الصين واليابان تتبادلان التجارة والتوترات السياسية.. لمن الغلبة؟

تتصاعد التوترات بين الصين واليابان، وهما من أقوى الاقتصادات في آسيا وأكبر الشركاء التجاريين في المنطقة، بسبب قضايا متعددة تشمل النزاعات الإقليمية، والنشاط العسكري، وقضايا تتعلق بتايوان. هذه التوترات تهدد بتقويض العلاقات الاقتصادية الهامة بين البلدين، وتثير مخاوف بشأن الاستقرار الإقليمي. وتأتي هذه التطورات في وقت يشهد فيه العالم تحولات جيوسياسية كبيرة.
في نوفمبر، أثارت تصريحات لرئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايشي حول إمكانية تدخل اليابان عسكرياً في حال شن الصين هجوماً على تايوان، غضب بكين، ودفعت الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات انتقامية تشمل تحذير مواطنيها من السفر إلى اليابان وتعليق استيراد المأكولات البحرية اليابانية. هذه الإجراءات تعكس مدى حساسية قضية تايوان بالنسبة للصين، وأهمية الحفاظ على الاستقرار في المنطقة.
تاريخ العلاقات بين الصين واليابان
لطالما كانت الصين واليابان قوتين رئيسيتين في شرق آسيا، حيث تبادلتا التأثيرات الثقافية والاقتصادية لقرون. شهدت العلاقات بين البلدين فترات من الازدهار والتعاون، بالإضافة إلى فترات من الصراع والعداء. تعززت التجارة بينهما في أواخر القرن التاسع عشر، لكنها شهدت أيضاً تصاعداً في التوترات السياسية.
في أوائل القرن العشرين، غزت اليابان أجزاء من الصين، وبلغت هذه العدوانية ذروتها خلال الحرب العالمية الثانية، حيث ارتكب الجيش الإمبراطوري الياباني فظائع واسعة النطاق في الصين، بما في ذلك مجزرة نانكينغ. لا تزال هذه الأحداث تلقي بظلالها على العلاقات الثنائية حتى اليوم.
الخلافات الإقليمية والتوترات العسكرية بين الصين واليابان
تعتبر جزر سينكاكو (التي تسميها الصين دياويو) من أبرز بؤر التوتر بين البلدين. تدعي كل من الصين واليابان السيادة على هذه الجزر غير المأهولة، وتقوم الصين بإرسال سفن تابعة لخفر السواحل إلى المنطقة بشكل شبه يومي منذ عام 2012. وقد سجل عام 2024 عدداً قياسياً من هذه السفن.
بالإضافة إلى ذلك، يثير النفوذ العسكري المتزايد للصين قلقاً في طوكيو، خاصةً مع التعاون العسكري المتزايد بين الصين وروسيا، والذي يشمل تدريبات بحرية وجوية مشتركة بالقرب من اليابان. أصدرت اليابان كتاباً أبيض عسكرياً في عام 2025، وصفت فيه الصين بأنها “أعظم تحدٍ استراتيجي” لها.
ردت الصين على هذه التصريحات، واتهمت اليابان بعدم تعلم دروس التاريخ والعودة إلى العسكرة. وقد أعلنت اليابان عن خطط لزيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما أثار انتقادات من بكين.
قضية تايوان وتأثيرها على العلاقات
تعتبر الصين تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وتعهدت بإعادة توحيدها مع البر الرئيسي، بالقوة إذا لزم الأمر. في حين أن اليابان لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان، إلا أنها تعرب عن قلقها بشأن أي محاولات لتغيير الوضع الراهن بالقوة.
تعتبر اليابان أن أي صراع في مضيق تايوان يمثل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، نظراً لقرب تايوان من الأراضي اليابانية. وقد أثارت تصريحات رئيسة الوزراء تاكايشي حول إمكانية تدخل اليابان في حال الهجوم على تايوان غضب بكين، وأدت إلى تصعيد التوترات.
التجارة بين الصين واليابان: شراكة معقدة
تعتبر الصين الشريك التجاري الأكبر لليابان، في حين أن اليابان تحتل مكانة مهمة في التجارة الثنائية مع الصين. وقد استثمرت الشركات اليابانية بكثافة في الصين منذ أواخر السبعينيات، مستفيدة من انخفاض تكاليف العمالة والأسواق المتنامية.
ومع ذلك، فإن هذه العلاقة التجارية تشهد تحولات. فقد بدأت الشركات الصينية في منافسة الشركات اليابانية في إنتاج سلع ذات قيمة مضافة، مثل السيارات والإلكترونيات. كما أن اليابان أصبحت مورداً مهماً للمكونات التكنولوجية للصين.
تتوسع العلامات التجارية الصينية في اليابان، مما يزيد من المنافسة في السوق اليابانية. وقد بدأت بعض الشركات اليابانية في إعادة النظر في استثماراتها في الصين، بسبب المخاوف بشأن البيئة السياسية والتنظيمية.
المستقبل المحتمل للعلاقات الصينية اليابانية
من المتوقع أن تستمر التوترات بين الصين واليابان في المدى القصير، خاصةً فيما يتعلق بقضية تايوان والخلافات الإقليمية. قد تتخذ الصين إجراءات انتقامية إضافية ضد اليابان، مما قد يؤثر على التجارة والاستثمار بين البلدين.
ومع ذلك، فإن كلا البلدين يدركان أهمية الحفاظ على علاقات اقتصادية مستقرة. من المرجح أن يسعى الطرفان إلى إيجاد طرق لإدارة خلافاتهما وتجنب التصعيد. ستكون الاجتماعات الدبلوماسية المستقبلية، ومراقبة التطورات العسكرية في المنطقة، ومتابعة التغيرات في السياسات التجارية، أموراً حاسمة في تحديد مسار العلاقات بين الصين واليابان.

