ما مر ذكرك الا وابتسمت له من القائل

عندما نتردد في مسامعنا أبياتٌ شعريةٌ تلامس الروح، نَشْعُرُ بقوةِ الكلماتِ وأثرِها فينا. ومن بين هذه الأبيات الخالدة، نجد قولاً يفوحُ بالعشق والتقدير: “ما مر ذكرك إلا وابتسمت له كأنك العيد والباقون أيام”. هذا المقال سيتناول جلال الدين الرومي، قائل هذه العبارة الرقيقة، وسيقدم نظرة شاملة على حياته، شعره، وأقواله الخالدة.
ما مر ذكرك الا وابتسمت له: من هو القائل؟
الكثيرون يتساءلون عن مصدر هذه الكلمات المؤثرة، ومن قائلها الذي استطاع أن يجسد مشاعر الحب ببراعةٍ وإتقان. الإجابة هي جلال الدين الرومي، أحد أعظم شعراء التصوف في التاريخ. هذا البيت تحديداً يعكس قدرة الرومي على التعبير عن عمق المودة والشوق، حيث يشبّه المحبوب بالعيد الذي يملأ القلب بالبهجة، بينما تكون بقية الأيام مجرد لحظات عادية مقارنةً بذكر الحبيب.
من هو جلال الدين الرومي ويكيبيديا؟
جلال الدين الرومي، واسمه الحقيقي محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي، هو شاعر صوفي ومُفكر فارسي الأصل. ولد في بلخ (أفغانستان حالياً) عام 640 هـ (1207 م) وترعرع في كنف والده بهياء الدين ولد، وهو عالم وقارئ مشهور.
تميزت حياة الرومي بالتحولات الفكرية والروحية. بعد وفاة والده، انتقل مع عائلته إلى قونية في تركيا، حيث عمل أستاذاً للتدريس في مدرسة دينية. إلا أنه سرعان ما ترك التدريس وانغمس في العالم الصوفي، متأثراً بلقائه مع شمس الدين التبريزي، الذي أصبح مرشده الروحي وصديقه، وأثرى تجاربه الإيمانية بشكل كبير.
كتب الرومي جلّ مؤلفاته وأشعاره باللغة الفارسية، وشملت أشعاره ديوان المثنوي، وهو عمل ضخم يعتبر من أهم روائع الأدب الفارسي والصوفي. ترجمت أعماله فيما بعد إلى العديد من اللغات، مما ساهم في انتشارها وتأثيرها في مختلف الثقافات. ومن الجدير بالذكر أن شعره أصبح ملهماً للعديد من فناني البوب والموسيقيين المعاصرين.
جلال الدين الرومي السيرة الذاتية
لنتعمق أكثر في حياة جلال الدين الرومي من خلال بعض المعلومات الأساسية:
- الاسم الكامل: محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي البكري.
- اسم الأب: بهاء الدين ولد.
- اسم الشهرة: جلال الدين الرومي.
- تاريخ الميلاد: 30 سبتمبر 1207م.
- مكان الولادة: بلخ، أفغانستان.
- تاريخ الوفاة: 17 ديسمبر 1273م (هناك اختلاف في المصادر حول تاريخ الوفاة).
- مكان الدفن: متحف مولانا في قونية، تركيا.
- الزوجة: جوهر خاتون.
- الأبناء: سلطان ولد.
- الديانة: الإسلام.
- المهنة: شاعر، صوفي، مفكر.
أقوال وحكم جلال الدين الرومي
لم يقتصر إرث جلال الدين الرومي على الشعر فحسب، بل امتد ليشمل مجموعة غنية من الأقوال والحكم التي تنير العقول وتهدي القلوب. إليكم بعض من أبرزها:
- “الغضب والشهوة، يجعلان المرء أحول، ويحولان الروح عن طريق الاستقامة.”
- “الأدبُ ليس إلا تحمُّل من لا أدبَ عنده.”
- “لا تنزعج إذا انقلبت حياتك رأسًا على عقب، فكيف تعرف أن الجانب الذي اعتدت عليه، أفضل من ذلك الجانب الذي سوف يأتي.”
- “يدخلك الضياء من حيث تكمن جراحك.”
- “الوداع لا يقع إلا لمن يعشق بعينيه، أما ذاك الذي يحب بروحه وقلبه فلا ثمة انفصال أبدًا.”
- “قلت للعشق ذات ليلة: أصدقني القول، من أنت؟ قال: أنا الحياة الباقية وأنا العمر المتكرر.”
- “يومًا ما سيأخذك قلبك إلى محبوبك، يوماً ما ستهتدي روحك إليه، فلا تستسلم في غيابات الألم الحزين، ولتعلم أنه يومًا ما سيكون هذا الألم هو الدواء.”
هذه الأقوال تعكس فلسفة الرومي العميقة التي تدعو إلى الحب، التسامح، والبحث عن الحقيقة.
تأثير جلال الدين الرومي في الأدب والثقافة
لا يزال جلال الدين الرومي يمثل مصدر إلهام للعديد من الأدباء والمفكرين والفنانين في جميع أنحاء العالم. تتميز أشعاره بالعمق الروحي واللغة الجميلة والتعبير الصادق عن المشاعر الإنسانية. وقد ساهمت ترجمة أعماله إلى لغات مختلفة في انتشارها وتأثيرها في الثقافات الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن أفكاره الصوفية وتأكيده على أهمية الحب والتسامح تجعله شخصية ذات صلة خاصة في عالمنا المعاصر.
في الختام، يمكن القول أن جلال الدين الرومي لم يكن مجرد شاعر، بل كان فيلسوفاً وصوفياً ترك بصمة لا تمحى في الأدب والثقافة الإنسانية. عبارته “ما مر ذكرك إلا وابتسمت له كأنك العيد والباقون أيام” هي شهادة حية على قدرته الفائقة على التعبير عن أسمى معاني الحب والتقدير. ندعوكم إلى استكشاف المزيد من أعماله الغنية والتأمل في حكمه الخالدة.

