الجولات الأميرية.. حضور قطري متنامٍ في أفريقيا | الخليج أونلاين

تُعد جولات أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى دول القارة الإفريقية تجسيدًا واضحًا للرؤية القطرية الهادفة إلى تعزيز التعاون و ترسيخ دور قطر الإقليمي والدولي، وهو ما أكده الدكتور أحمد الساعي، الأكاديمي بجامعة قطر، لـ “الخليج أونلاين”. لم تكن هذه الزيارات مجرد بروتوكولات تقليدية، بل خطوة استراتيجية نحو بناء شراكات مستدامة في ظل تحولات عالمية متسارعة. تستعرض هذه المقالة الأبعاد السياسية والاقتصادية لهذه الجولات، ورؤية الدوحة المستقبلية تجاه القارة الإفريقية، مستندةً إلى تصريحات الدكتور الساعي وتحليل الأوضاع الراهنة.
جولات أمير قطر في إفريقيا: مؤشر على تحول في السياسة الخارجية
لم تقتصر زيارات صاحب السمو إلى إفريقيا على الدورة الأخيرة، إذ سبقها جولات في عامي 2017 و 2019 شملت خمس دول إفريقية، ليصل عدد الدول التي زارها سموه في القارة إلى أكثر من ثمانية دول، بالإضافة إلى الزيارات الثنائية المستمرة. هذه الزيارات المتكررة تعكس مستوى الاهتمام القطري المتزايد بالقارة الإفريقية، وتعتبر دليلًا قاطعًا على أن الدوحة تولي إفريقيا أهمية خاصة في سياستها الخارجية.
الدكتور أحمد الساعي يرى أن هذه الجولات تجسد رؤية سياسية واضحة المعالم، وتسعى إلى إبراز قطر كشريك دولي يعتمد عليه، ومناصر للسلام والاستقرار والتنمية في القارة السمراء. إنها ليست مجرد زيادات في حجم المساعدات، بل بناء علاقات طويلة الأمد تعود بالنفع على الطرفين.
السياسة والوساطة: قطر كلاعب أساسي في حل النزاعات
تاريخياً، لعبت دولة قطر دوراً بارزاً في الوساطة وحل النزاعات على مستوى العالم، وأثمرت جهودها في القارة الإفريقية عن اختراقات حقيقية في مناطق صراع معقدة. توقيع اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، واتفاق السلام بين جمهورية الكونغو وحركة 3 مارس، بوساطة قطرية، يعتبران شاهدًا على قدرة الدوحة على جمع الأطراف المتنازعة وتهيئة الأجواء للانفراج السياسي.
الحياد والنزاهة: أساس نجاح الوساطات القطرية
يعود نجاح قطر في مجال الوساطة إلى نهجها القائم على الحياد والنزاهة، وعدم الانحياز لطرف على حساب آخر. الدكتور الساعي يؤكد أن الدوحة تحرص على الوقوف على مسافة متساوية من جميع الأطراف، مما يمنحها مصداقية عالية وإمكانية بناء الثقة بين المتنازعين. هذا النهج جعل اسم قطر مرادفاً للحلول السلمية في القضايا الأكثر تعقيدًا وحساسية.
الاقتصاد والاستثمار: تنويع الشراكات وتعزيز التنمية
بالتوازي مع دورها السياسي، كثفت دولة قطر من استثماراتها الاقتصادية في القارة الإفريقية، وذلك في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى التنويع الاقتصادي والجغرافي والثقافي. الجولات الأميرية ساهمت في ترسيخ حضور الدوحة كلاعب استثماري مهم، من خلال مشاريع ضخمة في مجالات الطاقة والأمن الغذائي والبنية التحتية.
قطاعات الاستثمار الرئيسية
تتركز الاستثمارات القطرية في إفريقيا في قطاعات حيوية مثل:
- الطاقة المتجددة: بما يتماشى مع التوجه العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة.
- التعدين: لاستغلال الموارد الطبيعية الهائلة التي تمتلكها القارة.
- الصلب: لتلبية الطلب المتزايد على هذا المعدن الحيوي في مشاريع التنمية.
- الاتصالات والنقل: لتطوير البنى التحتية وتحسين ربط القارة بالعالم.
وتُظهر الأرقام تطورًا ملحوظًا في حجم الاستثمارات القطرية في إفريقيا، حيث تعد قطر أكبر مستثمر عربي في الجزائر، بالإضافة إلى استثمارات كبيرة في مصر وجنوب إفريقيا وموزمبيق وعدد آخر من الدول الإفريقية. ففي مصر مثلاً، تم الاتفاق على حزمة استثمارات وشراكات بقيمة 7.5 مليار دولار.
رؤية مستقبلية لعلاقات قطر بإفريقيا
الدكتور الساعي يشدد على أن الدور التنموي والإنساني لقطر يعد جزءًا أساسيًا من سياستها الخارجية، وأن الدوحة ترى في دعم مشروعات التنمية والإغاثة وسيلة للحد من الأزمات قبل وقوعها. كما يرى أن العلاقات بين قطر والدول الإفريقية ستشهد المزيد من التطور والازدهار في المستقبل، بفضل الزيارات واللقاءات المستمرة على أعلى المستويات، والتعاون المثمر في مجالات متنوعة.
إن دور قطر في إفريقيا يتجاوز مجرد الاستثمار والوساطة ليشمل بناء شراكات استراتيجية طويلة الأمد، وتعزيز التنمية المستدامة، والمساهمة في تحقيق الاستقرار والأمن في القارة. هذا الالتزام يعكس إيمان الدوحة بأهمية إفريقيا كعمق استراتيجي وامتداد طبيعي للوطن العربي، وأداة فاعلة في بناء عالم أكثر عدلاً وازدهارًا. الاستمرار في هذا النهج سيكون حجر الزاوية في ترسيخ دور قطر الإقليمي والدولي كلاعب مسؤول وفاعل في الشؤون العالمية.

