الصهيونية الدينية وإعادة صياغة الإرث الاستعماري

بعد أن أثبتوا ذلك على الأرض من خلال تعزيز مشروعهم الاستيطاني في الأراضي المحتلة عام 67 (الضفة الغربية) والانتقال من الهامش السياسي إلى قلب الإجماع الإسرائيلي الذي أصبح يدين بمقولتهم الشهيرة "حكم عوفرا كحكم تل أبيب"، يسعى قادة ومنظرو الصهيونية الدينية إلى إيجاد المسوغات النظرية لواقع أنهم هم وليس غيرهم من يمثلون الاستمرار الطبيعي لمؤسسي المشروع الصهيوني الأوائل وعلى رأسهم بن غوريون، وذلك بوصفهم من يقود المرحلة الثانية من هذا المشروع الذي بدأوه للسيطرة على "أرض إسرائيل الكاملة".
تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"
حجاي سيغل وهو صحافي حصيف، كما يصفه توم سيجف، من سكان مستوطنة "عوفرا"، والد عميت سيغل، حُكم في الثمانينيات بالسجن لمدة ثلاث سنوات لمشاركته في التنظيم السري اليهودي، يتوج هذا الجهد في كتابه "مشيح في سديه بوكر- اكتشاف بن غوريون من جديد"، بتقديم قراءة مغايرة لسيرة حياة بن غوريون، هي بتعبير المؤرخ توم سيغف أقرب إلى محاولة مصادرة موروث بن غوريون وضمه إلى الجناح الاستيطاني "المسيحاني".
لتيسير هذا الفعل، يفتي سيغل أولا بأن مصطلحات "يمين" و"يسار" لا تنسحب على زعماء ما قبل الدولة وبداياتها الأولى، ما يعني أن آباء "حركة العمل" الكبار أمثال بن غوريون، بيرل كتنلسون ويتسحاق طبنكين لا تربطهم صلة، بالمفهوم الروحاني – الأيديولوجي، مع الجيل المكمل من "اليسار".
وبعد أن يقطع الصلة التاريخية لما يسمى اليسار الإسرائيلي مع الآباء المؤسسين للمشروع الاستيطاني الصهيوني وفي مقدمتهم بن غوريون، يحاول وشائج علاقة تاريخية بينه وبين الحركة الاستيطانية المعاصرة، أمنون لورد يذكر في هذا السياق الثمن الرهيب الذي دفعته عائلة سيغل بمقتل عمه رجل الايتسل يديديا سيغل على أيدي "الهاغناة"، كما يبدو، ومسؤولية بن غوريون غير المباشرة عن ذلك، هذا ناهيك عن تسويد حياة أوري غرينبرغ ويسرائيل إلداد على مدى سنوات، لكنه يذكر إلى جانب ذلك انضمام بعض رجال "مباي" القدماء من معجبي بن غوريون، أمثال تسفي شيلواح واليكيم هعتسني وزوجته تسيبورا إلى حركة "غوش ايمونيم" الاستيطانية.
المفارقة أن توم سيغف كما يظهر من عنوان مقاله المنشور في "هآرتس": "هل كان بن غوريون حليفا لليمين المسيحاني كما يريد أن يقنعنا حجاي سيغل"، لم يعترض على اعتبار المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية، الذي قادته وما زالت الصهيونية الدينية التي ينتمي إليها حجاي سيغل، هو استمرار لمشروع بن غوريون، بل كرس نقاشه معه في المسألة الإيمانية وعلمانية غوريون محاولا دحض ادعاء سيغل المتعلقة بـ"مشيحيته" التي تصدرت عنوان الكتاب.
في هذا السياق يكتب سيغف بصراحة، أنه لأول وهلة يمكن رؤية استيطان الضفة الغربية بمثابة استمرار للاستيطان الصهيوني، الذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر واستمر مع بن غوريون الذي سعى إلى حدود أوسع قدر الإمكان مع أغلبية يهودية قدر الإمكان وعرب أقل قدر الإمكان، مشيرا إلى أن بن غوريون أيد الترانسفير لكنه أيد التقسيم أيضا، حيث فضل أغلبية يهودية في جزء من البلاد على السيطرة على مساحات أوسع مع غالبية سكان من العرب، وأنه قاد بهذه الروحية نحو إنهاء "حرب الاستقلال" والنكبة، مشيرا إلى أن ذلك لم يكف على ما يبدو لاستيعاب بن غوريون ضمن رؤية المستوطنين، فاستوجب خلع عليه ألقاب دينية على غرار "الملك المشيح" أو "المشيح" ذاته، كما فعل سيغل.
وإمعانا في "المصادرة" و"الضم" أنفي الذكر للإرث البن غوريوني يقتبس سيغف ما أورده حجاي سيغل على لسان المؤرخ بيني موريس قبل 20 عاما، من أن بن غوريون أخطأ عندما لم يقم بعملية طرد أوسع و"تنظيف" البلاد كلها من سكانها العرب، مشيرا إلى أن بن غوريون كان ليوافق على رأي موريس ذاك.
اقرأ/ي أيضًا | إنذار ترامب وتلويح إسرائيل والمهمّة المستحيلة
المصدر: عرب 48