Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

سوريّة محفوفة بالمخاطر

ما حدث في سوريّة لم يكن مفاجئًا، فقد تحدّث عنه كثيرون في مقابلات فضائية وصحف، بل أن بعضهم حدّد شهر آذار الجاري موعدًا للأحداث. بعضهم تحدث لهجة قلق على مصير سورية، والبعض تحدث بلهجة تهديد ووعيد. كان واضحًا وهذا طبيعي جدًّا أن النّظام القديم لن يستسلم، وسوف يحاول استعادة زمام المبادرة، وأن بعض هؤلاء يسعى إلى نزعات انفصالية عن الدولة السّورية في ثلاث مناطق أساسية.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

حذّر كثيرون من أنّ فلول النّظام قد ترتكب اغتيالات أو حتى مجازر لجرّ الأمن السّوري وجماهير مؤيدة للدولة الجديدة إلى عمليات انتقام غاضبة، ومن ثم زعزعة الاستقرار، الذي ما زال النظام الجديد يحاول ترسيخه.

تَعرف فلول النظام البائد من تجاربها السّابقة أنّ الفوضى تؤدي إلى الاستقطاب الطائفي، عندما تحدث الفوضى، ويشعر المواطن بضعف الدّولة، يلجأ إلى طائفته أو عشيرته، حتى ولو يكن مؤمنا بالطائفية ولا العشائرية، لأنّه يخشى على روحه من المتعصّبين الآخرين، ويشعرونه أن الجميع في مركب واحد.

عندما يضيع الفرق بين المعتدي والبريء، هذا يلعب هذا لصالح السّاعين إلى الفوضى والتّخريب.

هنالك جيوشٌ إعلامية جاهزة لتحميل الدّولة الجديدة مسؤولية ما حدث وسيحدث، لأنّ هذا أسهل بكثير، تحت مسمى التكفيريين والإرهابيين المتعصّبين والطائفيين وغيرها، ويغضّون الطَّرف عن الجريمة المخطّطة بدقة ودراسة التي أعدت لها الفلول جيّدًا، التي استهدفت فصل السّاحل السّوري عن الدولة، وهذا لو نجح، كان سيشّجع مناطق وانتماءات أخرى على الانفصال.

ما أرادته فلول النّظام البائد تحقّق جزئيًا، فقتلوا عددًا من رجال أمن النظام الجديد، من خلال حواجز نصبت في عدة مواقع بصورة مُحكمة ومتزامنة في مناطق السّاحل السوري، حيث تعيش أكثرية من العلويين.

وجاء الرد كما أرادوه بالضّبط، جاء غير منضبط وبانفعال كبير وغضب، أدى إلى مقتل أبرياء كثيرين قُدّر عددهم بالمئات، وانتشرت مشاهد مستنكرة قام بها مسلحون من أنصار هيئة تحرير الشام، بتعامل لا إنساني مع أعداد من المدنيين، وهذا لا يعكس رؤية النظام الجديد المعلنة، بأنّه "لا تزر وازرة وزر أخرى".

الرّد غير المنضبط على مجازر فلول النظام، يُتّخذ ذريعة لفئات ما زالت ترفض تسليم سلاحها، لأنّ الفوضى تمسُّ في هيبة الدولة، ولا يطمئن المواطن ويعتمد عليها في حمايته.

لا يستطيع النظام الجديد أن يتسامح مع كبار مجرمي النّظام السّابق، وفي الوقت ذاته ممنوع الانزلاق إلى معاقبة الأبرياء من قبل أصحاب الثارات والمتحمّسين وضحايا النظام البائد، مهما كان الألم، فضبط النفس ومعاقبة المسؤولين فقط عن الأحداث، هو الوسيلة الصحيحة لإبقاء الأمل بالتعايش السّلمي بين جميع السّوريين.

لقد كانت جرائم النظام السّابق ضد جميع مركّبات الشّعب السّوري، كل من سعى لتغيير النظام وعارضه، تلقى عقابًا شديدًا، وصل إلى الإعدام، كذلك فإنّ النظام نفسه لم يكن من طائفة واحدة، المجرمون كانوا كثيرين ومن كل طوائف وعشائر سورية، وإن كان أكثرهم من أقرباء وأنسباء عائلة رأس النّظام وطائفته، لكنّ النظام الآفل، كان متعدّد الطوائف والمذاهب في جوهره، وما كان يهمه في الأساس هو الولاء إلى رأس النظام، بغض النّظر عن الطائفة والمعتقد.

هنالك ألف سبب للغضب، ولكن ليس من حقِّ أحدٍ أن يهين مدنيًّا أو يعتدي على حُرمة بيت لمجرّد وجوده الجغرافي في مكان ما أو لانتمائه الطائفي أو العشائري وغيره.

أكثر من يتباكون الآن على المدنيين هم المعنيّون بحدوث هذه المجازر والمروّجون لها، بهدف إعادة سورية إلى ما كانت عليه في الحرب الأهلية على مدار سنوات، ومن ثم تقسيمها واستمرار ضعفها.

من يتباكون على العلويين الآن، هم أنفسهم الذين كانوا يصفونهم بأنهم أذرع إيران والخميني، وكانوا يحرّضون ضد ما أسموه التّمدد الإيراني في سوريّة، وتحدّثوا عن تحالف عربي سنّي إسرائيلي لمواجهة خطر إيران!

الآن هؤلاء هم أنفسهم يتباكون على العلويين، وهم يطيرون فرحًا مما يحدث.

على النظام الجديد أن يدرك وبعمق، وأن يمارس هذا، بأنّ سوريّة لجميع السّوريين، بما في ذلك إدارة الحكم وجميع أذرع الدولة، وهذا بحسب الكفاءات وليس الانتماءات، أيًّا كان مصدرها.

في الوقت ذاته، لا يمكن السّماح ببقاء ميليشيات طائفية أو قبلية، وغيرها، كي تكون دولة حقيقية ،يجب توحيد جميع القوى في إطار الجيش السّوري الوطني الجامع، لكلِّ أطياف أبناء سورية.

واجب السُّلطة مواصلة الحوار الوطني مع الجميع بهدف تأمين الاندماج ومنع أي انفصال.

إسكات أي نزعة انفصالية وكبحها، هو واجب على الجميع، لأنّ الانفصال لا يعني سوى كوارث للجميع، وعليه يجب اللجوء إلى التفاوض والحوار بلا كلل، حتى التفاهم على صيغة الوحدة في الحقوق والواجبات والمصير، تحت لواء الدولة الواحدة القويّة بجميع أبنائها.

تمر سورية في مرحلة مصيرية من تاريخها، إذ أنّ فلول النظام البائد التي لجأت إلى المعاصي الجبلية، ممكن أن تسبّب صداعًا مزمنًا للسّلطة المركزيةوإن كانت محكومة بالفشل مستقبلا. واجب السّلطة يحتم عليها بسط سلطتها على جميع المناطق، ولكن يجب أن يرافق هذا حوار عميق وحقيقي يحقن دماء السّوريين، ويحقق الثّقة بالدّولة التي تحتضن الجميع، في نظام جديد تعدّدي يشارك فيه كل أطياف الشعب السُّوري.

المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *