أزمات نتنياهو داخل حكومته: تنصيب نظام جديد في غزة قصة فشل معلن

ملخّص:
بتعيينه ديرمر رئيسا لوفد المفاوضات، نتنياهو يحاول عرقلة أو تأخير المرحلة الثانية لتبادل الأسرى، لكنه قد يستأنف الحرب بعد تنفيذها، بعد فشله في تحقيق أهداف الحرب حتى الآن، فيما لا يتوقع النجاح بارتكاب جريمة تهجير الغزيين…
أبرز ست نقاط:
1. تأجيل المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار
نتنياهو يسعى لتأخير تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق تبادل الأسرى والتهدئة، بينما يمارس عليه ضغط دولي من إدارة ترامب لتنفيذها.
2. الضغوط داخل الائتلاف الحكومي
الحكومة الإسرائيلية تواجه أزمات عميقة تتعلق بتجنيد الحريديين وميزانية الدولة، وسط تهديدات من شركاء الائتلاف بالانسحاب.
3. تهديدات سموتريتش وبن غفير
وزير المالية سموتريتش يهدد بانسحابه من الحكومة إذا تم تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، ما قد يؤدي إلى انهيار الائتلاف.
4. خطط إسرائيلية لتهجير الغزيين
إسرائيل تتحدث عن خطط لتهجير سكان غزة إلى دول أخرى، لكن هذه الخطط تواجه معارضة شديدة من الفلسطينيين والعالم العربي.
5. تعيين ديرمر لرئاسة وفد المفاوضات
نتنياهو يعين رون ديرمر رئيساً لوفد المفاوضات في خطوة تهدف إلى تعطيل المفاوضات مع الوسطاء القطريين والمصريين، وتحويلها إلى مسار يتماشى مع مصالحه.
6. فشل فكرة التنصيب في غزة
إسرائيل تخطط لتنصيب نظام جديد في غزة، لكن التاريخ يظهر أن محاولات إسرائيل السابقة لتأسيس حكومات موالية لها في الأراضي المحتلة فشلت، ومن المتوقع أن تفشل مجددًا في غزة.
يختلف موقف إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن موقف حكومة بنيامين نتنياهو، في ما يتعلق بالتقدم نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. وتمارس إدارة ترامب ضغوطا على نتنياهو من أجل التوصل إلى المرحلة الثانية وتنفيذها، فيما يحاول نتنياهو عرقلة الوصول إليها أو تأخير ذلك.
وتصوّر وسائل الإعلام الإسرائيلية نتنياهو، في هذا السياق، كأنه مضطر للخضوع إلى تهديدات يضعها رئيس حزب الصهيونية الدينية ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، الذي يرى بتنفيذ المرحلة الثانية أنه نهاية للحرب على غزة، وهو ما يرفضه، ويهدد بأنه في هذه الحالة سينسحب من الحكومة، ما يهدد بسقوطها، لأن الأحزاب الباقية في الحكومة، أي الليكود والحريديين، لن يشكلوا أغلبية في الكنيست، بعد أن انسحب من الحكومة حزب "عوتسما يهوديت" برئاسة إيتمار بن غفير، الشهر الماضي.
لكن هذا السيناريو ليس حقيقيا بالضرورة. فقد صرح نتنياهو مرارا وتكرارا حول استئناف الحرب على غزة بعد انتهاء المرحلة الأولى الحالية من الاتفاق. كما سيظهر نتنياهو، في حال قرر إنهاء الحرب، أنه فشل في تحقيق أهدافها المعلنة، بالقضاء على حماس عسكريا وسلطويا، وبإعادة جميع الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة.
إضافة إلى ذلك، فإن حزب بن غفير لم ينضم إلى المعارضة في الكنيست بعد انسحابه من الحكومة، وليس متوقعا أن ينضم حزب سموتريتش أيضا إلى المعارضة، في حال انسحابه من الحكومة. وأعلن بن غفير أنه "لن نسقط حكومة اليمين".
يبدو في هذا الحال أن حكومة نتنياهو في مأمن. لكن هناك أزمتين قادمتين تتعلقان بقانون يعفي الحريديين من التجنيد للجيش الإسرائيلي، بناء على مطلب الأحزاب الحريدية، وقانون ميزانية الدولة للعام الجاري، الذي يتعين على الحكومة سنه حتى نهاية آذار/مارس المقبل، وإلا ستسقط الحكومة أوتوماتيكيا. وتهدد الأحزاب الحريدية بعدم تأييد ميزانية الدولة في حال عدم سن قانون إعفاء الحريديين من التجنيد قبل ذلك.
في المقابل، يؤيد حزبا سموتريتش وبن غفير إلزام الحريديين بالتجنيد، فناخبيهما يتجندون للجيش بنسب مرتفعة قياسا بباقي الفئات السكانية التي تؤدي الخدمة العسكرية. ولذلك، يتوقع أن يعارضا قانونا يعفي الحريديين من التجنيد، خصوصا وأن الجيش الإسرائيلي يعلن أنه يواجه نقصا في عناصره بسبب الحرب، ويطالب بتجنيد الحريديين.
ليس واضحا كيف سيحل نتنياهو هذه الأزمات في حكومته، لكن بعض التقديرات تشير إلى أنه في حال قرر تنفيذ المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى ووقف الحرب، فإن سيقدم "تعويضا" لسموتريتش، على شكل تنفيذ مخطط ضم مناطق في الضفة الغربية إلى إسرائيل، رغم أن هذه لن تكون خطوة يسهل تنفيذها، بسبب معارضة دولية واسعة لها، ربما باستثناء إدارة ترامب، وفي ظل توقعات بتدهور الوضع الأمني في الضفة وصولا إلى انتفاضة عارمة. والأمر الأبرز في هذا السيناريو، وخلاصته وقف الحرب، هو أن نتنياهو يعلن فشله في تحقيق أهداف الحرب.
إلا أن نتنياهو قرر اللجوء إلى المماطلة، ويطرح إمكانية تمديد المرحلة الأولى. واستبعد رئيس الموساد، دافيد برنياع، ورئيس الشاباك، رونين بار، من وفد المفاوضات، وعيّن الوزير رون ديرمر، الذي يعتبر أقرب المستشارين إليه، رئيسا لوفد المفاوضات.
ويأتي هذا التغيير تمهيدا لإنهاء ولاية رئيس الشاباك في منصبه، إما من خلال دفعه إلى الاستقالة، مثلما فعل مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، أو بإقالته. ويتوقع أن يتم ذلك بحلول نهاية الشهر الحالي، وهو الموعد الذي فيه يتعين على الشاباك أن يقدم تحقيقاته حول إخفاقه في 7 أكتوبر 2023. وتفيد تقارير إسرائيلية بأن نتنياهو سيعين شخصا مواليا له رئيسا للشاباك.
ويهدف تعيين ديرمر إلى عرقلة أو تأخير المفاوضات حول المرحلة الثانية، إذا سيجري ديرمر هذه المفاوضات مع مبعوث ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، وليس مقابل الوسطاء القطريين والمصريين، بادعاء سحب زمام الأمور في المفاوضات من قطر. ولأن المفاوضات هي بين إسرائيل وحماس، وليس مع الوسطاء، ليس واضحا كيف سيتم التواصل مع حماس، التي لا يوجد أي تواصل مباشر بينها وبين الأميركيين، لكن يرجح أن قطر ستواصل مساعيها من أجل إنهاء الحرب، كونها الأكثر قربا من حماس التي تتواجد قيادتها في الدوحة.
تنصيب نظام جديد في غزة
في الأسبوع الأخير، تزايد الحديث في إسرائيل حول تهجير الغزيين، بعد أن منح ترامب شرعية له، عندما تحدث عن "نقل" الغزيين إلى دول أخرى، بينها مصر والأردن، وذكر نتنياهو أن السعودية أيضا بين هذه الدول، وفي المقابل إعادة إعمار قطاع غزة المدمر. ويعارض الفلسطينيون والدول العربية والعالم كله هذا المخطط، باستثناء إدارة ترامب.
