تفاقم أزمة السكن يدفع الأزواج الشابة إلى الهجرة
يعاني المواطنون وخصوصا الأزواج الشابة في جسر الزرقاء من أزمة السكن المتفاقمة في البلدة، وذلك في ظل محاصرتها وتهميشها والحد من توسعها العمراني من كافة الجهات.
شارع الشاطئ منع البلدة من التوسع وصادر من أراضيها (عرب 48)
يضطر العديد من مواطني جسر الزرقاء إلى ترك بلدتهم مكرهين بسبب أزمة السكن المحدقة، إذ دأبت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على مدار عقود على محاصرة البلدة وتهميشها والحد من توسعها العمراني.
وتحد جسر الزرقاء من الجهة الجنوبية بلدة قيسارية، ومن الجهة الشمالية “معجان ميخائيل” الذي يعد من أغنى “الكيبوتسات” بسبب احتوائه على مزارع للأسماك يتم تصديرها لمختلف أنحاء البلاد والعالم، بالإضافة إلى شارع الشاطئ الذي منع البلدة من التوسع وصادر من أراضيها، وشاطئ بحر البلدة.
الاستيلاء على أراضي البلدة
وبهذا الصدد، قالت الناشطة الاجتماعية والفنانة التشكيلية، منيرة تركمان، لـ”عرب 48“، إنه “لا شك أن جسر الزرقاء مساحتها محدودة كباقي البلدات العربية، إذ أن أماكن البناء ضيقة بسبب السياسات المتبعة ضد بلداتنا، كما أن القرية محاصرة من كل الاتجاهات من جانب البحر، بالإضافة إلى البلدات اليهودية التي تحيط بها وتستولي على أراضيها، وشارع الشاطئ الذي يحاصر البلدة”.
وأضافت “كل هذه العوامل أدت إلى أزمة سكن صعبة في البلدة، إذ أن الكثير من العائلات لا تمتلك منازل في البلدة بسبب عدم توفر مساحات للبناء، بالإضافة إلى الخناق على البلدة، وهذا كله تراكم على مدار سنوات، علمًا أن عدد السكان يزداد والأراضي بقيت كما هي دون توسيع الأمر الذي فاقم الأزمة بشكل كبير جدًا”.
وحول الصعوبات في إيجاد محلات ومنازل للإيجار، ذكرت “أنا شخصيًا أبحث منذ ما يقارب العامين عن مكان للإيجار في القرية من أجل تقديم دورات للأطفال، وحتى اليوم لم أجد مكانا مناسبا في القرية لتقديم هذه الدورات، وهذا بسبب أزمة السكن التي تشهدها القرية، بالإضافة إلى عدم وجود مواقف للمركبات في المحلات، إذ أنه من الصعب جدًا وشبه مستحيل إيجاد شقق أو محلات للإيجار في القرية”.
العنصرية في البلدات اليهودية
وحول العنصرية التي تعرضت لها تركمان، أوضحت قائلة “بعدما فقدت الأمل في إيجاد مكان للإيجار في البلدة لتقديم دورات للطلاب، توجهت إلى البلدات اليهودية في المنطقة المجاورة، ورغم أسعار الإيجار الباهظة في هذه البلدات، إلا أنني توجهت إلى بلدة زخرون يعكوف وبحثت عن محلات وفعلا نجحت بذلك، لكن الصدمة كانت عندما علموا بأنني عربية، حيث كانوا يتهربون من الصفقة وهذا لم يحصل مع شخص واحد إنما مع العديد من الأشخاص الذين توجهت إليهم، وهذا دليل على العنصرية التي نتعرض لها بأبسط الأمور”.
ولفتت إلى أن “الأمر لم يتوقف على زخرون يعكوف وحدها بل على بلدة بنيامينا أيضا، إذ أنه حصل معي كما حصل في زخرون يعكوف، عندما علموا أنني عربية لم يوافقوا على تأجيري المحل وهذا نابع من العنصرية المتبعة ضدنا”.
