Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار التقنية

حين تحكم شركة خاصة مسار الحرب.. “ستارلينك” تحت المجهر

في مشهد متطور باستمرار للحرب الحديثة، لم يعد التحكم في ساحة المعركة حكرًا على الجيوش التقليدية. فقد برز دور التكنولوجيا بشكل كبير، مع ظهور كيانات خاصة تمتلك أدوات قادرة على التأثير في مصير الدول. وفي قلب هذا التحول، تقع شركة سبيس إكس (SpaceX) ومنظومة الإنترنت الفضائي ستارلينك (Starlink)، التي أصبحت عنصرًا أساسيًا في الاتصالات العسكرية والإغاثية على حد سواء، مما يثير تساؤلات حول السيادة والاعتماد على القطاع الخاص.

لم تعد ستارلينك مجرد خدمة إنترنت تهدف إلى ربط المناطق النائية؛ بل تحولت إلى بنية تحتية استراتيجية حيوية، شاركت بشكل مباشر في العديد من النزاعات الحديثة. وقد سلطت الحرب في أوكرانيا، والصراع في قطاع غزة الضوء على هذا التحول، وكشفت عن مدى اعتماد الدول على شركات خاصة لتوفير خدمات أساسية كانت حكرًا على الحكومات في السابق.

من حلم التواصل العالمي إلى أداة الهيمنة

ظهرت ستارلينك كمشروع طموح لإيلون ماسك، يهدف إلى توفير الإنترنت للجميع في أي مكان على وجه الأرض، باستخدام شبكة واسعة من الأقمار الصناعية. وسرعان ما تجاوزت المنظومة هذا الهدف، وأصبحت إمبراطورية اتصالات فضائية ضخمة، تضم أكثر من 7000 قمر صناعي، وهو ما يمثل 65% من إجمالي الأقمار النشطة حول الأرض.

وتخدم الشبكة الآن أكثر من 2.6 مليون أسرة حول العالم، بالإضافة إلى شركات الطيران والسفن التجارية. تُعد ستارلينك شبكة بديلة قادرة على تجاوز القيود الحكومية وشبكات الاتصالات التقليدية، كما أنها تلعب دورًا حيويًا في عمليات الإغاثة في المناطق المتضررة، وتوفر وسيلة اتصال أساسية في مناطق القتال.

دور ستارلينك في أوكرانيا

شكلت الحرب في أوكرانيا مختبرًا حقيقيًا لقدرات ستارلينك الجيوسياسية. فبعد تدهور البنية التحتية للاتصالات الأوكرانية، طلبت كييف المساعدة، واستجابت سبيس إكس بتفعيل الشبكة وإرسال آلاف محطات الاستقبال. أصبحت ستارلينك شريان الحياة للاتصالات في أوكرانيا، خاصة في المناطق المدمرة.

اعتمد الجيش الأوكراني على الشبكة لتوجيه الطائرات المسيرة وتنفيذ العمليات القتالية. ومع ذلك، أظهر إيلون ماسك، مالك سبيس إكس، في عدة مناسبات، رغبته في التأثير في مسار الحرب، من خلال رفض توسيع نطاق الخدمة بالقرب من شبه جزيرة القرم، وتعطيل الوصول إليها مؤقتًا في مناطق حيوية. كشفت هذه الإجراءات عن قدرة الشركة على ممارسة ضغوط سياسية، وعن هشاشة الاعتماد على البنية التحتية الخاصة في أوقات الأزمات.

القيود في قطاع غزة

بينما سلطت أوكرانيا الضوء على الإمكانات العسكرية لـ ستارلينك، كشف الصراع في قطاع غزة عن الجانب الإنساني المرتبط بالمصالح التجارية. وبعد تدمير البنية التحتية للاتصالات في القطاع، أصبح الوصول إلى الإنترنت شبه مستحيل للمستشفيات والوكالات الإغاثية والمدنيين. في البداية، رفضت سبيس إكس تفعيل الخدمة في غزة إلا بعد الحصول على موافقة من الحكومة الإسرائيلية، مما أثار انتقادات واسعة، واتهامات بتواطؤ في عرقلة المساعدات الإنسانية.

فيما بعد، تعهد ماسك بتوفير الخدمة للمنظمات الإغاثية، لكنه اشترط الحصول على موافقة أمنية إسرائيلية مسبقة، مما جعل المساعدات الإنسانية رهينة بالاعتبارات السياسية والأمنية. وعملت ستارلينك بكامل طاقتها في إسرائيل، بينما ظل وصولها إلى غزة محدودًا للغاية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وإدانة من منظمات حقوق الإنسان.

البنية التحتية الخاصة: عنصر سيادي جديد

إن تجربة ستارلينك تكشف عن تحول في موازين القوى العالمية، يتمثل في صعود ما يمكن تسميته بسيادة الشركات. ومع تزايد اعتماد الجيوش على أنظمة الأقمار الصناعية والخدمات السحابية، أصبحت الشركات التي تدير هذه الأنظمة جزءًا من الأمن القومي.

تتحكم سبيس إكس، من خلال ستارلينك، في تشغيل الشبكة عالميًا، بينما تفتقر الحكومات إلى القدرة التقنية على فرض سيادتها الكاملة على هذه البنية التحتية. هذه القدرة تمنح الشركة نفوذًا غير مسبوق، وتثير مخاوف بشأن إمكانية تعطيل الاتصالات العسكرية أو الإغاثية، أو حتى استخدام البيانات الحساسة لتحقيق أهداف تجارية أو سياسية.

ردود الفعل الدولية

في مواجهة هذه التهديدات، بدأت العديد من الدول في إدراك خطورة الفجوة التنظيمية، واتخاذ إجراءات مضادة. يعمل الاتحاد الأوروبي على تطوير نظام اتصالات فضائي بديل، تحت اسم “آيريس سكواريد” (IRIS²)، مع خطط لإطلاق “درع الفضاء الأوروبي” (European Space Shield) في عام 2026. تسعى الصين وروسيا إلى تطوير منظومات وطنية مماثلة، لتجنب الاعتماد على الشركات الأميركية. كما بدأت دول مثل الهند والفلبين في صياغة قوانين لتنظيم عمل هذه الشبكات، وحماية بياناتها الوطنية.

يتضح من هذه التحركات أن مفاهيم السيادة التقليدية تتغير، وأن الدول تسعى إلى إعادة بناء قدراتها الرقمية، لضمان استقلالها وأمنها القومي في مواجهة النفوذ المتزايد للشركات التقنية الكبرى. الإنترنت الفضائي لم يعد مجرد خدمة، بل أصبح ساحة تنافس جيوسياسية جديدة.

نظرة مستقبلية

مع استمرار تطور تقنية ستارلينك وتوسع نطاق خدماتها، من المتوقع أن يزداد الجدل حول دور الشركات الخاصة في الأمن القومي والسياسة الدولية. تتجه الأنظار الآن إلى تطوير أطر حوكمة عالمية جديدة، توازن بين حرية الابتكار وضرورة الحفاظ على السيادة الوطنية، مع ضمان وصول عادل وموثوق إلى الإنترنت للجميع. ومن المقرر أن يناقش الأمم المتحدة هذا الموضوع في دورة الجمعية العامة القادمة، ومن المتوقع صدور توصيات جديدة بحلول نهاية عام 2024.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *