بين الفوضى المعلوماتية والفهم العميق.. كيف يعيد “نوت بوك إل إم” تشكيل علاقتنا بالمعلومة؟

في خضمّ التطور المتسارع للذكاء الاصطناعي، أطلقت جوجل أداة جديدة تحمل اسم “نوت بوك إل إم” (NotebookLM) تهدف إلى إعادة تعريف طريقة تفاعلنا مع المعلومات. هذه الأداة، التي تعتمد على نموذج لغوي كبير، ليست مجرد تطبيق لتدوين الملاحظات، بل هي مساعد ذكي مصمم لفهم وتحليل مصادرك الشخصية بعمق، مما يفتح آفاقًا جديدة للبحث والدراسة والإبداع. وتعدّ هذه الخطوة بمثابة نقلة نوعية في مجال معالجة اللغة الطبيعية، حيث تتجاوز الأداء التقليدي لروبوتات الدردشة.
تم تطوير “نوت بوك إل إم” انطلاقًا من مشروع “تلويند” (Project Tailwind) الذي عُرض في مؤتمر “غوغل آي أو” (Google I/O) في مايو/أيار 2023. الأداة متاحة حاليًا كتجربة، وتتيح للمستخدمين تنظيم كميات هائلة من البيانات، وتلخيصها، واستخلاص رؤى جديدة منها. وتتميز بقدرتها على معالجة ما يصل إلى 25 مليون كلمة، وهو ما يفوق بكثير قدرة الإنسان على استيعاب كمية مماثلة من المعلومات.
ما هو “نوت بوك إل إم” وكيف يعمل؟
يعتبر “نوت بوك إل إم” منتجًا فريدًا من نوعه، حيث يرتكز على نموذج لغوي كبير مبني على تقنية “جيميني 1.5” (Gemini 1.5). الفرق الجوهري بينه وبين النماذج الأخرى يكمن في تركيزه الحصري على مصادر المعلومات التي يضيفها المستخدم. بمعنى آخر، يصبح “نوت بوك إل إم” بمثابة خبير ذكاء اصطناعي مخصص لبياناتك الخاصة، مما يضمن دقة وملاءمة المعلومات التي يقدمها.
تعمل الأداة من خلال استيراد مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك مستندات “غوغل” (Google Docs)، وملفات “بي دي إف” (PDF)، وعروض “غوغل التقديمية” (Google Slides)، وروابط مواقع الويب، وحتى مقاطع الفيديو الصوتية على “يوتيوب”. ثم يقوم “نوت بوك إل إم” بتحليل هذه المصادر، وتحديد الروابط بينها، وإنشاء تمثيل معرفي شامل للمعلومات.
مصادر المعلومات المدعومة
في البداية، كان “نوت بوك إل إم” يدعم فقط تحميل مستندات “غوغل” وملفات “بي دي إف” والنصوص. لكن في يونيو/حزيران 2024، وسّعت جوجل نطاق المصادر المدعومة لتشمل عروض “غوغل التقديمية” وروابط “يوتيوب” وملفات الصوت. هذا التوسع يجعل الأداة أكثر مرونة وقدرة على التكيف مع احتياجات المستخدمين المختلفة. ومع ذلك، تقتصر إمكانية استخدام روابط “يوتيوب” على المقاطع العامة التي تحتوي على ترجمات نصية.
كيف يمكن الاستفادة من “نوت بوك إل إم” في التعلم والبحث؟
تتيح هذه الأداة للمستخدمين تنظيم ملاحظاتهم وأفكارهم بطريقة أكثر فعالية. يمكن للمستخدمين إنشاء “نوت بوك” (Notebook) مخصص لكل موضوع أو مشروع، ثم إضافة المصادر ذات الصلة. وبمجرد تحميل المصادر، يمكن لـ “نوت بوك إل إم” تلخيصها، والإجابة على الأسئلة المتعلقة بها، وحتى اقتراح أسئلة جديدة للتحقيق. هذه الميزات تجعل الأداة مفيدة بشكل خاص للطلاب والباحثين الذين يتعاملون مع كميات كبيرة من المعلومات.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن لـ “نوت بوك إل إم” توليد “نظرات عامة صوتية” (Audio Overviews) وهي عبارة عن ملخصات صوتية للمعلومات. هذه الميزة تسمح للمستخدمين بالاستماع إلى ملخصات سريعة للمصادر الخاصة بهم، مما يوفر الوقت والجهد. وتعتبر هذه الميزة مفيدة بشكل خاص للأشخاص الذين يفضلون التعلم السمعي.
تتميز الأداة أيضًا بقدرتها على حفظ الاقتباسات المهمة، وكتابة الملاحظات الشخصية. يمكن للمستخدمين تمييز الأجزاء المهمة من المصادر، وحفظها في “نوت بوك” الخاص بهم. كما يمكنهم إضافة ملاحظاتهم الخاصة، وتفسيراتهم، وتحليلاتهم. هذه الميزات تجعل “نوت بوك إل إم” أداة قوية لتطوير الفهم العميق للمعلومات.
هل “نوت بوك إل إم” مثالي؟
على الرغم من الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها “نوت بوك إل إم”، إلا أنه ليس مثاليًا. مثل أي نموذج ذكاء اصطناعي، يمكن أن يرتكب الأداة أخطاء، أو يقدم معلومات غير دقيقة. لذلك، من المهم دائمًا التحقق من دقة المعلومات التي يقدمها “نوت بوك إل إم” من خلال الرجوع إلى المصادر الأصلية.
أكدت جوجل أن الأداة لا تزال في مرحلة تجريبية، وأنها تعمل باستمرار على تحسين أدائها. كما نوهت الشركة إلى أن “نوت بوك إل إم” يعتمد على “نظام مغلق”، أي أنه لا يجري أي عمليات بحث على الإنترنت، بل يعتمد فقط على المصادر التي يضيفها المستخدم. هذا يعني أن دقة المعلومات التي يقدمها “نوت بوك إل إم” تعتمد بشكل كبير على جودة المصادر التي يستخدمها.
الخطوات التالية
تعتزم جوجل إتاحة “نوت بوك إل إم” للمستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا في الأشهر المقبلة، مما يوسع نطاق الوصول إلى هذه الأداة القوية. كما تخطط الشركة لإضافة المزيد من الميزات، وتحسين أداء الأداة. من المتوقع أن يشهد “نوت بوك إل إم” تطورات كبيرة في المستقبل القريب، مما قد يجعله أداة أساسية للطلاب والباحثين والمبدعين على حد سواء. ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح كيف ستتعامل جوجل مع المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمان، وكيف ستضمن استخدام الأداة بطريقة مسؤولة وأخلاقية.

