لماذا نشعر بقوة الفيروسات التنفسية هذا العام؟

مع اقتراب فصل الشتاء، تشهد مصر ارتفاعًا ملحوظًا في حالات الإصابة بنزلات البرد الشتوية والإنفلونزا، وتصاحبها أعراض قد تبدو أكثر حدة واستمرارًا من السنوات السابقة. يشعر الكثيرون بالقلق حيال هذه الزيادة في الشكاوى، ويتساءلون عن سبب تفاقم الأعراض التنفسية. في هذا المقال، سنستعرض الأسباب التي أشارت إليها وزارة الصحة والسكان فيما يتعلق بحدة أعراض الشتاء الحالية، مع تقديم نصائح للحماية والوقاية.
الأسباب وراء زيادة حدة نزلات البرد الشتوية هذا العام
أكد الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي باسم وزارة الصحة والسكان، أن الفيروسات التنفسية الشتوية لم تشهد تغييرات جذرية مقارنة بالسنوات الماضية. ومع ذلك، هنالك مجموعة من العوامل المتراكمة التي تفسر الشعور بزيادة حدة الأعراض واستمرارها لفترات أطول. ويهدف هذا التوضيح إلى تبديد المخاوف غير المبررة وتوجيه الأهتمام نحو الإجراءات الوقائية الصحيحة.
التغيرات الطفيفة في الفيروسات وتأثيرها على المناعة
الفيروسات، بطبيعتها، تخضع لتغيرات طفيفة ومستمرة من موسم إلى آخر. هذه التغيرات، وإن كانت ليست دراماتيكية، كافية لتقليل فعالية المناعة التي اكتسبها الأفراد في المواسم السابقة. وبالتالي، يصبح الأشخاص أكثر عرضة للإصابة، وقد تكون الأعراض أكثر حدة لأن الجهاز المناعي يحتاج إلى وقت للتكيف مع السلالة الجديدة من الفيروس. هذا الأمر يؤدي إلى انتشار أوسع لـ الفيروسات التنفسية ويزيد من الشعور بتفشي الأمراض.
تأثير جائحة كورونا على المناعة المكتسبة
لا يمكن إغفال تأثير جائحة كوفيد-19 (2020-2022) على مناعة السكان. ففترة التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات ساهمت بشكل كبير في تقليل التعرض للفيروسات التنفسية الشائعة. نتيجة لذلك، شهدت الفئة العمرية الأصغر (الأطفال) والفئة الأكبر (كبار السن) تراجعًا في مستوى المناعة الطبيعية. وعندما عادت الحياة إلى طبيعتها، وتقلصت الإجراءات الوقائية، تعرض هؤلاء الأفراد للفيروسات مرة أخرى، وكانت ردة فعل أجسامهم أضعف، مما أدى إلى أعراض أقوى.
الإصابة المتزامنة بعدة فيروسات
من الممكن أن يصاب الأطفال، على وجه الخصوص، بعدة فيروسات تنفسية في نفس الوقت. على سبيل المثال، قد يصاب الطفل بـ الإنفلونزا وفيروس RSV (الفيروس المخلوي التنفسي) معًا. هذه الإصابة المتزامنة تجعل المرض يبدو وكأنه مستمر لفترة أطول، وتصعب عملية التشخيص والعلاج. كما أن الأعراض تتداخل وتزداد حدة.
التحيز الإدراكي: مقارنة الشتاء الحالي بالشتاءات الأقل حدة
غالبًا ما نميل إلى نسيان شدة الشتاء السابق، ونعتمد في مقارناتنا على ذكريات السنوات التي كانت فيها الأعراض أقل حدة. هذا التحيز الإدراكي يمكن أن يعزز الشعور بأن كل شتاء أسوأ من سابقه، حتى لو لم يكن الأمر كذلك بالضرورة.
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والقلق العام
تنتشر المنشورات والمقالات التي تثير القلق بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذه المنشورات قد تضخم الشعور بالخطر وتجعل الناس يعتقدون أن الوضع أسوأ مما هو عليه في الواقع. من المهم التحقق من مصادر المعلومات الاعتمادية قبل مشاركتها أو التفاعل معها.
ضعف الالتزام بالإجراءات الوقائية البسيطة
أدى تخفيف القيود المتعلقة بجائحة كورونا إلى انخفاض في مستوى الالتزام بالإجراءات الوقائية البسيطة، مثل غسل اليدين بانتظام وتغطية الفم عند السعال أو العطس. هذه العادات مهمة جدًا للحد من انتشار الفيروسات التنفسية داخل المدارس والأماكن العامة.
عودة الإنفلونزا بقوة بعد فترة انقطاع
بعد غيابها لمدة ثلاث سنوات تقريبًا، عادت الإنفلونزا بقوة هذا الشتاء. وتعتبر الإنفلونزا من أشد الفيروسات التنفسية سببًا للأعراض الشديدة، مثل ارتفاع درجة الحرارة، والسعال الشديد، وآلام الجسم. لذلك، فإن عودتها القوية تساهم بشكل كبير في زيادة عدد الحالات المصابة بـ نزلات البرد الشتوية والأمراض التنفسية.
كيف نحمي أنفسنا وأطفالنا من نزلات البرد الشتوية؟
على الرغم من أن العوامل المذكورة أعلاه تزيد من احتمالية الإصابة، إلا أن هناك العديد من الإجراءات الوقائية التي يمكننا اتخاذها لحماية أنفسنا وأطفالنا وتقليل شدة الأعراض. أهم هذه الإجراءات هي:
- غسل اليدين: بشكل متكرر بالماء والصابون، خاصة بعد العودة من الأماكن العامة.
- تغطية الفم: عند السعال أو العطس، باستخدام منديل ورقي أو المرفق.
- ارتداء الكمامات: في الأماكن المغلقة المزدحمة، خاصة إذا كنت تعاني من أعراض تنفسية خفيفة.
- التهوية الجيدة: للمساحات المغلقة.
- التغذية الصحية: لتعزيز جهاز المناعة.
- الحصول على قسط كاف من النوم:
- تجنب الاتصال الوثيق: مع الأشخاص المصابين.
- التطعيم ضد الإنفلونزا: يوفر حماية فعالة ضد الإنفلونزا الموسمية.
الخلاصة
في الختام، يمكننا القول أن ارتفاع حالات الإصابة بنزلات البرد الشتوية وشدة الأعراض هذا العام يعود إلى مجموعة من العوامل المتراكمة، وليست بالضرورة إلى ظهور فيروس جديد. من خلال الالتزام بالإجراءات الوقائية الأساسية، وتعزيز المناعة الطبيعية، وتجنب الذعر والقلق، يمكننا حماية أنفسنا وأطفالنا والاستمتاع بشتاء صحي وآمن. لا تترددوا في استشارة الطبيب في حالة ظهور أي أعراض مقلقة، للحصول على التشخيص والعلاج المناسب. تذكروا أن نزلات البرد الشتوية يمكن السيطرة عليها عند اتباع الإرشادات الصحية.

