مهرجان الخليج السينمائي.. عودة تعيد رسم مشهد صناعة الأفلام | الخليج أونلاين

انطلق المشهد السينمائي الخليجي مؤخرًا نحو إحياء أحد أهم محفزاته الإقليمية، وهو مهرجان الخليج السينمائي. بعد سنوات من التوقف، عاد المهرجان ليؤكد مكانته كمنصة حيوية لدعم صناعة الأفلام في المنطقة، بدءًا من الرياض عام 2024، وآخرها دورة مسقط 2025 التي رسخت هذه العودة. هذا المقال يستعرض تفاصيل هذه العودة، وأهميتها، والتحديات التي واجهت المهرجان، ومستقبله الواعد.
عودة قوية لمهرجان الخليج السينمائي: مسقط 2025 تؤكد الاستمرارية
جاءت دورة مسقط 2025 لتشكل علامة فارقة في مسيرة مهرجان الخليج السينمائي، حيث استضافت سلطنة عُمان النسخة الثانية بعد الاستئناف، وشهدت توسعًا ملحوظًا في المشاركة والأعمال المعروضة، والتي بلغت 26 فيلمًا. لم تقتصر الدورة على العروض السينمائية فحسب، بل ركزت بشكل خاص على إبراز الهوية البصرية للسينما العمانية والخليجية بشكل عام، مع تقديم برامج متنوعة للأفلام الوثائقية ومسابقات مخصصة للطلاب والناشئة.
التركيز على التعليم والتراث البصري
أضافت دورة مسقط بعدًا تعليميًا للمهرجان من خلال تنظيم ورش عمل متخصصة وحلقات نقاش تناولت موضوعات مهمة مثل المحافظة على التراث البصري الخليجي، وتطوير تقنيات التصوير في البيئات الصعبة، ودعم الإنتاجات السينمائية الريفية. هذا التوجه يعكس التزام المهرجان بتطوير الكفاءات المحلية وتعزيز القدرات الإبداعية للجيل الجديد من صناع الأفلام.
التعاون الخليجي وتوسيع الحضور الدولي
شهدت الدورة تعاونًا رسميًا بين مؤسسات ثقافية خليجية، مما ساهم في رفع جودة الورش المهنية وإدراج حلقات نقاش مع خبراء دوليين في مجال توزيع الأفلام. هذا التعاون أسهم في توسيع مستوى الحضور العربي والدولي للمهرجان، وترسيخ دوره كمنصة تعليمية ومهنية. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت الدورة مبادرة أرشفة رقمية للأفلام الخليجية، وهي خطوة حاسمة لحماية ذاكرة الإنتاج السينمائي الخليجي وتوفير قاعدة بيانات قيمة للباحثين والمختصين.
دورة الرياض 2024: نقطة الانطلاق نحو مستقبل واعد
مثلت دورة الرياض عام 2024 عودة رسمية للمهرجان بعد فترة توقف طويلة، واحتضنتها العاصمة السعودية ضمن استراتيجية شاملة لدعم السينما المحلية والإقليمية. شارك في الدورة 29 فيلمًا من مختلف دول الخليج، بالإضافة إلى عروض احتفائية بأفلام خليجية كلاسيكية.
إبراز المواهب الشابة وتعزيز الشراكات
ركزت دورة الرياض على إبراز المواهب الشابة من خلال مسابقات جديدة ولقاءات مهنية جمعت مؤسسات إنتاج سعودية وإقليمية مع شركات دولية تبحث عن شراكات في الخليج. ساهمت هذه العروض في تجديد الاهتمام بالسينما الخليجية المستقلة، خاصة تلك التي تتناول قضايا اجتماعية محلية بأساليب سردية مبتكرة. كما شهدت الدورة حضورًا عربيًا ودوليًا لافتًا، مع تنظيم ندوات حول تطوير النصوص وإدارة مواقع التصوير وتمويل الأفلام، مما يعكس التحولات التي يشهدها القطاع السينمائي السعودي.
خلفية تاريخية: من دبي إلى العودة المظفرة
انطلق مهرجان الخليج السينمائي لأول مرة في دبي عام 2008، كمنصة مخصصة حصريًا للأعمال الخليجية، بهدف دعم المخرجين الشباب والمبتكرين الذين كانوا يبحثون عن منابر لعرض أعمالهم. ميزت الدورات الأولى تقديم مسابقات للأفلام القصيرة، وبرامج تدريبية، وورش كتابة، بالإضافة إلى لقاءات بين منتجين خليجيين وعرب.
المهرجان كمرجع ثقافي ومنصة للانطلاق
مثل المهرجان منذ انطلاقه حدثًا ثقافيًا مرجعيًا يجمع صناع الأفلام من دول الخليج، واحتضن أعمالًا مبكرة لعدد من المخرجين الذين أصبحوا لاحقًا أسماء بارزة في المنطقة. كما كان نقطة انطلاق للعديد من الأفلام إلى مهرجانات دولية في أوروبا وآسيا، مما عزز مكانته كمنصة إقليمية ذات بصمة واضحة.
التحديات التي واجهت المهرجان وأسباب التوقف
مر مهرجان الخليج السينمائي بمحطات صعبة أدت إلى توقفه لعدة سنوات، حيث تداخلت عوامل تنظيمية وثقافية ومالية في تعطيل استمراره. واجهت الجهة المنظمة الأولى تحديات إدارية أثرت على القدرة التشغيلية، بالإضافة إلى تغييرات في المشهد الثقافي دفعت نحو إعادة تقييم جدوى استمراره. كما أسهم ضعف البنية التحتية السينمائية الخليجية في ذلك الوقت في الحد من قدرة المهرجان على مواكبة التوسع العالمي.
مستقبل السينما الخليجية: آفاق واعدة
يؤكد الفنان الكويتي سعد الفرج فخره واعتزازه بعودة هذا الحدث الثقافي الخليجي، معتبرًا أن أي مهرجان خليجي يُقام “يمثل حراكًا فنيًا يجمع الفنانين ويمنحهم فرصة حقيقية لتبادل الخبرات والاستفادة من تجارب بعضهم البعض”. ويشيد الفنان الفرج بالحضور الشبابي المتصاعد، الذي يبشر بمستقبل سينمائي واعد.
من جهته، يرى الكاتب عبد الله حبيب أن السينما ليست مجرد عروض تُقدم على الشاشة، بل هي منظومة متكاملة من الفكر والإبداع والمعرفة. ويشير إلى أن المهرجان السينمائي ليس مجرد مناسبة للاطلاع على إنتاجات خليجية متميزة، بل هو فضاء حيوي يمكن أن يتحول إلى رافعة تعليمية وتدريبية وثقافية.
باختصار، مهرجان الخليج السينمائي عاد ليؤكد أهميته كمنصة حيوية لدعم صناعة الأفلام في المنطقة، وتعزيز التعاون بين صناع السينما الخليجيين، وتقديم أعمال إبداعية تعكس الهوية الثقافية الغنية للخليج. مع استمرار الدعم والتطوير، يمكن للمهرجان أن يلعب دورًا محوريًا في بناء مشهد سينمائي خليجي مستدام ومزدهر.

