توقعات باستمرار هيمنة الدولار لهذه الأسباب

يرى خبراء ماليون بارزون أن المخاوف المتزايدة بشأن مستقبل الدولار الأمريكي كعملة عالمية رئيسية قد تكون مبالغًا فيها. جاءت هذه التصريحات خلال مؤتمر بلومبرغ للاقتصاد الجديد في سنغافورة، حيث أعرب كل من ليم تشاو كيات، الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادي السنغافوري “جي آي سي”، وجيني جونسون، من “فرانكلين تمبلتون”، عن وجهة نظرهما بشأن مكانة العملة الأمريكية في ظل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية الحالية. ويثير هذا النقاش حول مستقبل الدولار تساؤلات حول التغيرات المحتملة في النظام المالي العالمي.
أكدت جيني جونسون، الرئيسة التنفيذية لـ “فرانكلين تمبلتون”، أنها لا تتوقع زوال هيمنة الدولار قريباً، بل تخشى حجم التراجع المحتمل في هذه الهيمنة. وأشارت إلى أن وجهة نظر المستثمر تعتمد بشكل كبير على موقعه الجغرافي، وأن البدائل للدولار ليست واضحة أو جذابة بنفس القدر في الوقت الحالي.
مكانة الدولار الأمريكي وتحديات النظام المالي العالمي
تزايد الجدل حول مكانة الدولار الأمريكي في السنوات الأخيرة، مدفوعاً بعدة عوامل منها ارتفاع الدين العام الأمريكي، والتوترات التجارية، بالإضافة إلى استخدام الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية كأداة سياسية. وقد لوحظت في عام 2022 محاولات متزايدة من قبل بعض الدول للبحث عن بدائل للدولار لتقليل اعتمادها على العملة الأمريكية.
على الرغم من هذه التحديات، يظل الدولار هو العملة الأكثر تداولاً في أسواق الصرف الأجنبي العالمية، حيث يمثل الجزء الأكبر من حجم التداول اليومي الذي يقدر بنحو 9.6 تريليون دولار. وتعود هذه الهيمنة إلى عمق السيولة في الأسواق الأمريكية، وسهولة الوصول إلى رأس المال، ومكانة الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم.
ومع ذلك، تشير فاليري أوربان، الرئيسة التنفيذية لـ “يوروكلير”، إلى وجود اتجاه نحو تنويع الأصول من قبل المستثمرين، وخاصة في آسيا. وأوضحت أن هذا التنويع لا يعني بالضرورة خسارة كاملة للدولار، ولكنه يعكس رغبة في تقليل المخاطر وزيادة المرونة في الاستثمار.
الذهب كبديل محتمل
في المقابل، يرى دافيد سيرا، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “ألجيبريس إنفستمنتس”، أن تخصيص جزء أكبر من الاستثمارات للذهب يعتبر خيارًا منطقيًا في ظل هذه الظروف. ويعزى ذلك إلى أن الذهب يعتبر ملاذًا آمنًا تقليديًا، وقد حقق مكاسب كبيرة هذا العام مع تصاعد المخاوف بشأن الاقتصاد العالمي.
ويشير سيرا إلى أن العجز المالي للولايات المتحدة يبلغ حاليًا حوالي 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مستوى مرتفع لم يشهده العالم إلا في أوقات الحروب أو الأوبئة. ولذلك، يرى أن الذهب يمكن أن يوفر حماية للمستثمرين ضد مخاطر تآكل قيمة العملة.
تأثير السياسات الأمريكية
أما داني يونغ من “دايمون”، فيوضح أن الإعلانات الأخيرة المتعلقة بالتعريفات الجمركية دفعت المستثمرين العالميين، وخاصة خارج الولايات المتحدة، إلى البحث عن فرص استثمارية بديلة بعيدًا عن السوق الأمريكي. ويؤكد أن هذا التوجه لا يعكس بالضرورة نهاية الريادة الأمريكية، بل هو استجابة لتعقيد السياسات وتغيرات المشهد الاقتصادي.
يؤكد يونغ أن التنويع هو الاستراتيجية المثلى للتحوط من هذه المخاطر، وأن توزيع الاستثمارات على مجموعة متنوعة من الأصول والعملات يمكن أن يساعد في تقليل التعرض للصدمات الاقتصادية والسياسية.
مستقبل الدولار… وماذا بعد؟
على الرغم من التحديات التي تواجهها، لا يزال الدولار الأمريكي يحتفظ بمكانة قوية في النظام المالي العالمي. ومع ذلك، فإن الاتجاه نحو تنويع الأصول والبحث عن بدائل للدولار يشير إلى أن هذه الهيمنة قد تتآكل تدريجياً على المدى الطويل. من المتوقع أن تشهد الأشهر والسنوات القادمة المزيد من النقاش حول مستقبل الدولار، خاصة مع استمرار التوترات الجيوسياسية وارتفاع مستويات الديون في العديد من الدول.
سيكون من المهم مراقبة تطورات أسواق العملات، وتوجهات البنوك المركزية، والأداء الاقتصادي للولايات المتحدة، لتقييم تأثيرها على مكانة الدولار. كما يجب الانتباه إلى أي مبادرات جديدة تهدف إلى تعزيز استخدام عملات أخرى في التجارة الدولية والاحتياطيات الأجنبية. ويجب على المستثمرين مواصلة تقييم المخاطر وتنويع محافظهم الاستثمارية لضمان حماية رؤوس أموالهم في ظل هذه الظروف المتغيرة.

