Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
اخبار التقنية

كيف أعاد الذكاء الاصطناعي تعريف الأمان الوظيفي في أميركا؟

لم يعد القلق من فقدان الوظيفة مقتصرا على القطاعات الهشّة أو العمالة منخفضة المهارة، إذ بات يمتد بقوة إلى موظفي المكاتب في الولايات المتحدة مع اقتراب عام 2026. وتشير التقارير إلى حالة متزايدة من عدم اليقين في سوق العمل، مدفوعة بتباطؤ التوظيف، وتصاعد تسريحات الشركات، والتحذيرات المتكررة من توسّع استخدام الذكاء الاصطناعي كبديل عن العمالة البشرية. هذا التحول يثير تساؤلات حول مستقبل الوظائف التقليدية واستعداد القوى العاملة للتكيف مع المتغيرات الجديدة.

وحسب تقرير موسّع لصحيفة وول ستريت جورنال -نشر قبل أيام- يعيش العاملون في الوظائف المكتبية حالة من التوتر والقلق، حيث أصبحت الاستقرار الوظيفي أمراً أقل ضماناً. التقرير يركز على التغيرات الجذرية التي يشهدها سوق العمل الأمريكي، وتأثيرها على فئة واسعة من الموظفين.

بطالة منخفضة وقلق مرتفع في سوق العمل

تُظهر بيانات وزارة العمل الأميركية، التي استندت إليها وول ستريت جورنال، أن معدل البطالة بين الحاصلين على تعليم جامعي ممن تبلغ أعمارهم 25 عاما فأكثر ارتفع إلى 2.9%، مقارنة بـ2.5% قبل عام. على الرغم من أن هذا المعدل لا يزال منخفضاً تاريخياً، إلا أن الاتجاه الصعودي يبعث على القلق، خاصة مع تقلص فرص العمل في قطاعات رئيسية.

ورغم أن المستوى لا يزال متدنيا تاريخيا، فإن اتجاهه الصعودي يثير مخاوف واسعة، خصوصا مع تقلّص وظائف في قطاعات رئيسية مثل المعلومات والأنشطة المالية خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني. هذا التراجع في التوظيف يعكس حالة من الحذر بين الشركات، التي تسعى إلى خفض التكاليف وتحسين الكفاءة.

ووفق استطلاع أجراه بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك ونقلته الصحيفة، ارتفعت النسبة المتوقعة لفقدان الوظيفة خلال العام المقبل بين أصحاب الشهادات الجامعية إلى 15%، مقابل 11% قبل 3 سنوات. هذا التحول اللافت يجعل هذه الفئة أكثر قلقا من نظرائها الأقل تعليما، بعد أن كانت تاريخيا الأكثر استقرارا. الخوف من الذكاء الاصطناعي واستبداله بالعمالة البشرية هو أحد العوامل الرئيسية التي تساهم في هذا القلق.

“سوق عمل أكثر قسوة” وتأثير الذكاء الاصطناعي

وتشير وول ستريت جورنال إلى أن القلق لا يقتصر على احتمال فقدان الوظيفة، بل يمتد إلى ضعف فرص إيجاد بديل سريع. فقد تراجعت ثقة العاملين المتعلمين في قدرتهم على العثور على وظيفة جديدة خلال 3 أشهر من 60% إلى 47% في غضون 3 سنوات فقط. هذا يشير إلى أن عملية البحث عن عمل أصبحت أكثر صعوبة وتستغرق وقتاً أطول.

وتدعم بيانات منصة “إنديد” هذا التوجه، إذ تراجعت إعلانات وظائف تطوير البرمجيات إلى 68% من مستويات ما قبل الجائحة، بينما بلغت وظائف التسويق 81%. في المقابل، صمد قطاع الرعاية الصحية نسبيا، بسبب صعوبة استبدال جزء كبير من وظائفه بالذكاء الاصطناعي. هذا التباين بين القطاعات المختلفة يوضح مدى تأثير التكنولوجيا على فرص العمل.

وحسب وول ستريت جورنال، يتقاطع هذا القلق الوظيفي مع مزاج اقتصادي عام متشائم، إذ يقترب مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك من أدنى مستوياته التاريخية. هذا التشاؤم يعكس تضخماً ممتداً وارتفاعاً في تكاليف السكن والرعاية والخدمات الأساسية، مما يضغط على ميزانيات الأسر ويقلل من القدرة الشرائية.

تأثير التضخم على سوق العمل

التضخم المستمر يؤثر بشكل كبير على قرارات التوظيف لدى الشركات، حيث تسعى إلى خفض التكاليف والحفاظ على الربحية. هذا يؤدي إلى تجميد التوظيف أو حتى تسريح العمالة في بعض الحالات. بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع تكاليف المعيشة يجعل من الصعب على العمال البحث عن وظائف جديدة أو الانتقال إلى وظائف أفضل.

وتشير الصحيفة إلى أن موظفي الياقات البيضاء، الذين كانوا يُنظَر إليهم كفئة محصّنة نسبيا، باتوا يشعرون اليوم بأنهم جزء من موجة عدم الاستقرار الأوسع. هذا التحول يعكس مدى تأثير التكنولوجيا والتغيرات الاقتصادية على جميع فئات العمالة.

ويقول جاي بيرغر، كبير الاقتصاديين في معهد “برنينغ غلاس”، إن هذه المخاوف “مفهومة تماما في ضوء ما يُهيمن على المشهد الإخباري”، لافتا إلى أن من يُسرّح اليوم قد يواجه فترة بحث أطول وأكثر صعوبة مما اعتاده في السنوات الماضية. هذا يؤكد على أهمية التكيف مع المتغيرات الجديدة في سوق العمل واكتساب المهارات اللازمة للمنافسة.

الوضع في القطاع الحكومي

ولا يقتصر التحول على القطاع الخاص، إذ تفيد بيانات حكومية أوردتها وول ستريت جورنال بأن التوظيف الفدرالي انخفض بنحو 6 آلاف وظيفة في نوفمبر/تشرين الثاني. هذا الانخفاض يأتي بعد خسارة ضخمة بلغت 162 ألف وظيفة في أكتوبر/تشرين الأول، نتيجة برامج الاستقالة الاختيارية. هذا يشير إلى أن القطاع الحكومي، الذي كان يُعتبر ملاذاً وظيفياً ثابتاً، يشهد أيضاً حالة من التغيير والتقلب.

ورغم أن أصحاب الشهادات الجامعية لا يزالون يتمتعون بأجور أعلى مقارنة بغيرهم، تخلص وول ستريت جورنال إلى أن سوق العمل الأميركي يدخل مرحلة مختلفة، أقل تساهلا وأكثر صرامة. هذا يتطلب من العمال والشركات على حد سواء التكيف مع الواقع الجديد والاستعداد للتحديات المستقبلية.

فبعد سنوات من الطلب المرتفع على الكفاءات المكتبية، بات الحفاظ على الوظيفة بحد ذاته أولوية، في اقتصاد يُعيد ترتيب توازنه تحت ضغط الذكاء الاصطناعي، والتضخم، والتحولات الهيكلية العميقة. من المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في المستقبل القريب، مما يتطلب من القوى العاملة تطوير مهارات جديدة والبحث عن فرص عمل في القطاعات الواعدة.

من المرجح أن تشهد الأشهر القادمة المزيد من البيانات حول اتجاهات التوظيف وتأثير الذكاء الاصطناعي. سيراقب الخبراء عن كثب تقارير وزارة العمل الأميركية وبيانات بنك الاحتياطي الفدرالي، بالإضافة إلى أداء القطاعات المختلفة في سوق العمل. ستساعد هذه البيانات في فهم أفضل للتحديات والفرص التي تواجه القوى العاملة في الولايات المتحدة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *