دراسة: تكدس البلاستيك حول العالم يتجه لكارثة بحلول 2040

على الرغم من الأدلة المتزايدة حول الآثار الضارة للتلوث بالبلاستيك على البيئة وصحة الإنسان، يستمر إنتاج هذه المادة في الارتفاع بوتيرة مقلقة. تشير دراسة حديثة إلى أن كمية البلاستيك الملوثة للعالم ستصل إلى 280 مليون طن سنوياً بحلول عام 2040، وهو ما يعادل حمولة شاحنة نفايات كاملة يتم إلقاؤها في البيئة كل ثانية. هذا الارتفاع يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل كوكبنا.
صدر التقرير، بعنوان “تحطيم موجة البلاستيك 2025″، عن مؤسسة “بيو تشارتابل تراستس” (Pew Charitable Trusts) بالتعاون مع شركة “آي سي إف إنترناشونال” (ICF International). يقدم التقرير تقييماً شاملاً للتلوث بالبلاستيك، ويحلل تأثيره على النظم البيئية وصحة الإنسان، مع الأخذ في الاعتبار سيناريوهات مختلفة للسياسات البيئية. ويأتي هذا التقرير في أعقاب انهيار محادثات دولية في أغسطس الماضي تهدف إلى وضع معاهدة للحد من إنتاج البلاستيك.
تفاقم أزمة التلوث البلاستيكي
تعتمد الدراسة على مزيج من البيانات الحديثة ونماذج تنبؤية لتقييم الوضع الحالي والتوقعات المستقبلية. وتهدف إلى توفير تحليل متكامل يراقب التأثيرات عبر مختلف القطاعات. توسع التقرير الحالي نطاق البحث ليشمل ما يسمى بـ “البلاستيك الخفي”، وهو البلاستيك المستخدم في قطاعات مثل البناء والزراعة والنقل، بالإضافة إلى المواد البلاستيكية الموجهة للمستهلكين.
وتشير التوقعات إلى أن الإنتاج العالمي للبلاستيك سيرتفع بنسبة 52% بحلول عام 2040، متجاوزاً قدرة أنظمة إدارة النفايات الحالية. هذا الارتفاع سيؤدي أيضاً إلى زيادة الانبعاثات المرتبطة بالبلاستيك بنسبة 58%، لتصل إلى 4.2 غيغاطن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً. وهذا يعني أن إنتاج البلاستيك، لو كان دولة، سيصبح ثالث أكبر مصدر للانبعاثات على مستوى العالم، نظراً لاعتماده الكبير على الوقود الأحفوري.
تأثيرات صحية مقلقة
يكشف التقرير عن أن البلاستيك يحتوي على حوالي 16 ألف مادة كيميائية مختلفة، وأن أكثر من ربع هذه المواد قد يكون له تأثيرات ضارة على صحة الإنسان. ركزت الأبحاث الحديثة بشكل خاص على فئة من المواد الكيميائية المعروفة باسم “معطلات الغدد الصماء”، والتي تستخدم على نطاق واسع في منتجات مثل مستحضرات التجميل وأدوات الطهي، ودراسة تأثيرها على وظائف الجسم المختلفة.
قدرت “بيو” أيضاً التأثيرات الصحية العالمية الناجمة عن تصنيع البلاستيك والتخلص منه. وتشير التقديرات إلى أن سكان العالم سيفقدون 5.6 مليون سنة صحية في عام 2025، و9.8 مليون سنة في عام 2040، بسبب الأمراض المرتبطة بالبلاستيك، بما في ذلك السرطان وأمراض الجهاز التنفسي. يعزى الجزء الأكبر من هذه الخسائر إلى الإنتاج الأولي للبلاستيك.
إعادة التدوير والاستثمار في الحلول
يؤكد التقرير على أن هناك أدوات متاحة بالفعل للحد من إنتاج البلاستيك واستخدامه، مثل تحسين تصميم المنتجات والتغليف، والاستثمار في بنية تحتية تدعم إعادة الاستخدام. كمثال على ذلك، يمكن العودة إلى نماذج سابقة مثل أنظمة توصيل الحليب التي كانت تعتمد على استعادة الزجاجات لإعادة تعبئتها.
في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، تقترح “بيو” إلغاء الدعم الموجه لإنتاج البلاستيك وتوسيع نطاق جمع النفايات بشكل كبير. وهذا من شأنه أن يسمح بجمع ما يقرب من 100% من مواد تعبئة المستهلكين، ومضاعفة معدلات إعادة التدوير. ومع ذلك، يقر التقرير بأن السيطرة على مشكلة الميكروبلاستيك ستكون أكثر صعوبة.
تحديات الميكروبلاستيك
تنشأ الميكروبلاستيك بشكل رئيسي من مصادر مثل غبار إطارات المركبات والدهانات، والمنتجات المستخدمة في الزراعة، مثل الأسمدة المعبأة في كبسولات بلاستيكية والشرائح البلاستيكية المستخدمة كغطاء للتربة. ونظراً لعدم وجود بدائل بسيطة ومباشرة لهذه المواد، فإن تقليل انبعاثها يمثل تحدياً كبيراً.
التوصيات والخطوات المستقبلية
تتضمن توصيات “بيو” خفض الإنتاج الإجمالي للبلاستيك، واستخدام مواد كيميائية أكثر أماناً، واتخاذ إجراءات محددة للحد من تساقط الميكروبلاستيك. ودعت “بيوند بلاستيكس” (Beyond Plastics)، وهي منظمة معارضة للبلاستيك، إلى تبني قوانين تفرض استخدام مواد كيميائية أقل سمية وتقليل إنتاج البلاستيك.
مع ذلك، أعربت بعض الأطراف عن تشاؤمها بشأن توقعات الدراسة لنمو كبير في إعادة تدوير البلاستيك. ويرون أن التعقيد الكيميائي والبوليمري للبلاستيك يجعل من عملية إعادة تدويره على نطاق واسع أمراً غير عملي من الناحية التقنية والاقتصادية. في الوقت الحالي، لا يزال معدل إعادة تدوير البلاستيك منخفضاً للغاية.
من المتوقع أن تستمر المناقشات حول معاهدة دولية للحد من التلوث بالبلاستيك في الأشهر المقبلة. يجب على الدول الأعضاء التوصل إلى اتفاق بشأن إجراءات ملموسة للحد من إنتاج البلاستيك وإدارته بشكل مستدام. يبقى مستقبل كوكبنا رهن هذه الجهود، ويتطلب تعاوناً دولياً والتزاماً بتبني حلول مبتكرة.

