من وراء حرائق أبراج هونغ كونغ المميتة؟

اندلع حريق في مبنى سكني بمدينة هونغ كونغ يوم الاثنين، 26 نوفمبر، وسرعان ما انتشر ليشمل سبعة أبراج، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 128 شخصًا وإصابة العشرات، مع بقاء المئات في عداد المفقودين. وتعتبر هذه الكارثة من أسوأ حوادث الحرائق التي شهدتها المدينة على الإطلاق، حيث أثارت تساؤلات حول إجراءات السلامة في المباني القديمة وعمليات التجديد.
بدأ الحريق في منطقة تاي بو، وهي منطقة سكنية في ضواحي هونغ كونغ، واستغرق إخماده ما يقرب من يومين. وقد أعلنت إدارة الإطفاء في هونغ كونغ انتهاء عمليات البحث عن ناجين صباح يوم الأربعاء، 28 نوفمبر، بعد جهود مضنية شارك فيها أكثر من 800 رجل إطفاء و140 سيارة إطفاء و60 سيارة إسعاف. وتوفي أحد رجال الإطفاء أثناء عمليات الإطفاء، بينما أصيب آخرون.
أسباب انتشار حريق المبنى السكني
تشير التحقيقات الأولية إلى أن الحريق بدأ في سقالات تحيط بأحد المباني، تحديدًا مبنى “وانغ تشيونغ هاوس” (F). وقد ساهمت الرياح القوية في انتشار النيران بسرعة. إلا أن الاهتمام يتجه بشكل متزايد نحو المواد المستخدمة في أعمال التجديد، مثل الأغطية البلاستيكية وألواح البوليسترين شديدة الاشتعال، بالإضافة إلى سقالات الخيزران التقليدية.
وفقًا لتصريحات وزير الأمن كريس تانغ، اشتعلت النيران في الطوابق السفلية من “وانغ تشيونغ هاوس” بسبب اشتعال ألواح البوليسترين المستخدمة لتغطية النوافذ. وتسبب تحطم هذه الألواح في دخول النيران إلى داخل المبنى، مما أدى إلى امتدادها بسرعة إلى الطوابق العليا والأبراج المجاورة.
صعوبات في عمليات الإطفاء والإنقاذ
واجه رجال الإطفاء صعوبات كبيرة في الوصول إلى المباني بسبب ارتفاع درجة الحرارة وتساقط الحطام. وأشار مسؤول في إدارة الإطفاء إلى أن مادة البوليسترين أنتجت كميات كبيرة من الدخان السام والحرارة الشديدة، مما أعاق عمليات الإنقاذ.
بالإضافة إلى ذلك، أفادت تقارير بأن أجهزة إنذار الحريق لم تعمل بشكل صحيح في بعض المباني، مما أخر إبلاغ السكان عن الحريق. وذكر هيرمان يو كوان هو، عضو مجلس المنطقة السابق، أن السكان لم ينتبهوا إلى الخطر إلا بعد أن طرق حراس الأمن أبوابهم.
استجابة السلطات والإجراءات المتخذة
أعلن رئيس حكومة هونغ كونغ، جون لي، عن تشكيل فرقة عمل للتحقيق في أسباب الحريق وتحديد المسؤولين عنه. كما تعهد بملاحقة أي مخالفات للقوانين واللوائح المتعلقة بالسلامة من الحرائق، وفحص جميع مواقع التجديد التي تستخدم السقالات للتأكد من تطبيق معايير السلامة. وقد ألقت الشرطة القبض على ثلاثة مسؤولين كبار في شركة هندسية متورطة في أعمال التجديد للاشتباه في ارتكابهم جريمة القتل غير العمد.
وقد أمر جون لي بجهود شاملة من جميع الدوائر الحكومية لإخماد الحريق وإنقاذ المحاصرين. كما أعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن تعازيه لأسر الضحايا، وطلب من الحكومات المحلية تقديم المساعدة لهونغ كونغ.
