فيروز في يوم ميلادها… احتفال يغمره الحزن والحنين بعد فراق زياد الرحباني

بهدوء يشبه مسيرتها الفنية الخالدة، تحتفل الفنانة الكبيرة فيروز بعيد ميلادها الـ 88 هذا العام، الموافق 21 نوفمبر. يأتي هذا الاحتفال في ظل حزن يخيم على محبيها بعد فقدان ابنها وشريكها الإبداعي، زياد الرحباني، في يوليو الماضي. تُعدّ فيروز، جارة القمر كما يحلو لملايين المعجبين تسميتها، رمزاً لبنانياً وعربياً عابراً للأجيال.
لا يقتصر عيد ميلاد فيروز على كونه مناسبة شخصية، بل هو أيضاً تذكير بإرثها الفني والثقافي العميق. فقد ساهمت فيروز، على مدى عقود، في إثراء عالم الموسيقى بأغانيها التي تلامس القلوب وتعكس روح لبنان والعالم العربي. هذا العام، يحمل الاحتفال بذكرى ميلادها نبرة خاصة، ممزوجة بالحنين والفقد.
فيروز: مسيرة فنية حافلة بالإبداع
ولدت نهاد رزق وديع حداد في 21 نوفمبر 1935 في قرية ميفقون في لبنان. بدأت مسيرتها الفنية في سن مبكرة من خلال الغناء في الكنيسة والمدرسة، حيث أظهرت موهبتها الفطرية وقدرتها على التحكم بصوتها. اكتشفها الفنان محمد فليفل في معهد الكونسرفاتوار اللبناني، الذي ساعدها على تطوير مهاراتها الموسيقية.
انطلقت فيروز إلى الشهرة في أواخر الأربعينيات عندما لفت صوتها المميز انتباه حليم الرومي، مدير الإذاعة اللبنانية. قام الرومي بتلحين بعض الأغاني لها واختار لها اسم “فيروز”، الذي سرعان ما أصبح اسماً لامعاً في سماء الغناء العربي.
التعاون مع الرحبانيين: نقطة تحول في مسيرة فيروز
شكل لقاء فيروز بالأخوين عاصي ومنصور الرحباني نقطة تحول حاسمة في مسيرتها الفنية. تعاونت معهما لسنوات طويلة، وقدمت من خلالهما أعمالاً فنية رائدة جمعت بين الأصالة والمعاصرة. شمل هذا التعاون العديد من الأغاني الوطنية والاجتماعية التي لاقت رواجاً كبيراً في لبنان والعالم العربي.
كانت مشاركة فيروز في مهرجانات بعلبك بداية لظهور أعمالهما الضخمة، حيث قدموا مزيجاً فريداً من المسرح والموسيقى والفلكلور اللبناني. سرعان ما انتشرت أغاني فيروز من خلال الإذاعات العربية، وصولاً إلى القاهرة في عام 1955، حيث قدمت حفلات ناجحة وأثبتت مكانتها كواحدة من أبرز مطربات العربية.
زياد الرحباني: إرث مستمر وتجديد في ألحان الأم
في السبعينيات، دخل ابنها الموسيقار زياد الرحباني إلى عالم الإبداع، ليضيف لمسة خاصة إلى أعمال والدته. قدم زياد ألحاناً جديدة ومبتكرة لفيروز، مزجت بين الموسيقى الشرقية والغربية، وأظهرت قدرتها على التكيف والتجديد. أغنية “سألوني الناس” هي خير مثال على هذا التعاون الناجح الذي لا يزال محفوراً في ذاكرة المستمعين.
لم يتوقف إبداع فيروز وزياد عند حدود الأغنية، بل امتد إلى المسرح الغنائي والأوبريتات، حيث قدموا أعمالاً فنية متكاملة ترسخ مكانة فيروز كأيقونة للغناء العربي. بالرغم من ابتعادها عن الأضواء في السنوات الأخيرة، إلا أن صوتها لا يزال يتردد في المنازل والمقاهي، رمزاً للحب والحنين والوطن.
شاركت فيروز في العديد من الأعمال السينمائية، أشهرها فيلم “بياع الخواتم”، الذي حقق نجاحاً كبيراً ولاقى استحساناً من النقاد والجمهور. لم تكن فيروز مجرد مطربة، بل كانت فنانة متعددة المواهب، تمكنت من تقديم أعمال فنية متنوعة تركت بصمة واضحة في تاريخ الفن العربي.
مع رحيل زياد الرحباني، يزداد الحنين إلى تلك الحقبة الذهبية من الإبداع الموسيقي. وتبقى أغاني فيروز وزياد الرحباني شاهداً على علاقة فنية وإنسانية فريدة، وقدرة الفن على تجاوز حدود الزمان والمكان.
في الوقت الحالي، لا توجد خطط معلنة لإحياء ذكرى ميلاد فيروز بشكل رسمي، نظراً للظروف العائلية الصعبة. ومن المتوقع أن تقتصر الاحتفالات على مبادرات فردية من المعجبين ووسائل الإعلام، مع التركيز على استعادة ذكرياتها وأعمالها الخالدة، ومتابعة ردود الأفعال على وفاتها.

