّة دون نتيجة، وهذا أظهر أنّ إسرائيل وأميركا وأجهزة مخابرات عربية وعالمية داعمة لها ليست قادرة على كلّ شيء.
أظهرت عمليات التبادل، الوجه الإنساني للمقاومين من خلال تعاملهم مع الأسرى، وهو عكس ما يبثّه ويروّج له الإعلام الإسرائيلي على مدار عقود.
يحاول الاحتلال من خلال الإمعان في معاقبة الأسرى وتعذيبهم وحرمانهم من أي مظهر للفرح، بأن يجعلهم عبرة لغيرهم من الشّباب، وذلك أنّ العقاب الشّديد سيلاحقهم حتى بعد إطلاق سراحهم.
يخشى الاحتلال من أيّ مظهر قوة يبدونه الأسرى، رغم كل ما مروا فيه من قهر وتعذيب، لأنّ ظهورهم فرحين ومبتسمين ومحتفلين يمنح المعنويات والإلهام لغيرهم، وما الابتسامة سوى استهتار بالاحتلال وإشارة إلى فشل محاولاته في كسر روح المقاومة.
لقد تحطّمت الصّورة النمطية التي اشتغل عليها الإعلام الإسرائيلي والأميركي والغربي عمومًا والعربي المتصهين عقودًا. هنالك محاولات ترميم وإنقاذ، ولكنها تنتقل من عنصرية بائسة إلى أشدّ بؤسًا ومن فشل إلى آخر. وكلّما ازداد الفشل ازداد الحقد في المقابل، والذي يترجم إلى قتل وهدم واعتقالات وتدمير للحجر والشّجر والبشر.
لكن إلى أين سيصل كل هذا التغوّل! هل يستمرُّون إلى الأبد في التنكيل وبمزيد من التهجير والاقتلاع! وهل يظنّون أنّ هذا سينجحُ ويستمر إلى الأبد، وأنّ الأمة العربية ستتقبل إلغاء وجود شعب فلسطين في وطنه!
الاحتلال بغبائه يتعرّى في كل يوم، أمام مزيدٍ من ملايين العرب، ويظهر على حقيقته، بعدما نجح في حِقَبٍ سابقة بتضليل أجزاء كبيرة من العرب، ومن غير العرب بأنّه لا يطمع إلا بالسّلام! الآن بات الهدف واضحًا ومعلنًا، وهو تحقيق هدف إسرائيل الكبرى، وهو احتلال كلّ فلسطين وتهجير شعبها، واحتلال أجزاء من سورية ولبنان والاستيلاء مباشرة أو غير مباشرة على خيرات المنطقة بمائها ونفطها وغازها وأرضها، وإذلال شعوبها من غير استثناء لأحد، لا لصديق مطّبع ولا مع من عقد سلامًا، ولا مع مقاوم، ومن المنطلق العنصري الاستعلائي التوراتي إياه. وهو ما يوازي عنصرية الرّجل الأبيض تجاه الملونين من شعوب المستعمرات، ولن يصل قطار العنصرية والاستعلاء البغيض إلا إلى جدار وطريق مسدود.
المصدر: عرب 48