«الضباب الغامض» ينقل طقوسًا عابرة للقارات إلى صفحات الكتاب

صدر كتاب «الضباب الغامض: طقوس HuqqA» ضمن مجموعة Classics لدار Assouline في نوفمبر 2025، ليضع تقليدًا يعود إلى قرون مضت جنبًا إلى جنب مع الحياة اليومية للمدن المعاصرة. كتب النص الصحفية سارة خان، والتقط الصور أوليفر بيلتشر، ويدعو الكتاب القرّاء إلى محور ثقافي يمتد عبر جغرافيات متعددة. ويتناول استمرارية الطقس عبر التاريخ، والأشكال الجديدة التي يتخذها في المراكز الحضرية اليوم، ضمن بنية سردية تشبه تحقيقًا صحفيًا مطوّلًا.
الخلفية التاريخية تبرز منذ الصفحات الأولى
يفتتح الكتاب باقتباس من السطور الكلاسيكية لفصيح أحمد دده، في اختيار يحدّد نقطة الانطلاق للمسار التاريخي الذي تتبّعه الفصول اللاحقة. ثم يتتبع كيف وجد التبغ القادم من العالم الجديد مكانه في الأوساط النخبوية للإمبراطوريتين المغولية والفارسية، وكيف تطوّرت الطقوس الناتجة عنه على المستويين الجمالي والاجتماعي. ويُستعرض المسار الذي تحوّلت خلاله الأدوات المتقنة الصنع إلى رموز للمكانة الاجتماعية، من البيئات البلاطية إلى ثقافة المقاهي. ويستطيع القارئ متابعة هذه الرحلة من المراكز الإمبراطورية إلى الحياة الاجتماعية الأوروبية عبر السرد المكتوب والمادة البصرية معًا.
إعادة صياغة طقس تقليدي في مدن حديثة
لا يترك «الضباب الغامض» الطقس حبيس الماضي، بل يستكشف بتفصيل كيف أُعيد تموضعه ضمن الإيقاع المتسارع للحياة الحضرية المعاصرة. ويركّز الكتاب على أن الحاجة، ولو كانت وجيزة، إلى التوقّف والاجتماع والتحاور وسط وتيرة متطلبة، جعلت هذا التقليد أكثر حضورًا اليوم. ويؤكد أن الطقس يستمد معناه ليس من الدخان وحده، بل من الوقت والمكان المشتركين بين المشاركين فيه. ومع شرحه لكيفية تفسير أجيال مختلفة لهذه الممارسة، يتناول المجلد أيضًا مقاربات التصميم المعاصرة وأنماط الأماكن الجديدة. وبهذا، يقدّم التقليد لا كأثر جامد، بل كبنية حيّة تتفاعل مع ثقافة المدينة الحديثة.
النص والصورة يمنحان الكتاب ثقل ملف بحثي
كتبت النصوص سارة خان، الصحفية المعروفة بمسيرة مهنية امتدت عبر بلدان عدة. وإذ اشتهرت بأعمالها المتعمقة في مجالات السفر والموضة وفنون الطهي، فإنها تعتمد هنا مقاربة مشابهة، مقدّمة الطقس ضمن إطار اجتماعي وثقافي واسع. وتنعكس سنوات السفر الطويلة للمصوّر أوليفر بيلتشر بوضوح في الصور، التي تعرض مشاهد من المساحات الداخلية وأفق المدن على حد سواء. كما يُعدّ الإسهام التحريري لـإيرم كيناي، التي تابعت وأسهمت طويلًا في مشاريع النشر في المنطقة، عنصرًا حاسمًا آخر. وتشكل هذه المساهمات مجتمعة بنية متماسكة يستحضر فيها النص والصورة عمق وتماسك ملف بحثي أُعدّ على مستوى دولي.
المقدّمة تتتبّع رحلة التقليد إلى الحاضر
كتب المقدّمة جيهان كامر، رئيس مجلس إدارة HuqqA، حيث يضع مسار الطقس من العهد العثماني إلى الحاضر في سياق الحياة اليومية. ويشدّد كامر على أن هذا التقليد ليس مجرد ممارسة ترفيهية، بل رمز للضيافة والحوار والحضور المشترك. ويشير إلى أنه، حتى مع اتساع المدن وتغيّر الفضاءات المادية، تبقى الحاجة إلى الجلوس معًا وتخصيص وقت للتأمل قائمة. وتتيح المقدّمة النظر إلى الطقس بعيدًا عن زاوية الترفيه اليومي، مبرزة أبعاده التاريخية والسوسيولوجية. ومنذ الصفحات الأولى، يقدّم الكتاب إطارًا ثقافيًا أوسع يتجاوز أي تركيز ضيّق على منتج بعينه.
الاقتباسات تسلّط الضوء على تجربة الأجيال الجديدة
يتضمّن المجلد أقسامًا تنقل بلغة مباشرة العادات الاجتماعية التي ما تزال راسخة في تركيا اليوم. وتؤكد هذه المقاطع أن الطقس ليس مجرد ذكرى تخص الأجيال الأكبر سنًا، بل وسيلة يجتمع من خلالها الشباب ويتراجعون خطوة عن إيقاع الحياة اليومية. وتُظهر الصورة الناتجة أن ممارسة غالبًا ما تُختزل في «مجرد دخان» توفّر في الواقع إطارًا للقاء والحوار. ومن خلال هذه الاقتباسات، يشرح الكتاب بوضوح كيف يخلق الطقس مساحة من «الحضور المحسوس» لسكان المدن المعاصرة. وبذلك، يتمكّن القارئ من فهم الصدى الحالي للتقليد عبر شهادات شخصية.

منظورات تفتح المجال لقراءات جديدة للتقليد
من بين الشهادات الواردة، تبرز وجهات نظر مؤسسية حول التفسير المعاصر للطقس. ويؤكد الشريك المؤسّس إنيس إرسافاشتي أن احترام التقليد لا يعني الجمود، موضحًا كيف تُنقل روح هذا الإرث إلى ثقافات مختلفة، فيما تُعاد صياغة ممارسات الضيافة والتصميم والتجمع. وتسهم مداخلات عضو مجلس الإدارة محمد فوزي ياغلي في نقل العمل إلى ما هو أبعد من مجرد مجموعة ذكريات، ليقترب من وثيقة استراتيجية ثقافية طويلة الأمد. ويتيح هذا الإطار للكتاب الجمع بين التجربة المعيشة على الأرض والرؤية المؤسسية ضمن سرد واحد، مقدّمًا للقارئ الممارسة اليومية والتفكير الاستراتيجي الذي يقف خلفها في آن واحد.
نقطة مرجعية جديدة لثقافة الضيافة
يُقدَّم «الضباب الغامض: طقوس HuqqA» بوصفه عملًا شاملًا يقرأ ثقافة الضيافة العالمية من خلال عدسة طقس تاريخي. ومن خلال توثيق الأشكال التي تتخذها هذه الممارسة عبر مدن وأجيال مختلفة، يرسّخ الكتاب نفسه كنقطة مرجعية جديدة للباحثين والمصممين والمهنيين في القطاع. وينضم العنوان إلى كتالوغ Assouline المتخصص في الثقافة والسفر كأحد الكتب التي تصل بين الذاكرة الإقليمية والقرّاء حول العالم. ومن بين الأمثلة المعاصرة التي يناقشها الكتاب مواقع HuqqA في مدن متعددة، إلى جانب Huqqabaz، وهو مفهوم يتموضع ضمن المنظومة نفسها، بما يعكس التنوع المكاني للطقس اليوم. وبهذا، يقدّم المجلد نفسه كمصدر مستقل يتمحور حول ثقافة ضيافة شاملة.

