تجدّد الحرب وأزمة نتنياهو

يواجه بنيامين نتنياهو أزمة حقيقيّة. استمرار وقف إطلاق النار في غزّة قد يعني انهيار حكومته. انهيار وقف إطلاق النار يعني استمرار حكومته، ولكن يعني أيضًا التنازل عن تحرير من تبقّى من الرهائن؛ نحو 60 رهينة.
يترتّب على إسرائيل الانسحاب من محور صلاح الدين (فلادلفيا) بعد إتمام عمليّات التبادل في المرحلة الأولى من اتّفاق وقف إطلاق النار، فيما يهدّد سموتريتش بالانسحاب من الحكومة إذا ما انسحب الجيش الإسرائيليّ، وتواصل وقف إطلاق النار وعدم استئناف الحرب على غزّة. هذه ورطة سياسيّة أخرى بالنسبة لنتنياهو.
لذلك، يستغلّ نتنياهو أيّة خلل أو تأخّر في تبادل الأسرى مثلما حصل في عمليّة تسليم الجثث الأخيرة، ليضع العراقيل في إتمام التبادل، وابتزاز الوسطاء بتحصيل أكثر ما يمكن من المرحلة الأولى للاتّفاق، لتجنّب الوصول إلى المرحلة الثانية لوقف إطلاق النار، الّتي تعني حتمًا خطر انهيار ائتلافه الحاكم.
كما يستغلّ مراسيم تسليم الرهائن الّتي تجريها كتائب القسّام، ويعتبرها استفزازيّة ومهينة، خصوصًا أنّها تعطي الانطباع بأنّ الحرب على حماس لم تجد، وأنّ الحركة لا تزال مسيطرة على القطاع، فيما لم يستطع تقديم صورة النصر المطلق الّذي وعد به الإسرائيليّين، سوى مشاهد الإبادة العمرانيّة الفظيعة.
تظهر هذه المراسيم أنّ حماس ما زالت المهيمنة على القطاع، وكانت ضروريّة بالنسبة إليها لتأكيد ذلك، لكنّ مفعولها على الرأي العامّ الإسرائيليّ سلبيّ، خصوصًا أنّها باتت متكرّرة، والتكرار يقلّل من التأثير أو المفعول، ويصبح روتينًا متوقّعًا أو معتادًا، وإذا ما تحوّلت لذريعة لدى نتنياهو لتعطيل تبادل الأسرى، فمن المرجّح أنّ حماس ستتنازل عنها خصوصًا عند تسليم الجثث، فهي ليست الجوهر، بل الأمر الجوهريّ والأساسيّ هو وقف الحرب وتدشين إعادة الإعمار.
فلا بأس لو تنازلت الحركة عن هذه المراسيم، لأنّها أصبحت متكرّرة ورسالتها وصلت للجميع بأنّ حماس باقية في القطاع، ولكنّ تأثيرها إسرائيليًّا هو سلبيّ، على اعتبار أنّها تنكيل بالرهائن، وتحوّلت إلى ذريعة لنتنياهو لتعطيل الاتّفاق. أي أدّت مفعولًا معاكسًا، ولم تتحوّل إلى أداة ضغط على نتنياهو للاستمرار في وقف إطلاق النار.
ورغم سعي حماس للالتزام بتفاصيل الاتّفاق، بل وتجاوبها مع جهود الوسطاء لتيسير المرحلة الأولى، إلّا أنّ نتنياهو يضع وسيضع مزيدًا من العراقيل والشروط بهدف تمديد المرحلة الأولى وإطلاق سراح أكبر عدد من الرهائن الإسرائيليّين، أحياء أو أمواتًا، دون الالتزام بوقف مستدام للحرب.
تتداخل، بل تحكم الاعتبارات السياسيّة الشخصيّة ومصير ائتلافه الحاكم قرارات نتنياهو، ويستغلّ الدعوات للانتقام من الفلسطينيّين بعد استعادة الجثث الأربع، الخميس قبل الماضي، وتفجير الحافلات في بات يام وحولون، للماطلة وعرقلة إتمام المرحلة الأولى وانسحاب الجيش من محور صلاح الدين.
كذلك يريد نتنياهو تعطيل مفاوضات المرحلة الثانية من خلال وضع شروط تعجيزيّة يدرك أنّ حماس ترفضها، وهي إجلاء قادة الحركة من قطاع غزّة ونزع سلاحها، بالتزامن مع تجنّبه التجاوب مع مبادرات لوضع خطط لإدارة القطاع بعد وقف الحرب، ويصرّ على رفضه بعدم تولّي السلطة الفلسطينيّة إدارة القطاع.
يقول المبعوث الأميركيّ، ستيف وتيكوف، إنّ مفاوضات المرحلة الثانية معقّدة، لأنّ إسرائيل تريد منها إجلاء قادة حماس ونزع السلاح في القطاع، أي إنهاء وجود حماس عمليًّا في القطاع، في المقابل تريد حماس استمرار وقف إطلاق النار وترفض إجلاء قادتها للخارج ونزع السلاح.
إذًا، الحقيقيّة أنّ نتنياهو لا يريد الوصول إلى المرحلة الثانية، ويبقى ذلك منوطًا بمستوى الضغوط الأميركيّة عليه، إذ صرّح ويتكوّف أنّ ترامب يريد استمرار وقف إطلاق النار من خلال مرحلة ثانية، وأنّه يريد تحرير جميع الرهائن الإسرائيليّين.
هل تتجدّد الحرب؟ ليس أمرًا سهلًا، خصوصًا أنّ الحسابات الأميركيّة تتجاوز قطاع غزّة، أيّ أنّها إقليميّة، في ظلّ المساعي العربيّة لتقديم خطّة بديلة لفكرة ترامب بالتهجير، وتقديم سلّم لجميع الأطراف للنزول عن شجرة شروطهم، بحيث تجد مخرجًا يبعد حماس عن حكم القطاع دون تسلّم السلطة الفلسطينيّة لإدارة لقطاع، بل لجنة إداريّة مدعومة عربيًّا، وصولًا إلى طرح الخطّة العربيّة حلولًا لملفّات أخرى مثل لبنان وسورية، تضع أمام السعي الإسرائيليّ للهيمنة على المنطقة بعد ضرب المحور الإيرانيّ، مشروعًا عربيًّا يقوم على السلام والتطبيع والإعمار، وهذا ما يحلم به ترامب، أو ما سُمّي مرّة "السلام الاقتصاديّ"؛ لكن على أساس السعي نحو حلّ الدولتين، ولو لفظيًّا.
المصدر: عرب 48