Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الصحة والجمال

العنف ضد النساء والأطفال.. كارثة صحية صامتة تهدد المجتمعات

تُعد قضية العنف ضد المرأة والطفل من أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات حول العالم، وهي ليست مجرد مشكلة اجتماعية أو جنائية، بل أزمة صحية عامة مدمرة تتطلب تحركًا عاجلًا وشاملًا. كشفت دراسة حديثة ومهمة نشرها باحثو معهد قياس وتقييم الصحة (IHME) التابع لجامعة واشنطن في مجلة The Lancet عن الأبعاد المروعة لهذا النوع من العنف، والتي غالبًا ما تكون مهملة وغير معترف بها على نطاق واسع. هذه الدراسة تلقي الضوء على التأثيرات الصحية الهائلة لـ العنف الجنسي ضد الأطفال والعنف من الشريك الحميم ضد النساء، وتدعو إلى إعادة النظر في السياسات العامة وتخصيص الموارد اللازمة لمواجهة هذه الأزمة.

حجم كارثة العنف ضد المرأة والطفل عالميًا

تُظهر الإحصائيات المذكورة في الدراسة، والتي تعود إلى عام 2021، حجم المأساة بشكل لا يصدق. فقد تعرض أكثر من مليار شخص تجاوزت أعمارهم 15 عامًا للاعتداء الجنسي في مرحلة الطفولة، بينما عانت 608 ملايين امرأة وفتاة من العنف الجسدي أو الجنسي على يد شركائهن الحميمين. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل تمثل حياة مليئة بالألم والمعاناة، وتأثيرات نفسية وجسدية مدمرة.

فقدان سنوات الحياة الصحية (DALYs)

الأكثر إثارة للقلق هو أن هذه التجارب المؤلمة أدت إلى فقدان ما يزيد عن 50 مليون سنة من الحياة الصحية (DALYs) على مستوى العالم. هذا المؤشر، الذي يجمع بين سنوات الحياة المفقودة بسبب الوفاة المبكرة وسنوات العيش مع الإعاقة، يوضح بشكل قاطع الأثر العميق لـ العنف الأسري على الصحة العامة والإنتاجية المجتمعية. فقدان هذه السنوات لا يؤثر على الأفراد فحسب، بل يضع عبئًا ثقيلاً على الأنظمة الصحية والاقتصادية في جميع أنحاء العالم.

تأثير العنف على صحة المرأة

أظهرت الدراسة أن العنف ضد النساء يمثل عاملاً رئيسيًا في تقليل سنوات العمر الصحية للمرأة في سن الإنتاج (15-49 عامًا). وبشكل مذهل، تجاوز تأثير هذا العنف عوامل الخطر الأكثر شيوعًا مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري. هذا يعني أن معالجة العنف ضد المرأة يجب أن تكون أولوية قصوى في أي استراتيجية تهدف إلى تحسين صحة المرأة وتمكينها.

التداعيات الصحية للعنف ضد النساء

لا يقتصر تأثير العنف على الجانب النفسي فحسب، بل يمتد ليشمل مجموعة واسعة من المشكلات الصحية، بما في ذلك:

  • الوفيات المباشرة: الانتحار وجرائم القتل، حيث تشير التقديرات إلى مقتل حوالي 30 ألف امرأة على أيدي شركائهن في عام واحد.
  • الاضطرابات النفسية الشديدة: القلق، الاكتئاب، الفصام، وإيذاء النفس، بالإضافة إلى اضطرابات تعاطي المخدرات التي غالبًا ما تكون محاولة للتعامل مع الصدمة.
  • الحالات المرضية المزمنة: العنف يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، والتهابات الجهاز التناسلي، ومشاكل صحية أخرى طويلة الأمد.
  • الوفيات المرتبطة بالعنف: العنف الجنسي ضد الأطفال مرتبط بنحو 290 ألف حالة وفاة عالميًا، بينما تسبب العنف من الشريك الحميم في 145 ألف حالة وفاة إضافية.

ضرورة التحول في السياسات العامة لمكافحة العنف

تؤكد هذه النتائج القاطعة أن العنف القائم على النوع الاجتماعي والعمر يتجاوز كونه مجرد قضية اجتماعية أو جنائية، بل هو أولوية صحية عامة كبرى تتطلب تدخلات شاملة ومتكاملة. لم يعد بالإمكان تجاهل هذه الأزمة أو التقليل من شأنها.

خطوات عملية لمواجهة العنف

هناك حاجة ماسة إلى تحول في السياسات العامة وتخصيص الموارد اللازمة لمواجهة هذه الأزمة. تشمل التدخلات الضرورية:

  • التشريعات الفعالة: سن قوانين صارمة تجرم جميع أشكال العنف ضد المرأة والطفل، وتضمن محاسبة الجناة.
  • برامج التعليم الشاملة: توعية المجتمعات حول مخاطر العنف وأشكاله المختلفة، وتعزيز ثقافة الاحترام والمساواة بين الجنسين.
  • التمكين الاقتصادي للمرأة: توفير فرص عمل وتعليم للمرأة، مما يزيد من استقلاليتها وقدرتها على الهروب من العلاقات العنيفة.
  • الرعاية الصحية النفسية والجسدية: توفير خدمات دعم عاجلة وطويلة الأمد للناجين من العنف، بما في ذلك العلاج النفسي، والرعاية الطبية، والمساعدة القانونية.
  • تدريب المهنيين: تأهيل العاملين في مجالات الصحة والتعليم والشرطة والعدالة للتعامل مع حالات العنف بفعالية وحساسية.

نحو مستقبل خالٍ من العنف

هذه الدراسة تقدم دليلًا قويًا لا يقبل الجدل يدعو صانعي السياسات وقادة العالم إلى التعامل مع هذه الأزمة بنفس الالتزام والتمويل الذي يمنح لمواجهة أي وباء آخر يهدد حياة الملايين. إن مكافحة العنف المنزلي والاعتداء الجنسي ليست مجرد مسؤولية أخلاقية، بل هي استثمار في صحة ورفاهية المجتمعات. من خلال العمل معًا، يمكننا بناء مستقبل خالٍ من العنف، حيث يتمتع كل فرد بالحق في العيش بكرامة وأمان. يجب أن نتحرك الآن، قبل أن تفقد المزيد من الأرواح وتتدهور صحة المزيد من الأفراد بسبب هذه المأساة القابلة للوقاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *