لنحوّل يوم المرأة العالميّ إلى يوم المرأة الفلسطينيّة

يأتي يوم المرأة العالمي هذا العام وسط تحدّيات غير مسبوقة تواجهها النساء الفلسطينيّات في مناطق فلسطين التاريخيّة كافّة. وتتفاقم هذه التحديات بشكل مأساويّ في ظلّ الحرب المستمرّة على غزة، التي خلّفت آثارًا كارثيّة على الشعب الفلسطيني عامّة، وعلى النساء الفلسطينيات تحديدًا، إذ تشير التقارير إلى استشهاد أكثر من 50 ألف إنسان، بينهم أكثر من 13 ألف امرأة وأكثر من 18 ألف طفل وأكثر من 2000 عائلة تمّت إبادتها بالكامل.
تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات
هذا ناهيك عن عشرات الآلاف من النساء الحوامل المعرّضات للخطر بسبب انعدام الرعاية الصحّيّة وتدمير كلّي للبُنى التحتيّةـ بما في ذلك المستشفيات والمرافق الصحّيّة والتعليميّة والسكنيّة.
في ظلّ هذا الواقع المأساوي، تواجه النساء في غزّة تحدّيات هائلة تتمثل في البحث عن الغذاء والماء والمأوى لأطفالهن كلّ يوم من جديد، وعن ضمان الرعاية الصحيّة الأساسيّة في ظل غياب الأمن والأمان وأبسط مقوّمات الحياة الإنسانيّة. يحدث كلّ ذلك وسط تقاعس دوليّ مستمرّ من دون بذل أدنى جهد لوقف الحرب وإنهاء الاحتلال وسياسات التمييز العنصريّة تجاه كلّ فلسطيني، بوصفه كذلك كمحصّلة لازدواجيّة المعايير في تطبيق القانون الدوليّ والمبادئ الإنسانيّة.
إن الصمت الدوليّ على معاناة النساء الفلسطينيّات يكشف عجز المنظومة الدوليّة وفشلها في حماية المدنيّين، خاصّة الفئات الأكثر استضعافًا، ويضع علامات استفهام كبيرة حول مصداقيّة الخطاب الدوليّ بشأن حقوق المرأة والإنسان، وأخصّ بالذكر المؤسّسات النسويّة الدولية والمحليّة الإسرائيليّة التي التزمت الصمت في أحسن الحالات. في هذا السياق المعقّد، يصبح الحديث عن العدالة والمساواة حاجة ملحّة لتحقيق كرامة الإنسان وضمان حقوقه الأساسيّة، وضرورة أخلاقيّة لمواجهة سياسات الإقصاء والتمييز والعنف المستمرّ وليس مجرد خطاب نظريّ فقط.
تواجه النساء الفلسطينيّات داخل إسرائيل تمييزًا بنيويًّا في مجالات متعدّدة، كالعمل والتعليم والإسكان والصحّة ومواقع اتّخاذ القرار. فنسبة مشاركة النساء الفلسطينيّات في سوق العمل لا تتعدّى الـ40%، علاوة على الفجوات الكبيرة في الأجور مقابل الرجال الفلسطينيين ومقابل النساء اليهوديّات.
كما أن نسبة مشاركتهن في السياسة المحلّيّة متدنّية جدًّا. فنسبة النساء في عضوية السلطات المحلية العربية لا تتعدّى الـ2%، فيما لا توجد رئيسة واحدة لسلطة محلّيّة. ولدى الحديث عن العنف الجندريّ، فإن صورة الوضع لا تقلّ قتامة. ففي العام 2024 قتلت 20 امرأة كان معظمهّن قدّم شكاوى تبليغ عن عنف ضدّهن إلى الشرطة، كما في سنوات سابقة، إلّا أن المُجرم في معظم هذه الجرائم بقي حرًّا طليقًا.
وهذا ما يعكس سياسات التمييز في إنفاذ القانون وتطبيق العدالة. تشير الإحصائيات إلى أن نسبة حلّ قضايا العنف ضد النساء الفلسطينيّات لا تتجاوز الـ20%، مقارنة بنسبة تصل إلى 70% في القضايا المشابهة لدى المجتمع اليهوديّ. كما تشير معطيات المؤسّسات النسويّة الى ارتفاع في عدد حالات العنف تجاه النساء (الجسدي، الجنسي، النفسي، الاقتصادي، الإلكتروني…). وفي سياق العنف لا يمكن إلّا أن نذكر تفاقم العنف والجريمة الذي بات يدمّرنا كمجتمع.
