تباين الرؤى حول غزة: مصر تبحث عن إدارة بديلة وعباس يتمسك بالسيطرة الكاملة

تتباين رؤية مصر بشأن إدارة قطاع غزة وإعادة إعماره بشكل جذري عن رؤية الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إذ ترفض القاهرة ومعها الدول المانحة منح السلطة الفلسطينية سيطرة مباشرة على الأموال المخصصة للإعمار، وهو ما يتمسك به عباس باعتباره جزءًا من فرض سيادة السلطة على القطاع.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وأشارت صحيفة "العربي الجديد"، في تقرير أوردته اليوم، الأحد، أن المانحين الدوليين يبدون تحفظًا واضحًا تجاه مقترح السلطة الفلسطينية، خشية من سوء استخدام الأموال أو تحويلها إلى أداة لتعزيز الانقسام والاستقطاب السياسي، خاصة في ظل اتهامات سابقة بضعف الشفافية والرقابة المالية داخل السلطة الفلسطينية.
إلى جانب المسائل المالية، ترى القاهرة أن السلطة الفلسطينية لا تمتلك القدرة الإدارية والكوادر البشرية الكافية لإدارة غزة، خاصة بعد غيابها عن القطاع منذ عام 2007، حيث تسيطر حركة حماس على مفاصل الحكم هناك. في ظل هذا الواقع، تعتبر مصر أن إعادة السلطة إلى غزة تتطلب جهازًا إداريًا فاعلًا قادرًا على التعامل مع الأوضاع الميدانية، وهو ما تفتقر إليه السلطة حاليًا، مما يدفع القاهرة إلى البحث عن خيارات أكثر واقعية من تلك التي يطرحها عباس.
التصور المصري: إدارة دولية بإشراف مصري
وفي هذه الأثناء، تعمل مصر على وضع تصور مختلف لإدارة غزة يرتكز على دورها الرئيسي في الإشراف، مع مشاركة الجهات الدولية المانحة لضمان الشفافية في إدارة أموال الإعمار. وفقًا لهذه الرؤية، سيتم تنفيذ مشاريع البنية التحتية وإعادة الإعمار من خلال لجنة فنية تخضع للإشراف المصري، مع رقابة دولية لضمان تنفيذها وفق خطط تنموية محددة.
كما يتضمن التصور اختيار كوادر محلية لإدارة القطاعات المختلفة في غزة، بعد إخضاعها لمراجعة أمنية دقيقة تشمل التنسيق مع إسرائيل لضمان عدم إدراج أفراد غير مرغوب بهم أمنيًا في الهيكل الإداري الجديد.
إضافة إلى ذلك، تسعى القاهرة، بحسب التقرير، إلى إقناع الولايات المتحدة بأن الحل الأمثل لإدارة غزة لا يمكن أن يكون مجرد إعادة السلطة الفلسطينية بشكلها التقليدي، بل يتطلب ترتيبات جديدة تأخذ بعين الاعتبار الحقائق السياسية والميدانية داخل القطاع.
ضغوط مصرية على حماس وترتيبات أمنية جديدة
وتعمل مصر على ممارسة ضغوط على حماس للقبول بتقديم تنازلات، لا سيما في ما يتعلق بسلاحها، إلى جانب الترتيب لتسليم المعابر البرية إلى جهة محايدة تحت إشراف دولي، وذلك لضمان عدم تكرار سيناريوهات التعثر السابقة في محاولات ترتيب الأوضاع داخل القطاع.
لكن العقبة الأساسية التي تواجه هذه الترتيبات تكمن في رفض عباس لأي تصور لا يمنح السلطة السيطرة الكاملة على غزة، إضافة إلى معارضة الفصائل الفلسطينية، وخصوصًا حماس، لأي خطة لا تعطيها نفوذًا سياسيًا أو عسكريًا داخل القطاع.
رؤية عباس: استعادة غزة تحت سيطرة السلطة
من جانبه، يسعى عباس إلى استعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة وفق النموذج المعمول به في الضفة الغربية، تأكيدًا لوحدة الأرض الفلسطينية تحت ولاية سياسية وقانونية موحدة. وتشمل خطته ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، وتسلم السلطة الفلسطينية جميع المعابر، بما في ذلك معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح، على أن يتم تشغيلها بالتعاون مع مصر والاتحاد الأوروبي وفق اتفاقيات سابقة.
كما أعدّت الحكومة الفلسطينية خطة لإعادة الإعمار، تضمن بقاء السكان في القطاع، بالتنسيق مع القاهرة والجهات الدولية، مثل البنك الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن المقرر تقديم هذه الخطة إلى القمة العربية الاستثنائية في القاهرة في الرابع من آذار/ مارس المقبل لإقرارها رسميًا.
جهود فلسطينية لتنظيم مؤتمر دولي للإعمار
بالتوازي مع ذلك، تعمل السلطة الفلسطينية مع مصر والأمم المتحدة على تنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة، بمشاركة الدول المانحة، في إطار صندوق ائتماني دولي بالتعاون مع البنك الدولي. كما تشدد السلطة على ضرورة دعم وكالة "أونروا"، باعتبارها الجهة الأساسية التي تقدم الخدمات الإنسانية في القطاع.
موقف حماس وعقبات أمام الطروحات المصرية
في ظل هذه التباينات، يتساءل نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، مختار الغباشي، عما إذا كانت حماس ستقبل بالتخلي عن سيطرتها على غزة، مشيرًا إلى أن "مشهد تبادل الأسرى بين الحركة وإسرائيل يبرز مدى قوة حماس في فرض وجودها داخل القطاع، مدعومة بتأييد شعبي واسع".
ويرى الغباشي أن هذه الحقائق تعزز موقف حماس في المفاوضات الجارية، لكنها تطرح في الوقت ذاته إشكاليات أمام الخطة المصرية التي تهدف إلى إعادة تشكيل إدارة غزة وفق رؤية جديدة.
المصدر: عرب 48