معلومات عن مجمع “وانغ فوك كورت”
يضم مجمع “وانغ فوك كورت” حوالي 2000 وحدة سكنية ويقطنه ما يقرب من 5000 شخص. وتشتهر هونغ كونغ بكثافتها السكانية العالية، حيث يعيش أفراد عائلات متعددة الأجيال في شقق صغيرة. تقع منطقة تاي بو في شمال هونغ كونغ، وتبعد حوالي 30 كيلومترًا عن منطقة الأعمال المركزية، وتضم مساكن متنوعة تلبي احتياجات مختلف مستويات الدخل.
تم بناء المجمع في الثمانينيات كمسكن مدعوم من الحكومة، وكان يخضع لعملية تجديد طويلة الأمد. وقد غطيت المباني السبعة المتضررة بسقالات وشبكات من الخيزران كجزء من أعمال البناء.
تحذيرات سابقة بشأن السلامة
تشير التقارير إلى أن مفتشي الحكومة قد أشاروا إلى وجود مخاطر تتعلق بالسلامة في المجمع قبل وقوع الحريق. وقد قام المنظمون بفحص مشروع التجديد 16 مرة منذ بدء العمل في يوليو الماضي، وأصدروا تحذيرات مكتوبة متكررة للمقاول تطالبه باتخاذ تدابير مناسبة للوقاية من الحرائق، وكان آخرها في الأسبوع الذي سبق الكارثة.
استخدام سقالات الخيزران في هونغ كونغ
لطالما كان استخدام سقالات الخيزران سمة مميزة لمواقع البناء في هونغ كونغ لأكثر من قرن. تعتبر هذه السقالات أرخص من الفولاذ، وتوفر مرونة أكبر في المشاريع التي تتطلب العمل في مساحات ضيقة. ومع ذلك، فإن الحكومة تتجه نحو استخدام السقالات المعدنية بشكل تدريجي بسبب المخاوف المتعلقة بالسلامة، نظرًا لقابلية الخيزران للاشتعال وتدهوره بمرور الوقت.
تاريخ حرائق المباني في هونغ كونغ
شهدت هونغ كونغ عدة حرائق في الأبراج الشاهقة في السنوات الأخيرة، على الرغم من أن الوفيات كانت نادرة. وقد أشارت جمعية حقوق ضحايا الحوادث الصناعية إلى أن هذا هو الحريق الرابع الذي يتعلق بالسقالات هذا العام. وفي عام 1996، وقع حريق في مبنى “غارلي” السكني في منطقة جوردان، مما أسفر عن مقتل 41 شخصًا. كما تسبب حريق في عام 1962 في وفاة 44 شخصًا.
مستقبل سكان الأبراج المتضررة
مع تضرر سبعة من أصل ثمانية أبراج في المجمع، قد يصل عدد الأشخاص الذين فقدوا منازلهم إلى الآلاف. وقد قامت الحكومة بتوفير أماكن إقامة مؤقتة لأكثر من 500 ساكن في تسعة ملاجئ، ورتبت أماكن إقامة في الفنادق وبيوت الشباب للأسابيع القليلة المقبلة. ومع ذلك، فإن إيجاد مساكن دائمة للسكان المتضررين في مدينة تعاني من نقص في المساكن سيشكل تحديًا كبيرًا. وتعمل المنظمات غير الربحية والمتطوعون على جمع التبرعات وتوزيع المساعدات على المتضررين.
من المتوقع أن تستمر التحقيقات في أسباب الحريق وتحديد المسؤولين عنه في الأيام والأسابيع القادمة. وستركز السلطات أيضًا على تقييم مدى الضرر الذي لحق بالمباني المتضررة وتحديد الخطوات اللازمة لإعادة بناءها. ويراقب السكان عن كثب تطورات الوضع، ويتطلعون إلى الحصول على إجابات حول كيفية وقوع هذه الكارثة وكيفية منع تكرارها في المستقبل.

