الملاحقات والاعتقالات السياسية… في خدمة اليمين المتطرف

تصاعدت وتيرة الملاحقات والاعتقالات السياسية مؤخرا ضد المواطنين العرب لتطال النشطاء والسياسيين والصحافيين والفنانين والأكاديميين وغيرهم، وتأخذ منحى خطيرا في محاولة لترسيخ سياسة كم الأفواه في البلاد.
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
وبات الإعلام والنشطاء الإسرائيليون عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمجموعات اليهودية المتطرفة ذراعا لا يقل أهمية عن الشرطة الإسرائيلية، في ملاحقة كل مواطن عربي يبدي رأيه بخصوص الحرب على غزة أو أي انتهاك إسرائيلي بحق الفلسطينيين بمختلف أماكن تواجدهم.
View this post on Instagram
وتجلت آخر هذه الملاحقات باعتقال الصحافي سعيد حسنين بعد انتصاف ليل الثلاثاء – الأربعاء بعد حملة تحريض قادتها مجموعات يهودية متطرفة على خلفية مقابلة أجراها مع قناة "الأقصى" وإقالته من عمله في فريق اتحاد أبناء سخنين وسحب بطاقة الصحافة الحكومية منه، وسبقه اعتقال الفنان والكوميديان نضال بدارنة ابن مدينة عرابة البطوف في أعقاب حملة تحريض طالته على خلفية تقديمه عروض "ستاند أب"، بالإضافة إلى اعتقال سكرتير اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي فادي أبو يونس من مدينة سخنين على خلفية منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
"تحول خطير"
وبهذا الصدد، قال المحامي علاء محاجنة الموكل بالدفاع عن الصحافي سعيد حسنين، لـ"عرب 48" إن "هذه الملاحقة جاءت نتيجة لحملة تحريض شرسة جدا بدأت فيها القناة 14 الإسرائيلية العنصرية، التي تقود بذاتها جوقة التحريض الإعلامية الإسرائيلية ضد كل ما هو فلسطيني وتحديدا في غزة".

وأضاف أن "بداية التحريض كانت بواسطة تقرير موجه وتحريضي عرضته القناة نفسها حول مقابلة حسنين، وجرى تفسيره بشكل غير واقعي وبعيد عن سياق الحديث، الذي كان عبارة عن محاولة لتفسير مشهد تقبيل الأسير الإسرائيلي لرأس مقاتل من حماس، وقد نسبت هذه القناة تحليلات حسنين له شخصيا".
وعن تقديم شكوى لدى الشرطة بحق حسنين، قال محاجنة "قدمت شكوى للشرطة بواسطة هيئة عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس، وهذه الشكوى تحريضية ولا تقل تحريضا عن المؤسسات اليمينية المتطرفة. وصلنا لمرحلة أن كل شخص يتحدث بأمور إضافية يعتبروه معارضا لخطهم السياسي".
وتطرق محاجنة إلى الأضرار التي نتجت على مستوى عمل حسنين، بالقول إن "اتحاد كرة القدم الإسرائيلي أبرق رسالة لاتحاد أبناء سخنين طالب من خلالها بإقالة حسنين من وظيفته كمعلق للفريق في المباريات، بالإضافة إلى سحب بطاقة الصحافة الحكومية منه وإقالته من مؤسسات أخرى كان يعمل بها، كل ذلك للأسف دون استيضاح قصده من الكلام والسماع منه".

وذكر أن "هذه الحملة التحريضية ضد حسنين تأتي بسبب عمله الصحافي وتحليلاته التي تعتبر مؤلمة للشارع الإسرائيلي مع أنها قانونية ولم تتعد القانون. بالتوازي مع إحداث الضجة والحملة التحريضية في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وصلت عشرات رسائل التهديد بالقتل والاعتداء لحسنين، ونحن هنا نتحدث عن نهج متبع رأيناه في قضية د. نادرة شلهوب كيفوركيان والفنان نضال بدارنة".
وتحدث محاجنة عن إمكانية رفع قضية ضد الجهات التي تقود حملة التحريض، قائلا "نحن بصدد دراسة هذا الموضوع ولنا خبرة مثلما حصل مع الفنانة دلال أبو آمنة حين جرى اعتقالها في أعقاب ذهابها لمركز الشرطة لتقديم شكوى ضد حملة التحريض القائمة ضدها. نحن نتعامل مع جهاز شرطة غير محايد ولا يقوم بواجبه القانوني، وهو يعتبر نفسه ذراعا في المؤسسة الضالعة بحملات التحريض، وبالتالي التوجه بتقديم شكوى للشرطة من الممكن أن يضر ولا فائدة منه في حالة كهذه، وقد يتم قلب الصورة وكأنه هو المعتدي".
وختم بالقول إن "ما نتعرض له اليوم على كافة المستويات هو جزء من تحول خطير في توجه المؤسسة الإسرائيلية مع المجتمع العربي والتعامل معنا على أننا أعداء. نحن لم نعد مواطنين منقوصي الحقوق أو درجة ثالثة فنتنياهو منذ اليوم للأول للحرب اعتبر أن الجبهة الرابعة للحرب هي الجبهة الداخلية أي المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد، والتعامل معنا بات قاب قوسين أو أدنى من العودة إلى الحكم العسكري ولكن ليس بزي عسكري إنما عن طريق الشرطة".
"الهدف من الاعتقالات هو شعبنا"
وقال سكرتير اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي، فادي أبو يونس، لـ"عرب 48"، إنه "خلال مساء الإثنين اقتحم العشرات من عناصر الشرطة محيط منازل عائلتي بالرغم من أن منزلي في منطقة أخرى، واتضح أنهم حضروا لاعتقالي وكانت طريقتهم في الانتشار والسؤال والتفتيش عنيفة وفاشية، وفي أعقاب ذلك توجهت أنا شخصيا لمركز الشرطة في ’مسغاف’".