في سياق الحرب الدمويّة الدائرة منذ السابع من أكتوبر، لا يمكن الحديث عن واقع النساء في الداخل من دون التطرق إلى ما شهدناه من ملاحقات سياسيّة واعتقالات ومضايقات، سواء في سوق العمل أو مجال الثقافة والفن أو الأكاديميا، حيث كان للنساء الفلسطينيات نصيب كبير منها. فقد كان واضحا كالشمس الاستهداف المُمنهج لشريحة النساء، الأمر الذي تجلّى في كثير من الأحيان في اعتماد أساليب الترهيب والقهر والإذلال.
في مواجهة هذه التحدّيّات المتعدّدة، تعمل منظّمات نسويّة وحقوقيّة فلسطينيّة على دعم النساء الفلسطينيّات عبر مسارات متنوّعة، تشمل تقديم الاستشارات القانونيّة وتمثيلهنّ أمام المحاكم، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للناجيات من العنف، وتنفيذ برامج التمكين الاقتصاديّ وخلق فرص عمل بديلة، وبناء تحالفات محلّيّة ودوليّة للضغط من أجل تغيير السياسات التمييزيّة.
كما تواصل منظّمات نسويّة عديدة الضغط من أجل سياسات أكثر عدالة وحماية للنساء الفلسطينيّات، مع التركيز على مكافحة العنف الأسريّ وجرائم القتل بحقّ النساء. وقد نجحت هذه المنظّمات في تسليط الضوء على قضايا النساء الفلسطينيّات في المحافل الدوليّة وتوثيق الانتهاكات والمساهمة في تطوير آليّات الحماية.
لكن رغم الجهود الكبيرة المبذولة في هذا الإطار، فإن التأثير لا يزال محدودا لأسباب عدة، أهمها السياسات الحكوميّة التي تعرقل التغيير البنيويّ والتضييق المتزايد على عمل منظّمات المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ، والموارد المحدودة المُتاحة لهذه المنظمات. هذا وفي الخلفيّة حقيقة مؤلمة وهي أن مجتمعنا متمثّلًا بقياداته السياسيًة والمجتمعيًة، وبأفراده ومجموعاته المتنوّعة، لا يبذل أدنى جهد لتغيير الواقع في ما يتّصل بالمرأة ومكانتها وحقوقها.
هنا لا بدّ من التطرّق لأداء الغالبيّة العظمى من المؤسّسات النسويّة اليهوديّة واليهوديّة – العربيّة في هذا المضمار. فهي في أحسن الأحوال تنتقي القضايا والمجالات لتدخّلاتها النظريّة و/أو العمليّة عندما يتعلّق الأمر بالمرأة الفلسطينية. في حالات أخرى، يتمّ تبرير وشرعنة ما تقوم به الدولة ومؤسّساتها من سياسات وممارسات قمعيّة تجاه النساء الفلسطيّنيات في الداخل كما في الضفّة والقطاع.
لقد أتت هذه الحرب لتزيل الأقنعة عن المنظّمات النسوية ومنظّمات حقوق الإنسان التي تدعّي تبنيها لقيم العدالة الاجتماعيّة والإنسانية، ولتكشف حقيقة أنها في معظمها تدعم الحرب واستمرارها، وتدعم انتهاك حقوق النساء لكونهن فلسطينيّات. فكيف لهذه المنظّمات أن تحتفي بيوم المرأة العالميّ في ما هي تستثني في الوقت نفسه النساء الفلسطينيات وكأنهن لسن جزءًا من هذا العالم، أو لسن من البشر؟
يسعى العمل النسويّ لتحسين أوضاع النساء بغض النظر عن هويّاتهنّ وانتماءاتهن كونهن يواجهن ما يواجهن لوكونهن نساءً. إذن، فعلى كلّ اللاتي يدّعين النسويَة ممارسة نسويتهنّ من دون انتقائيّة، ومّن لا تفعل ذلك، لها الحريّة في خياراتها، ويحقّ لنا حينها أن نعتبر نسويتها زائفة. علينا نحن كنسويات فلسطينيّات إعادة النظر والتفكير معمّقا بنوعيّة الشراكات التي نريد أن نكون جزءًا منها، دون الانصياع للإغراءات الماديّة التي تجلبها الشراكات الزائفة مقرونة بشعارات برّاقة.
المصدر: عرب 48