هروب حوثي من استحقاقات المعيشة إلى الاستنفار العسكري

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية في اليمن تصعيدًا ملحوظًا في عمليات التعبئة القسرية وجمع الأموال من السكان، وذلك من خلال استغلال دعوات “النفير العام” ومصادرة المحاصيل الزراعية. تأتي هذه الإجراءات في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وتزايد الضغوط المعيشية على اليمنيين، مما يثير مخاوف متزايدة بشأن قدرة السكان على الصمود. وتشير التقارير إلى أن هذه الممارسات تهدف إلى تمويل جهود الجماعة العسكرية والاستمرار في فرض سيطرتها، بالإضافة إلى محاولة التهرب من مسؤوليات توفير الخدمات الأساسية للسكان.
تركزت هذه الأنشطة بشكل رئيسي في محافظات صنعاء، الحديدة، وذمار، خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفقًا لمصادر محلية ومنظمات حقوقية. تشمل عمليات التعبئة القسرية حث الشباب على التجنيد في صفوف الجماعة، بينما تترافق الجبايات مع تهديدات واعتقالات للمزارعين والتجار. تؤثر هذه الأفعال بشكل مباشر على الأمن الغذائي وسبل عيش السكان المحليين.
تصعيد عمليات الحشد والجبايات الحوثية
تعتبر الممارسات الحالية للحوثيين امتدادًا لنهج اعتمدته الجماعة منذ سيطرتها على مناطق واسعة من اليمن في عام 2014. ومع ذلك، يلاحظ مراقبون زيادة في وتيرة هذه الممارسات وحدتها، خاصةً مع استمرار الحرب الأهلية وتعمق الأزمة الاقتصادية. تأتي هذه الزيادة بالتزامن مع فشل الجماعة في دفع رواتب الموظفين الحكوميين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، مما قد يفسر سعيها إلى إيجاد مصادر تمويل بديلة.
دعوات النفير العام وتجنيد الشباب
تستخدم الجماعة الحوثية بشكل متكرر ما تسميه “النفير العام” لحشد المقاتلين والمؤيدين. هذه الدعوات غالبًا ما تتضمن خطابات تحريضية تستهدف الشباب، مع التركيز على الجوانب الأيديولوجية والمذهبية. ويشكو العديد من الأسر من تعرض أبنائهم لضغوط للتجنيد، مع تقارير عن تجنيد أطفال في بعض الحالات، وهو ما يعد انتهاكًا للقانون الدولي الإنساني.
مصادرة المحاصيل الزراعية
يعتبر مصادرة المحاصيل الزراعية من أبرز أشكال الجبايات التي تمارسها الجماعة الحوثية. تفرض الجماعة ضرائب باهظة على المزارعين، وغالبًا ما تأخذ المحاصيل الزراعية كبدل عن هذه الضرائب. يؤدي هذا إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقصها في الأسواق المحلية، مما يزيد من معاناة السكان. وتشير تقارير إلى أن المزارعين يخشون الاعتراض على هذه الممارسات خوفًا من الانتقام.
تتسبب هذه الإجراءات في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، التي تعتبر الأسوأ في العالم. فقد أدت الحرب والصراعات الداخلية إلى نزوح ملايين اليمنيين وتوقف الخدمات الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم. وحسب تقديرات الأمم المتحدة، يعاني أكثر من 17 مليون يمني من انعدام الأمن الغذائي.
إضافة إلى ذلك، يؤثر هذا الوضع على جهود السلام في اليمن. فقد أدت الممارسات الحوثية إلى زيادة التوتر بين الأطراف المتنازعة وتعقيد المفاوضات. كما أنها تضعف ثقة السكان في العملية السياسية وقدرة الحكومة على توفير الأمن والاستقرار. وتعتبر هذه الجبايات والتعبئة القسرية تحديًا إضافيًا أمام تحقيق حل سياسي شامل للأزمة اليمنية.
في سياق متصل، أعربت الحكومة اليمنية عن قلقها العميق حيال هذه الممارسات، وطالبت المجتمع الدولي بالضغط على الجماعة الحوثية لوقفها. وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) نشرت بيانات حكومية تفصل الأساليب التي تستخدمها الجماعة في جمع الأموال. كما دعت الحكومة إلى إجراء تحقيق مستقل في هذه الانتهاكات وتقديم المسؤولين عنها إلى العدالة.
ويبدو أن هذه الإجراءات الحوثية تهدف أيضًا إلى إحكام السيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرتها وفرض واقع جديد يصعب تغييره. فمن خلال التعبئة القسرية والجبايات، تسعى الجماعة إلى إضعاف المجتمع المحلي وتقويض أي محاولة للمقاومة أو الاحتجاج.
في المقابل، تحاول الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف بقيادة السعودية تقديم المساعدات الإنسانية للسكان في المناطق المتضررة، ولكن هذه الجهود تواجه صعوبات كبيرة بسبب القيود التي تفرضها الجماعة الحوثية.
من المتوقع أن تستمر الجماعة الحوثية في ممارسة هذه الأنشطة في ظل غياب حل سياسي شامل للأزمة اليمنية. وتشير التقديرات إلى أن الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة ستزداد سوءًا في الأشهر المقبلة. ويراقب المجتمع الدولي عن كثب تطورات الوضع في اليمن، ويأمل في التوصل إلى حل يضمن وقف إطلاق النار وتخفيف المعاناة الإنسانية. وستظل مسألة الوضع في اليمن محورًا رئيسيًا للمناقشات الإقليمية والدولية.