ولفت إلى أنه "بعد وصولي إلى مركز الشرطة بقيت أكثر من ساعة في غرفة مغلقة، بعد ذلك بدأ التحقيق معي وأبلغني المحقق بأنني قيد الاعتقال بحجة أنني أشكل تهديدا على سلامة الجمهور. عندها سألت المحقق ما الذي يهدد سلامة الجمهور وإذ به يتحدث عن تغريدة كنت قد نشرتها وفحواها ’أوقفوا حرب الإبادة’، وذكر لي أن منشور كهذا ضد دولة إسرائيل وجيشها، وبدوري أجبت أن هذه رؤيتي الشخصية ورؤية الحزب الذي أنتمي إليه وأحزاب عديدة عربية ويهودية ضد حرب الإبادة وضد الاحتلال".
وأوضح أبو يونس، أن "الرسالة من هذه الاعتقالات ليست للشخصيات ذاتها التي جرى اعتقالها، إنما الهدف هو شعبنا واستمرار شعور الجمهور أنه ليس له قدرة على التأثير. يجب أن نعلي صوتنا ضد كل مظاهر الاحتلال وسياساته العنصرية في غزة والضفة والداخل".
"مرحلة جديدة ومتقدمة"
ومن جانبه، قال الفنان والكوميديان نضال بدارنة، لـ"عرب 48"، إن "هذه الحملة هي جزء من حملة ترهيب وتخويف وقمع، إذ كان من الممكن أن تستدعيني الشرطة للتحقيق لمركز شرطة ’مسغاف’ لكنها فضلت أن تقتحم بقواتها منزلي وتحدث صدى لهذا الاعتقال. ما يحدث اليوم هو الدخول في مرحلة جديدة ومتقدمة بملاحقة كل فلسطيني يعبر عن رأيه في البلاد".

وأشار إلى أنه "يجب أن تكون هناك وقفة جدية لكي لا تحصل أي حالة استفراد، فهذه السياسة موجهة ضدنا كمجموعة في محاولة لإسكاتنا ومصادرة حقنا الجماعي في التعبير عن رأينا".
وختم بدارنة بالقول إنه "سيكون هنالك اجتماع تشاوري شامل لفنانين ومؤسسات ونشطاء خلال الفترة القريبة القادمة للحديث عن هذا التصعيد".
"تهم فضفاضة وضبابية"
وتطرقت المحامية في مركز "عدالة" الحقوقي، هديل أبو صالح، في حديث لـ"عرب 48" إلى التطورات الحاصلة من اعتقالات وملاحقات بالقول، إن "الشرطة تتجه مؤخرا لتوجيه تهم مثل تشكيل ’تهديد على سلامة الجمهور’، لأن ليس من السهل خلال هذه الفترة استصدار أوامر تحقيق متعلقة بقانون ’مكافحة الإرهاب’ بخلاف ما كان في بداية الحرب، وبالتالي تلجأ لتوجيه مثل هذه التهم الفضفاضة والضبابية مثل بند ’المس بسلامة الجمهور’، وجرى استخدام هذا البند منذ بداية الحرب لكنه لم يأخذ أصداء كما اعتقال نضال كونه فنان".

وتابعت أن "اعتقال شخص على خلفية تهديد سلامة الجمهور، يأتي أثناء قيامه بأمر يهدد سلامة الجمهور بمكان عام، ومع ذلك وعلى سبيل المثال جرى التحقيق مع الفنان نضال بدارنة على خلفية منشورات ومقاطع مصوّرة موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبحسب القانون فإن الإنترنت ليس مكانا عاما، حتى لو اعتبروه كذلك فإن هذه المقاطع المصورة موجودة منذ مدة طويلة وأحد شروط هذا البند أن يكون المتهم يفعل أمرا يهدد سلامة الجمهور في ذات اللحظة، وهذا ما لم يكن بحالة نضال. وقد كان توجه الشرطة له بعد حملة تحريض قامت بها مجموعات يمينية في تجلٍّ للتعاون بين المجموعات اليمينية والشرطة".
وعن التبعات الناتجة عن الملاحقات، أوضحت أبو صالح "وصلنا لوضع يجب أن يكون فيه كل إنسان رقيب على نفسه، وعلى كل شخص أن يفكّر مليون مرة قبل النشر عبر مواقع التواصل أو التحدث مع من هم حوله، وهذا الوضع نتيجة لحالة تطبيق عدم القانون التي تقوم بها الشرطة وتجريم أنواع خطاب مسموحة في الأساس، وقد رأينا أمثلة لناس اعتقلت وقُدم ضدها لائحة اتهام وسُجنت خلال بداية الحرب نتيجة كلام لا يتعدى على القانون وفي كثير من الأحيان لا يتطرق أصلا للوضع السياسي".
وعن إمكانية مدى تجاوب المحاكم مع مطالب الشرطة كما حصل خلال فترة بداية الحرب، ختمت بالقول "لا أستبعد أن تتجاوب المحاكم مع مطالب الشرطة التي لا تتماشى مع القانون والأعراف القانونية كما حصل في بداية الحرب، لكن طبعا الظروف العامة لا تتيح تجاوب المحاكم في هذه القضايا خصوصا وأننا نتحدث عن مرحلة أقل توترا بشكل كبير من بداية الحرب".
المصدر: عرب 48