Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار الشرق الأوسط

مبروك للأكثرية و"للأقليات"

شهدت معظم المدن السّورية احتفالات شعبية كبيرة في الذكرى الرابعة عشرة لانطلاق الثورة السّورية ضد النظام الدكتاتوري، عبّر خلالها ملايين السّوريين عن فرحتهم باستعادتهم حرّيتهم التي سُلبت منهم على مدار عقود.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"… سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

هذه الأفراح شابتها الأحداث المؤلمة الأخيرة في الساحل السوري والتي راح ضحيتها أعداد كبيرة من المدنيين، وخصوصا من أبناء الطائفة العلوية الكريمة.

كل إنسان يحمل ضميرا ومشاعر إنسانية يستنكر ويرفض المس بأي مدني، وحتى بمسلح ألقى سلاحه واستسلم، فإنه يعامل معاملة الأسير أو المعتقل ومحاكمته، وليس إعدامه بعد استسلامه. طبعا هذا في الحالات المثالية، ولكن هذا عموما ما لا يحدث في الواقع إلا القليل منه.

لقد كانت مقولة بعض جنود الثورة لجنود النظام الذين استسلموا " اذهبوا فأنتم الطلقاء" حزمة ضوء كبيرة في ظلام المجازر التي فرضها النظام على الشعب السّوري ومن دُسّوا على الثورة على مدار سنواتها.

كان أمل محبّي سورية وشعبها أن تستمر حتى النهاية، إلا أنّ ما قامت به فلول النظام من إعدام مئات رجال الأمن وردّة الفعل العشوائية شكّلت انتكاسة قويّة لمحبي الثّورة والشّعب السوري، ولكنها كانت فرصة ومنصّة لأعداء الثورة ولأعداء الشّعب السّوري لاستغلال دماء في المدنيين.

هنالك من وجدوا ضالّتهم في هذه الأحداث وراحوا يروّجون وبحماس كبير بهدف شيطنة ودعشنة السّلطة الجديدة، بل وكل جمهور أبناء الطائفة السّنية بصفتها الأكثرية، واتهامها بمجازر على أسس طائفية.

هؤلاء يتجاهلون عمدا أن ما حدث جاء كردّة فعل على قتل مئات من عناصر الأمن في كمائن أعد لها فلول النظام جيّدًا وفي عدة مناطق في وقت واحد وكان هدفها الانقلاب على الحكم الجديد. وكانت الضربة قوية، ما أحدث هلعا لدى السلطة وكذلك مناصريها فجاء الرّد دمويا، هذا ليس لتبرير ما حدث، ولكن الموضوعية مطلوبة، بلا شك أن هناك مسلحين محسوبون على السلطة ارتكبوا جرائم ينجى لها الجبين ويجب على السلطة محاسبتهم وتغليظ العقوبة لهم كي يكونوا عبرة لغيرهم، وأن لا يتسامحوا على طريقة العقوبات الإسرائيلية لمرتكبي جرائم بحق الفلسطينيين.

للأسف فإنّ الفلول اتخذت من مناطق معينة بالذات حاضنة لها، وبلا شك أنّهم يفرضون هذا على الناس، فأكثر الناس في هذه المناطق ذاقوا الأمرين من النظام البائد، ويرفضون العودة إلى النظام البائد، ولكنهم يريدون الطمأنينة على أنفسهم أوّلا.

كتائب الذباب الألكتروني تحمّل المسؤولية للأكثرية، وتصنفها كجرائم مقصودة على أسس طائفية دون الدخول في حيثيات الأحداث، وتجد كثيرين يرددون ما ينشر من غير تدقيق أو تحقّق، لا من أرقام ولا من صور، ولا من تاريخ هذه الصُّور، أو مكان وقوعها، ودون تأكّد من صحة المعلومات.

هنالك بكل بساطة من لا يريد نظامًا يقف على رأسه إسلاميون، بغض النظر عن موقع هؤلاء من التنظيمات الإسلامية، ويريدون نظاما ليبراليا مطلقاً، يعني يقيسون بمعايير أوروبية. لكن هناك ما يجب أخذه بعين الاعتبار. الظروف التي نشأت الثورة فيها وما تمخّض عنها ومن شارك فيها ودفع الثّمن الأكبر والقوة الأساسية التي تصدت وتصدرت ودفعت الثمن الأكبر،هي هذه الشرائح وحاضنتها الشعبية وكان طبيعيا أن تصل هي إلى السّلطة وليس غيرها من تيارات معارضة.

