في زمن الحرب… «الدان الحضرمي» على قائمة التراث الإنساني اللامادي

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إدراج فن الدان الحضرمي على قائمة التراث الإنساني اللامادي، وذلك في قرار تاريخي صدر مؤخرًا. يمثل هذا الإدراج اعترافًا دوليًا بأهمية هذا الفن التقليدي المتجذر في الثقافة اليمنية، خاصةً في محافظة حضرموت. القرار جاء بعد سنوات من الجهود المشتركة بين اليمن واليونسكو لتوثيق هذا الموروث الثقافي الفريد والحفاظ عليه للأجيال القادمة.
القرار بإدراج فن الدان الحضرمي اتخذ خلال اجتماع اللجنة الدولية الحكومية لحماية التراث الثقافي غير المادي المنعقد في المغرب في ديسمبر 2023. يأتي هذا الإدراج في وقت تشهد فيه اليمن تحديات كبيرة، مما يجعله مكسبًا ثقافيًا واجتماعيًا هامًا. ويعكس التزام اليمن بالحفاظ على هويته الثقافية الغنية والمتنوعة.
ما هو فن الدان الحضرمي وأهميته؟
فن الدان الحضرمي هو شكل من أشكال التعبير الثقافي الشفوي والأدائي التقليدي الذي يمارسه مجتمع حضرموت في اليمن. يتضمن الدان مزيجًا من الشعر والنثر والموسيقى والرقص، وغالبًا ما يتم تقديمه في التجمعات الاجتماعية والاحتفالات المختلفة. يعتبر الدان وسيلة لنقل المعرفة والقيم والتقاليد الشفوية عبر الأجيال.
جذور تاريخية وعناصر أساسية
يعود تاريخ فن الدان الحضرمي إلى قرون مضت، حيث كان جزءًا لا يتجزأ من الحياة الاجتماعية والثقافية في المنطقة. وفقًا لدراسات أنثروبولوجية، يعتقد أن الدان تطور من تقاليد شعرية قديمة مرتبطة بالقبائل العربية. تشمل العناصر الأساسية للدان القصائد التي تتناول مواضيع متنوعة مثل الحب والشجاعة والحكمة، بالإضافة إلى الألحان المميزة والإيقاعات الراقصة.
دور الدان في المجتمع الحضرمي
يلعب الدان دورًا حيويًا في تعزيز التماسك الاجتماعي والحفاظ على الهوية الثقافية في حضرموت. يُستخدم الدان في المناسبات الهامة مثل حفلات الزفاف والجنازات والأعياد الدينية والوطنية. كما يعتبر وسيلة للتعبير عن الفرح والحزن والاحتفال بالحياة.
عملية الإدراج في اليونسكو
لم يكن إدراج فن الدان الحضرمي في قائمة اليونسكو بالأمر السهل، بل تطلب جهودًا مضنية ومستمرة من مختلف الجهات المعنية في اليمن. بدأت العملية بتقديم ملف ترشيح مفصل إلى اليونسكو، يوضح تاريخ وأهمية وممارسات هذا الفن التقليدي. تضمن الملف دراسات ميدانية وتقارير خبراء وصورًا ومقاطع فيديو توثق مختلف جوانب الدان.
بعد تقديم الملف، قامت اليونسكو بتقييمه من قبل لجنة خبراء دولية. تضمنت عملية التقييم مراجعة دقيقة للملف وإجراء مقابلات مع ممثلين عن المجتمع الحضرمي. كما قامت اللجنة بزيارة ميدانية إلى حضرموت للتحقق من صحة المعلومات الواردة في الملف.
في النهاية، أوصت اللجنة بإدراج فن الدان الحضرمي في قائمة التراث الإنساني اللامادي، وهو ما تم اعتماده رسميًا خلال اجتماع اللجنة الدولية الحكومية في المغرب. هذا الإدراج يمثل اعترافًا عالميًا بقيمة هذا الفن وأهميته في الحفاظ على التنوع الثقافي.
الفوائد والتحديات المترتبة على الإدراج
يحمل إدراج فن الدان الحضرمي في قائمة اليونسكو العديد من الفوائد المحتملة لليمن. من بين هذه الفوائد زيادة الوعي بأهمية هذا الفن على المستوى الدولي، وجذب الاستثمارات لتمويل مشاريع الحفاظ عليه، وتعزيز السياحة الثقافية في حضرموت. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الإدراج في حماية فن الدان من الاندثار والتأثيرات السلبية للعولمة.
ومع ذلك، هناك أيضًا بعض التحديات التي يجب مواجهتها لضمان الاستفادة الكاملة من هذا الإدراج. أحد هذه التحديات هو الوضع الأمني الهش في اليمن، والذي قد يعيق تنفيذ مشاريع الحفاظ على فن الدان. بالإضافة إلى ذلك، هناك حاجة إلى توفير الدعم المالي والتقني للمجتمع الحضرمي لمساعدتهم على مواصلة ممارسة هذا الفن ونقله إلى الأجيال القادمة.
تعتبر السياحة الثقافية فرصة واعدة، ولكنها تتطلب بنية تحتية مناسبة وتخطيطًا دقيقًا لضمان عدم تأثيرها سلبًا على البيئة الثقافية المحلية. كما أن الحفاظ على التراث الثقافي يتطلب جهودًا متواصلة من الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
خطوات مستقبلية ومتابعة التنفيذ
بعد الإدراج، يجب على اليمن تقديم تقارير دورية إلى اليونسكو حول حالة فن الدان الحضرمي والجهود المبذولة لحمايته. يتوقع أن يتم تقديم أول تقرير في غضون عامين من تاريخ الإدراج. يتضمن التقرير تقييمًا شاملاً للوضع الحالي للفن، وتحديد التحديات التي تواجهه، واقتراح تدابير لتعزيز حمايته.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على اليمن وضع خطة عمل وطنية لتنفيذ توصيات اليونسكو. تتضمن خطة العمل هذه تحديد الأولويات وتخصيص الموارد وتنسيق الجهود بين مختلف الجهات المعنية. من المتوقع أن تركز الخطة على دعم ممارسي الدان، وتوثيق المعرفة المرتبطة به، وتعزيز الوعي بأهميته.
في الوقت الحالي، تعمل وزارة الثقافة اليمنية على وضع خطة تفصيلية لتنفيذ هذه التوصيات، بالتعاون مع السلطات المحلية في حضرموت ومنظمات المجتمع المدني. يبقى مستقبل فن الدان الحضرمي رهنًا بالاستقرار السياسي والاقتصادي في اليمن، وبالالتزام المستمر بالحفاظ على هذا الموروث الثقافي الفريد.