وأشارت تقارير، في الأسبوع الأخير، إلى خطط إسرائيلية لتهجير الغزيين، خلال حرب على غزة وليس خلال فترة وقف إطلاق نار. ويعني ذلك أن هذه الخطط تشير إلى إمكانية استئناف الحرب بعد تنفيذ المرحلة الثانية، وعدم تنفيذ المرحلة الثالثة، التي تقضي بموجب الاتفاق بانسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل من القطاع وبدء إعادة الإعمار غير المرتبط بما أعلنه ترامب.
وتشمل خطط التهجير الإسرائيلية تفاصيل حول "نقل" الغزيين إلى الخارج جوا وبحرا وبرا، في موازاة شن الجيش الإسرائيلي عمليات عسكرية بقوة شديدة ضد حماس في أنحاء القطاع. وتتخيل إسرائيل أنها بذلك ستقضي على وجود حماس العسكري والسلطوي، بعد أن تكون قد استعادت أسراها.
إلا أن نجاح مخطط تهجير الغزيين ليس متوقعا. فقد فشلت جميع محاولات إسرائيل بتهجير غزيين، منذ نكبة العام 1948، وخلال العدوان الثلاثي على مصر، في العام 1956، الذي احتلت إسرائيل خلاله قطاع غزة وسيناء لبضعة أشهر واضطرت إلى الانسحاب منهما، وكذلك بعد احتلال القطاع في العام 1967.
ورغم علم نتنياهو بهذه الحقيقة التاريخية، إلا أنه أول من طرح، في الحرب الحالية، تنفيذ تهجير كهذا. ففي نهاية كانون الأول/ ديسمبر العام 2023، أعلن خلال اجتماع لكتلة حزب الليكود في الكنيست، أنه يعمل على تنفيذ "هجرة طوعية" لسكان قطاع غزة إلى دول أخرى، واعتبر أن "مشكلتنا هي (إيجاد) الدول المستعدة لاستقبالهم، ونحن نعمل على هذا الأمر". وفي حينه، شكّل وزير الخارجية الأسبق، إيلي كوهين، طاقما، مهمته محاولة إجراء اتصالات مع دول إفريقية يمكن أن توافق على استقبال مهجرين من غزة، وبين هذه الدول الكونغو ورواندا.
ويعلن نتنياهو أنه في نهاية الحرب لن تكون حماس في الحكم، وأنه يرفض عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة. وحسب خطة ترامب بـ"تملك" غزة وتحويلها إلى منتجع ضخم، فإن إسرائيل أيضا لن تكون في غزة. وقد رحب نتنياهو بهذه خطة وامتدحها. ويعني ذلك أنه بنظر نتنياهو سيتم تنصيب جهة ما لقيادة غزة.
ومسألة تنصيب حاكم أو نظام لمنطقة تحتلها أو تحاصرها أو تسيطر عليها إسرائيل بأي شكل من الأشكال، هي عقدة بالنسبة للإسرائيليين وباعترافهم، بسبب فشلها. ففي الضفة الغربية فشلت إسرائيل في تنصيب جهات فلسطينية موالية لها، مثل "روابط القرى"، في نهاية السبعينيات، لتكون بديلا للقوى الوطنية الفلسطينية ومنع قيام دولة فلسطينية. وخلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان وحصار بيروت، في العام 1982، فشلت في تنصيب زعيم الكتائب، بشير الجميل، رئيسا للبنان، واغتيل في معقل الكتائب بعد ثلاثة أسابيع.
وفي كلتا حالتي التنصيب، لم تكن في الضفة، أو في لبنان، حركات محلية مسلحة بحجم المقاومة في غزة، التي سجلت صمودا كبيرا أمام آلة الحرب الإسرائيلية الهائلة، وبالرغم من جرائم الإبادة الرهيبة والدمار الهائل في القطاع. لذلك، فإنه يتوقع أن تكون مسألة التنصيب في غزة، وليس مهما من هي الجهة التي ستنصب، سواء كانت أميركية أو دولية أو عربية، قصة فشل معلن.
المصدر: عرب 48