ما تأثير الشموع المعطرة على صحة الرئة؟

أصبحت الشموع المعطرة جزءًا لا يتجزأ من روتين الاسترخاء والراحة في العديد من المنازل العربية، حيث تُستخدم لخلق أجواء دافئة، وتحسين المزاج، وحتى تعزيز التركيز أثناء العمل أو الدراسة من المنزل. ومع تزايد الوعي بقضايا الصحة والبيئة، يزداد القلق بشأن الآثار المحتملة لهذه العادة المحبوبة على صحة الجهاز التنفسي. فهل حقًا هذه الروائح العطرة آمنة تمامًا، أم أنها تخفي مخاطر صحية خفية؟ هذا ما سنستكشفه في هذا المقال.
هل الشموع المعطرة آمنة حقًا؟ نظرة علمية
على الرغم من أن الشموع المعطرة لم تصنف رسميًا على أنها مواد ضارة من قبل المنظمات الصحية الرئيسية، إلا أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن حرقها، خاصةً الأنواع منخفضة الجودة، قد يؤدي إلى إطلاق مواد كيميائية وجزيئات دقيقة يمكن أن تهيج الجهاز التنفسي. هذا الأمر يثير قلقًا خاصًا لدى الأشخاص الذين يعانون من حالات تنفسية موجودة مسبقًا مثل الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن أو الحساسية.
الدكتور فيكاس موريا، رئيس قسم طب الجهاز التنفسي والرعاية التنفسية الحرجة في مستشفى فورتيس بالهند، يوضح الآلية التي تؤثر بها الشموع المعطرة على المجاري الهوائية، وكيف يمكن الاستمتاع بها بأمان دون المساس بالصحة التنفسية.
ما الذي يحدث داخل المجاري الهوائية عند إشعال الشموع؟
عند إشعال الفتيل، لا يقتصر الأمر على إطلاق رائحة لطيفة فحسب، بل يحدث تفاعل كيميائي معقد. بعض الشموع المعطرة، وخاصة تلك المصنوعة من شمع البارافين، تطلق مواد كيميائية مثل البنزين والتولوين والفورمالديهايد. هذه المواد، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية لأبحاث السرطان، تعتبر من ملوثات الهواء الداخلي التي يمكن أن تسبب تهيجًا في الجهاز التنفسي.
بالإضافة إلى ذلك، يطلق حرق الشموع جسيمات دقيقة (PM) ومركبات عضوية متطايرة (VOCs) في الهواء. هذه الجسيمات والمركبات يمكن أن تسبب تهيجًا في الحلق والجهاز التنفسي، وتفاقم أعراض الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن. تؤكد الدراسات المنشورة في مؤسسة الرئة الأوروبية ووكالة حماية البيئة الأمريكية أن حرق الشموع يساهم في زيادة مستويات الجسيمات داخل المنزل، وخاصة الجسيمات فائقة الدقة التي تخترق عمق الرئتين.
جودة الشمع والرائحة: عوامل مهمة
يشير الدكتور موريا إلى أن المخاطر تزداد بشكل كبير مع الشموع رديئة الجودة، المصنوعة من البارافين، وذات الروائح النفاذة، خاصة في الأماكن سيئة التهوية. التعرض قصير المدى لمستويات مرتفعة من الجسيمات الدقيقة قد يهيج الشعب الهوائية، وخاصة لدى الأشخاص المعرضين للخطر، وفقًا لجمعية الرئة الأمريكية.
أنواع الشمع المختلفة وتأثيرها
- شمع البارافين: يعتبر الأكثر شيوعًا والأقل تكلفة، ولكنه يطلق أكبر كمية من المواد الكيميائية الضارة.
- شمع الصويا: يعتبر خيارًا أفضل، حيث يحترق بشكل أنظف وأطول، وهو أكثر مراعاة للبيئة.
- شمع العسل: خيار طبيعي آخر يتميز باحتراقه النظيف ورائحته الخفيفة.
- شمع جوز الهند: خيار مستدام وصديق للبيئة، ويتميز برائحة طبيعية لطيفة.
هل يجب أن نتوقف عن استخدام الشموع المعطرة؟
على الرغم من هذه الانبعاثات، لا تعتبر الشموع المعطرة خطرًا صحيًا كبيرًا في حد ذاتها. يوضح الدكتور موريا أن الكميات المنبعثة عادة ما تكون منخفضة جدًا بحيث لا تسبب المرض، إلا في حالات الإفراط في الاستخدام أو لدى الأشخاص المعرضين للخطر. لا يوجد دليل قاطع يثبت أن الشموع المعطرة تسبب أمراضًا رئوية مزمنة أو سرطانًا أو ضررًا طويل الأمد. المشكلة تكمن في التهيج، وليس الضرر الدائم.
ومع ذلك، فإن استنشاق أي دخان، بما في ذلك دخان الشموع، لا يعتبر مثاليًا لصحة الجهاز التنفسي.
من هم الأكثر عرضة للخطر؟
- الأشخاص الذين يعانون من الربو أو مرض الانسداد الرئوي المزمن أو أمراض الرئة المزمنة الأخرى.
- الأفراد الذين يعانون من الحساسية أو التهاب الشعب الهوائية.
- الأطفال والحيوانات الأليفة، الذين يستنشقون الملوثات بشكل أسرع وبمعدل أعلى من البالغين.
كيف تقلل من المخاطر وتستمتع بالشموع بأمان؟
إذا كنت من محبي الشموع المعطرة، يمكنك اتخاذ بعض الاحتياطات لتقليل المخاطر المحتملة:
- اختر شموعًا مصنوعة من الشمع الطبيعي عالي الجودة مثل شمع الصويا أو شمع العسل أو شمع جوز الهند أو شمع الخضار.
- فضل العطور المعتمدة على الزيوت العطرية على العطور المصنعة من الزيوت الاصطناعية.
- أشعل الشموع في غرفة جيدة التهوية، وتجنب الأماكن المغلقة.
- قم بقص الفتيل للتقليل من تكوين السخام.
- تجنب التيارات الهوائية التي تسبب احتراقًا غير كامل ومزيدًا من الدخان.
في الختام، يمكن الاستمتاع بفوائد الشموع المعطرة دون القلق المفرط بشأن صحتك، طالما أنك تتخذ الاحتياطات اللازمة وتختار المنتجات عالية الجودة. تذكر دائمًا أن الاعتدال والتهوية الجيدة هما مفتاح الاستمتاع ببيئة منزلية صحية ومريحة.

