القوات الدولية في غزة… تحفظات فلسطينية تلوّح بتعقيدات أمام الوسطاء

تواجه القوات الدولية التي من المتوقع نشرها في قطاع غزة صعوبات متزايدة، حيث أعربت عدة فصائل فلسطينية، بما في ذلك حركة حماس، عن تحفظات كبيرة بشأن أي دور يتعلق بـ نزع السلاح، على الرغم من أن هذا الشرط يعتبر أساسياً في اتفاق وقف إطلاق النار الحالي. يأتي هذا الرفض في ظل جهود مكثفة تبذلها دول مختلفة، بقيادة الولايات المتحدة ومصر وقطر، لتثبيت الهدنة وتهيئة الظروف لعملية إعادة إعمار شاملة للقطاع. وتشكل هذه التحفظات تحدياً كبيراً أمام تنفيذ الخطط الأممية والدولية المتعلقة بضمان الأمن المستدام في غزة.
الخلافات تتعلق بشكل أساسي بالشكوك الفلسطينية حول نوايا هذه القوات، والتخوف من أن عملية نزع السلاح قد تكون مقدمة لتقويض المقاومة الفلسطينية، وليس فقط استهداف الأسلحة التي استخدمت في الصراع الأخير. ووفقاً لمصادر فلسطينية، فإن الفصائل ترى أن أي قوة دولية تتولى مسؤولية الأمن يجب أن يكون دورها محصوراً في حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وليس التدخل في الشؤون الداخلية أو فرض أجندات خارجية. وقد تصاعدت هذه المخاوف في أعقاب الحرب الأخيرة والدمار الهائل الذي خلفه.
تحديات تواجه عملية نشر القوات الدولية ونزع السلاح
عملية نشر القوات الدولية تواجه تعقيدات لوجستية وسياسية متعددة. بالإضافة إلى معارضة الفصائل الفلسطينية، هناك أيضاً تحديات تتعلق بتحديد الدول المساهمة بالقوات، وتحديد صلاحياتها ومسؤولياتها بشكل واضح، وضمان حمايتها من أي تهديدات محتملة. تتطلب عملية نزع السلاح تنسيقاً دقيقاً بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الفصائل الفلسطينية، وإلا فإنها قد تؤدي إلى تصعيد جديد للعنف.
مخاوف الفصائل الفلسطينية
تتركز مخاوف الفصائل الفلسطينية حول عدة نقاط رئيسية. أولاً، هناك قلق من أن القوات الدولية قد تستخدم عملية نزع السلاح كذريعة للتغلغل في قطاع غزة والسيطرة على المناطق الحدودية. ثانياً، تخشى الفصائل من أن تقوم القوات الدولية بتسليم الأسلحة التي يتم جمعها إلى إسرائيل. وثالثاً، ترى الفصائل أن أي عملية نزع سلاح يجب أن تكون مرتبطة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية مستقلة.
الردود الإسرائيلية
في المقابل، تشدد إسرائيل على أهمية نزع سلاح الفصائل الفلسطينية كشرط أساسي لتحقيق الأمن المستدام في قطاع غزة. وتعتبر إسرائيل أن حماس وغيرها من الفصائل المسلحة تمثل تهديداً وجودياً لها، وأن وجود هذه الأسلحة يسمح للفصائل بشن هجمات على الأراضي الإسرائيلية. وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها لن تتفاوض بشأن هذا الشرط، وأنها ستواصل جهودها لمنع إعادة تسليح الفصائل الفلسطينية. وأكد الجيش الإسرائيلي أنه سيراقب عن كثب عملية نشر القوات الدولية لضمان عدم تقويض أمنها.
الدور المتوقع للمنظمات الدولية
تتوقع العديد من الأطراف أن تلعب الأمم المتحدة دوراً محورياً في عملية نشر القوات الدولية والإشراف على عملية نزع السلاح. وترى هذه الأطراف أن الأمم المتحدة تتمتع بالمصداقية والحيادية اللازمة لتسهيل التوصل إلى اتفاق بين جميع الأطراف المعنية. وقد بدأ المبعوث الأممي الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط بالفعل مشاورات مع المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين والدول المعنية. وتشمل جهود الأمم المتحدة أيضاً تقديم المساعدة الإنسانية اللازمة للسكان المتضررين من الحرب وتوفير الدعم اللازم لعملية إعادة الإعمار.
ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن عملية نزع السلاح قد تكون صعبة التنفيذ للغاية، خاصة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي شامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ويشيرون إلى أن التجارب السابقة في مناطق أخرى من العالم أظهرت أن عمليات نزع السلاح غالباً ما تفشل إذا لم يكن هناك التزام حقيقي من جميع الأطراف بالسلام. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي نزع السلاح إلى فراغ أمني قد تستغله الجماعات المتطرفة لتعزيز نفوذها في قطاع غزة.
تشكل قضية المساعدات الإنسانية والوضع الاقتصادي المتردي في غزة أيضاً عنصراً مهماً يؤثر على مسار المفاوضات. يعاني قطاع غزة من نقص حاد في المواد الغذائية والأدوية والوقود، ويحتاج إلى استثمارات ضخمة لإعادة بناء البنية التحتية المتضررة. وتدعو العديد من المنظمات الدولية إلى زيادة المساعدات الإنسانية المقدمة لغزة والتخفيف من معاناة السكان. كما تدعو إلى اتخاذ خطوات ملموسة لتحسين الوضع الاقتصادي في القطاع وخلق فرص عمل جديدة. وتعتبر هذه الخطوات ضرورية لتحقيق الاستقرار السياسي والأمني في قطاع غزة.
في غضون ذلك، تواصل مصر وقطر جهودهما الدبلوماسية لتثبيت وقف إطلاق النار وتسهيل المفاوضات بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل. وتلعب هاتان الدولتان دوراً حيوياً في نقل الرسائل بين الأطراف المعنية وتقديم التحديات والحلول المحتملة. وقد شهدت القاهرة والدوحة سلسلة من الاجتماعات والمشاورات بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين في الأسابيع الأخيرة. تهدف هذه الاجتماعات إلى التوصل إلى اتفاق دائم بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى والمعتقلين. تعزيز الثقة بين الأطراف شرط أساسي لأي تقدم ملموس.
الخطوة التالية المتوقعة هي استمرار المشاورات المكثفة بين جميع الأطراف المعنية، بهدف التوصل إلى صيغة مقبولة لتشكيل القوات الدولية وتحديد صلاحياتها. من المقرر أن يقدم المبعوث الأممي تقريراً إلى مجلس الأمن الدولي في غضون أسبوعين، يتضمن تقييماً للوضع في غزة وتوصيات بشأن الخطوات التالية. يبقى مستقبل القوات الدولية في غزة غير مؤكد، ويعتمد بشكل كبير على التطورات السياسية والأمنية في المنطقة، وقدرة الأطراف على التغلب على الخلافات الحالية و إيجاد حلول وسط. من المهم متابعة تطورات هذه القضية عن كثب وتقييم تأثيرها المحتمل على استقرار المنطقة.