الهجرة بسبب أزمة السكن
ونوّهت تركمان إلى أن “هناك عشرات العائلات تركت البلدة بسبب أزمة السكن وشح أماكن البناء، إذ أن معظم المواطنين والأزواج الشابة يتوجهون للسكن في بلدات مختلفة ومنها عارة وعرعرة وكفر قرع بالإضافة إلى باقة الغربية، بسبب هذه الأزمة التي تقض مضاجع المواطنين والأزواج الشابة”.
وحول الممارسات من قبل الشرطة، قالت إن “الشرطة في البلدة تضيق الخناق على المواطنين بادعاء تنفيذ القانون، إذ أنها تقوم بشكل شبه يومي بحملات مخالفات واسعة، وتقوم بوضع حواجز على مداخل القرية بادعاء محاربة الجريمة، لكن الهدف الرئيسي من الحواجز التي تنصبها مخالفات السير والنيل من المواطنين، وهذا يؤدي إلى تضييق الخناق على المواطنين ويجعلهم يتركون البلدة”.
حلول الأزمة
واقترحت تركمان عدة حلول بالإمكان تنفيذها من ضمنها “إعادة الأراضي التي جرى احتجازها من قبل دائرة أراضي إسرائيل لصالح كيبوتس ’معجان ميخائيل’ المجاور، إذ أنه تم احتجاز مساحات شاسعة من قبل الدولة، لصالح هذا الكيبوتس، وبحال جرى إعادة هذه الأراضي، يكون ذلك بمثابة حل لأزمة السكن التي تشهدها البلدة، وأيضًا منطقة الموارس التابعة للقرية هذه المنطقة من الممكن أن تساهم في توسعة المساحة وحل أزمة السكن التي تشهدها البلدة”.
وختمت بالقول إن “كل ما ذكرت من حلول يجب أن تكون بضغط من المجلس المحلي، لأنه دون ضغط لا يمكن إعادة أو فك حجز هذه المساحات، التي تعد المتنفس الوحيد لأهالي القرية، وأملهم في حل مشكلة أزمة السكن”.
تضييق الخناق
وقال الناشط السياسي الشاب، عوض جربان، من جسر الزرقاء لـ”عرب 48“، إن “هناك أزمة سكن كبيرة جدًا في جسر الزرقاء، إذ أنني من القلة القليلة الذين يمتلكون قطعة أرض خاصة في القرية، لكنني لا أمتلك تراخيص للبناء، وهذا يقض مضاجعنا منذ عقود، إذ أن والدي عمل على مدار سنوات كي يصدر تراخيص لقطعة الأرض، لكننا لم ننجح بذلك، إذ أنني قمت بدفع مبلغ يقدر بـ300 ألف شيكل، وكل هذا دون فائدة، وهذا أكبر دليل على تضييق الخناق على أهالي البلدة، عدا عن التضييق الذي أدى إلى حصار القرية من كل الاتجاهات”.
وأضاف أنه “رغم كل الممارسات إلا أنني لم أفقد الأمل في استصدار التراخيص من أجل بناء منزل خاص على أرضي، إذ أنني أرفض فكرة الخروج من القرية والسكن في بلدات أخرى، ورغم كل التضييق الذي يمارس ضدنا إلا أنني لا أستطيع ترك القرية ومن غير الممكن أن أعيش خارجها”.
وحول ترك الشباب القرية بسبب أزمة السكن، ذكر قائلا “للأسف الشديد أن هذا ما يحدث، إذ هناك عشرات الشباب تركوا القرية بسبب أزمة السكن، والغالبية العظمى من الذين تركوا القرية توجهوا للسكن في كفر قرع وعارة وعرعرة، وذلك بسبب عدم توفر وحدات سكنية ومسطحات للبناء”.