صحيح أن كل أطياف الشّعب السوري دفعت ثمنا باهظا، ولكن بطبيعة الحال فإن الأكثرية هي التي دفعت وتدفع الثمن الأكبر.

من حقّ أي سوري أن يطالب بنظام أفضل من هذا الجديد، وأن ينتقد ما ينتقص من حقّه في أي مجال كان، ولكن ليس من حقه أن يستعدي قوى أجنبية على الأكثرية من أبناء الشّعب والبلد الواحد بذريعة أنّ النظام لا يعجبه.

ما زالت سورية في مرحلة الإنعاش والتقاط الأنفاس بعد حكم طويل من زرع الفتن الطائفية ومن قمع طويل وجراح لم تلتئم بعد.

"للأقليات" ما يبرّر خوفها عندما لا يكون هنالك استقرار أمني في البلد، وعندما لا يكون هناك من يطبّق القانون بحزم على الجميع، وعندما لا يكون هنالك رادع لبعض الأشرار الذين يحتفظون بحقدٍ كبير ويستغلون ظرفا ما للانتقام.

من حق "الأقليات" أن تقلق ولكن ليس من حقها أن تحوّل هذا القلق إلى فوبيا ضد الأكثرية، وتحمّل وزر ما يفعله هذا أو ذاك من متطرفين إلى جميع أبناء الأكثرية، وإلى النظام الذي أعلن أنه سوف يحاسب بشدة من تجاوزا وأخذوا القانون لأيديهم، ونأمل أن نرى ويرى العالم هذه المحاسبة، كي يطمئن الناس في بيوتهم على أنفسهم واعراضهم وأموالهم.

الأكثرية في كلِّ الدّول العربية مغلوبة على أمرها، وهي التي تتعرّض للقمع أكثر من غيرها، لأنّها بطبيعة الحال تشكّل تهديدًا للأنظمة وقادرة على إزاحتها.

الأكثرية هي القادرة على تجنيد ملايين للنزول إلى الميادين ضدّ الأنظمة، وهي القادرة على التّضحيات الهائلة بسبب مواردها البشرية الكبيرة.

أعداء العرب والمسلمين كثيرون ويزعم بعضهم أنه قلق على "الأقليات"، بينما هم أنفسهم لم يتركوا لا أكثرية ولا "أقلية" في المنطقة إلا وعملوا على تدميرها ونهب ثرواتها ونزع أسباب قوّتها.

الفرق شاسع وواضح بين من يريدون سورية أفضل من الموجود، يردونها سورية ليبرالية متحرّرة تمامًا من خلال فصل الدين عن الدّولة، وبين من يريدون دعم أيّ محاولة انقلابية على النظام الجديد وتبرير ما قامت به فلول النظام بزعم أنّها ردة فعل على تجاوزات عناصر من السُّلطة الجديدة، علماً أن الهجمات متوقّعة ولوّح بها أكثر من واحد من المحسوبين على النّظام البائد، وجاءت كمحاولة انقلابية تخريبية .

هنالك فارق شاسع بين من يريد للثورة أن تكتمل بصورة أبهى، وبين من يريد لها الفَشل، ويسرع في نشر أي خبر أو "تحليل" يبثّه الذباب الإلكتروني ذي الطابع الطائفي.

الشّعب السُّوري لن يعود إلى الخلف بعد التّضحيات الجسام، وبعدما شمَّ رائحة الحرّية، وذاقت أجيالٌ ما حُرمت منه على مدار عقود.

مليون مبروك للشعب السّوري في ذكرى ثورته التي شاركت فيها الأكثرية و"الأقليات"، وعلى أولئك الذين يحاولون العودة بها إلى سنوات الظلام أن يكفوا وأن يقتنعوا بأن زمنهم قد ولّى ولن يعود.

المصدر: عرب 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *