أسرار الأحلام عند المكفوفين.. كيف يرى الدماغ ما لا تراه العين؟

هل يرى المكفوفون صورًا في أحلامهم؟ سؤال يثير فضول الكثيرين، والإجابة ليست بسيطة كما قد تبدو. ففي حين أننا نفترض بشكل طبيعي أن الأحلام تتكون من مشاهد بصرية، إلا أن تجربة الحلم لدى الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية تختلف بشكل كبير. هذا الاختلاف يعتمد بشكل أساسي على متى فقد الشخص بصره، وكيف استطاع دماغه التكيف مع هذا الفقد. سنستكشف في هذا المقال ما تقوله الأبحاث العلمية حول طبيعة أحلام المكفوفين، وكيف يعيد الدماغ تنظيم نفسه لتعويض فقدان البصر.
أحلام المكفوفين: ما الذي تكشفه الدراسات؟
تُظهر الدراسات الحديثة أن قدرة المكفوفين على رؤية الصور في أحلامهم مرتبطة بشكل وثيق بتوقيت فقدان البصر. فالأشخاص الذين ولدوا مكفوفين، أو فقدوا بصرهم في سن مبكرة جدًا، غالبًا لا يختبرون أحلامًا بصرية بالمعنى التقليدي. بدلاً من ذلك، تعتمد أحلامهم بشكل كبير على الحواس الأخرى: السمع، والشم، واللمس، والمشاعر.
كيف يبني الدماغ الأحلام بدون رؤية؟
عندما يولد شخص مكفوفًا أو يفقد بصره في سن مبكرة، لا تتطور القشرة البصرية في الدماغ بشكل كامل. وبالتالي، لا يوجد “مخزون” من الصور البصرية يمكن للدماغ استخدامه في بناء الأحلام. بدلاً من ذلك، يبدأ الدماغ في “إعادة توظيف” هذه المنطقة المخصصة للرؤية لمعالجة المعلومات الواردة من الحواس الأخرى. وهذا يعني أن الأحلام تصبح أكثر تركيزًا على الأصوات، والروائح، والملمس، وحتى المشاعر الداخلية.
تأثير توقيت فقدان البصر على الأحلام
كما ذكرنا، يلعب التوقيت دورًا حاسمًا. الأشخاص الذين فقدوا بصرهم في مراحل لاحقة من حياتهم، بعد أن تكون القشرة البصرية قد تطورت بالفعل، غالبًا ما يحتفظون ببعض القدرة على رؤية الصور في أحلامهم. ومع ذلك، تكون هذه الصور عادةً أقل وضوحًا وتفصيلاً مقارنةً بتلك التي يراها الأشخاص المبصرون.
دور مدة العمى في طبيعة الأحلام
أظهرت دراسة دنماركية مثيرة للاهتمام أن طول مدة الإصابة بالعمى يؤثر أيضًا على طبيعة الأحلام. كلما طالت مدة فقدان البصر، قلت فرص رؤية صور بصرية واضحة في الأحلام. وبالعكس، كلما كانت مدة العمى أقصر، زادت احتمالية وجود عناصر بصرية في الأحلام.
الأحلام متعددة الحواس لدى المكفوفين
بالإضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة الدنماركية أن المكفوفين يميلون إلى تجربة أحلام أكثر غنىً وتفصيلاً من حيث الأصوات، والروائح، والإحساس باللمس، والتذوق. هذا يعكس قدرة الدماغ على تعزيز الحواس المتبقية لتعويض فقدان البصر، ليس فقط في الحياة اليقظة، بل أيضًا في عالم الأحلام. أحلام المكفوفين ليست بالضرورة “أقل” من أحلام المبصرين، بل هي ببساطة مختلفة، وتعكس طريقة فريدة لمعالجة المعلومات.
مرونة الدماغ وقدرته على التكيف
إن قدرة الدماغ على إعادة تنظيم نفسه وتعويض فقدان إحدى الحواس هي دليل مذهل على مرونته وقدرته على التكيف. هذه الظاهرة، المعروفة باسم اللدونة العصبية، تسمح للدماغ بتجاوز التحديات والتكيف مع الظروف المتغيرة. في حالة المكفوفين، تُظهر اللدونة العصبية كيف يمكن للدماغ أن يجد طرقًا جديدة لمعالجة المعلومات وبناء التجارب، حتى في غياب حاسة البصر.
فهم أعمق لأحلام المكفوفين
من المهم أن نتذكر أن تجربة الحلم شخصية للغاية. قد يختلف محتوى الأحلام وطبيعتها بشكل كبير من شخص لآخر، بغض النظر عن قدرته البصرية. ومع ذلك، فإن فهم كيف يؤثر فقدان البصر على الأحلام يمكن أن يساعدنا في تقدير التحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة البصرية، وفي فهم قدرة الدماغ المذهلة على التكيف. فقدان البصر لا يعني بالضرورة فقدان القدرة على الحلم، بل يعني ببساطة أن الأحلام قد تتخذ شكلًا مختلفًا.
أحلام اليقظة كبديل للرؤية
بالإضافة إلى الأحلام الليلية، يلجأ بعض المكفوفين إلى ما يُعرف بـ أحلام اليقظة كوسيلة لتصور العالم من حولهم. أحلام اليقظة هي تجارب خيالية واعية تحدث أثناء الاستيقاظ، ويمكن أن تتضمن تصورات بصرية، أو أصوات، أو روائح، أو مشاعر. يمكن أن تكون أحلام اليقظة أداة قوية للتكيف والتعامل مع فقدان البصر، حيث تسمح للأشخاص بتصور الأشياء التي لا يستطيعون رؤيتها بشكل مباشر.
الخلاصة
في الختام، الإجابة على سؤال “هل يرى المكفوفون صورًا في أحلامهم؟” ليست قاطعة. تعتمد الإجابة على متى فقد الشخص بصره، ومدة العمى، وقدرة الدماغ على التكيف. بينما قد لا يرى الأشخاص الذين ولدوا مكفوفين أو فقدوا بصرهم في سن مبكرة صورًا بصرية في أحلامهم، إلا أنهم يختبرون أحلامًا غنية بالحواس الأخرى. إن فهم طبيعة أحلام المكفوفين يلقي الضوء على مرونة الدماغ وقدرته المذهلة على التكيف، ويذكرنا بأن التجربة الإنسانية متنوعة ومعقدة. إذا كنت مهتمًا بمعرفة المزيد عن الإعاقة البصرية، أو عن الأحلام بشكل عام، فابحث عن مصادر موثوقة واستمر في التعلم.