70% من مشروع الوحدات السكنية ليس لأهالي البلدة
وحول مشروع الوحدات السكنية في جسر الزرقاء، أوضح جربان أنه “في البداية توقعنا أن يكون هذا المشروع بارقة أمل لأهالي القرية، لكن للأسف هذا المشروع استولى عليه رجال أعمال يهود بالإضافة إلى قلة قليلة من العرب، ومن أهالي جسر الزرقاء العدد شبه معدوم بسبب الشروط التي وضعت لمنع الشباب من شراء هذه الوحدات، أضف إلى ذلك تكلفة هذه الوحدات السكنية باهظة الثمن والتي تصل إلى ملايين الشواكل للشقة الواحدة، إذ أنه من الصعب أن يكون بمقدور عائلة عربية بسيطة شراء مثل هذه الشقق بهذه الأسعار الخيالية”.
ولفت إلى أن “هذه الوحدات جاءت لتكون توسعة لقيسارية، إذ سيكون طريق التفافي خاص لها وليس من داخل قرية جسر الزرقاء، ومن بين الشروط التي وضعت أن 70% من هذه الشقق ليست لأهالي القرية، بالإضافة إلى أن هذه الشقق لرؤوس الأموال”.
وأنهى جربان بالقول إنه “لا يوجد الكثير من الحلول في ظل العنصرية، لكن الحل أن يتم توفير مساحات للبناء من قبل الحكومة وهذا نستبعده، وتخفيف العبء عن الأهالي الذين يتكبدون مبالغ طائلة بالإيجار والسكن والبناء وباستصدار التراخيص، هناك عائلات ليس بمقدورها أن تتكبد كل هذه الأموال الباهظة، ويجب على النواب العرب العمل في هذا الجانب”.
تمييز وإهمال
وقال زوجان، فضلا عدم ذكر اسمهما، اللذان اضطرا إلى ترك البلدة والعيش في مكان آخر، لـ”عرب 48“، إن “الأسباب التي جعلتنا نترك البلدة كثيرة، أولها شح مناطق البناء وأزمة السكن، إذ أننا قمنا بشراء منزل خارج البلدة بسبب الأزمة وأسباب أخرى رغم تكلفة المنازل باهظة الثمن، حيث قمنا بجمع كل الأموال على مدار عقود من أجل شراء المنزل، الأمر الذي جعلنا ندخل بأزمة اقتصادية ولكن الحياة بدفع إيجار لسنوات طويلة صعبة، وخصوصا في ظل وجود أطفال ومصاريف كثيرة”.
وأضافا “صحيح أن أزمة السكن من أهم الأمور التي جعلتنا نترك البلدة، لكن هناك أمور أخرى لا نريد أن ندخل بتفاصيلها لكن على رأسها السلاح المنتشر الذي أصاب وقتل العديد من المواطنين، فالأمن والأمان أهم شيء، ومع أن الأمن معدوم في معظم البلدات العربية، لكن الاكتظاظ السكاني يجعل المشاكل والنزاعات تكثر بشكل كبيرا جدا”.
وأكدا أن “أزمة النظافة التي تشهدها البلدة بالإضافة إلى أزمة الشوارع والقتل والسلاح والمخدرات، كل ذلك جعلنا نترك البلدة، إذ لا يمكن بناء جيل جديد صالح ونحن نربي جيلا في بيئة سيئة، وهنا يعود الأمر على الجهات المسؤولة والمختصة، علمًا أن البلدة تعاني منذ عشرات السنوات من إهمال وتقصير من الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بالإضافة إلى باقي السلطات المحلية العربية التي تعاني من هذا التمييز الذي يقض مضاجعها ويجعلها لا تستطيع أن تحرك ساكنا في ظل عدم توفر الميزانيات والدعم الحكومي”.
وحاول “عرب 48” التواصل مع رئيس مجلس محلي جسر الزرقاء، مراد عماش، للحصول على تعقيبه بخصوص أزمة السكن بالبلدة، إلا أنه لم يرد على اتصالاتنا.
المصدر: عرب 48