اليوم طال انتظار ليلى وآية لجدتهما الحبيبة” سونه” ، فقد أنهيا واجباتهما المدرسية، وتناولا عشاءهما وشربا اللبن، وبدّلا ملابسهما استعداداً للنوم بعد سماع حكاية الجدة، في الوقت الذي كانت فيه الجدة تعيد قراءة القصة التي اختارتها من وسط كتب التاريخ القديم بمكتبتها، وهو كتاب “كليلة ودمنة”، وتحاول استبعاد الكلمات الثقيلة أو صعبة الفهم على عقل ليلى بالصف الأول الابتدائي7 سنوات ، وآية الصغيرة بالحضانة وعمرها 5 سنوات، وعندما انتهت الجدة ذهبت لغرفة ليلى وبدأت حكاية القصة، بصوتها الدافئ الحنون..والحفيدتان كلتاهما آذان صاغية، وقلوب شغوفة متوثبة لسماع الجديد.
قصة للأطفال” الأسد المغرور والأرنب الحكيم” من الحكايات التي توارثتها الأجيال عبر قرون من الزمان، ومنها أخذنا العبرة؛ كأهمية أخذ رأي الآخرين والتشاور فيما بينهم قبل اتخاذ أي قرار، وخير ما يكون المعنى الحقيقي للقوة هو: الذكاء والفطنة والمعرفة وليس السيطرة والخداع والتسلط.
قصة :”الأسد المغرور والأرنب الذكي”
كانت هناك مجموعة من الحيوانات تعيش بالغابة في سعادة ورضا، ولكنها تخاف ملك الغابة” الأسد الجبار”، وكان يعتبر نفسه أقوى أقوياء الغابة بسبب قوته، ظناً أنّ القوة تكفي لكي يسيطر على كلِّ الحيوانات في الغابة ويصطاد من يريد منهم من دون حساب أو عقاب، وقد كان فعلاً يخرج من عرينه في كل يوم ويصطاد عدداً منهم، ولم يستطع أحدٌ من الحيوانات التعبير عن مشاعره، وأن يقفَ في وجهه أو أن يعترض طريقه.
وفي يوم من الأيام اجتمعت الحيوانات جميعُها ليناقشوا ويقرروا الأمرَ بشأن أفعال هذا الأسد الظالم، وبدأ كلٌّ منهم يقول رأيه، حتى رأى أحدهم أن يذهبوا للأسد ويطلبوا منه العطف والرحمة بهم، ربما يكف عن اصطياد الحيوانات التي يعيش وسطهم، وليذهب لمكان بعيد عنهم، وفعلاً ذهبوا جميعاً للقاء الأسد.
وهناك تكلم أحدهم بلسان بقية الحيوانات وقال: يا سيد الأسد القوي، أنت تصطاد من الحيوانات الكثير، وتبذل من الجهد والمشقة الكثير أيضاً في كل مرة، وقد اتفقنا على رأي فيه منفعة لك وآمان لنا، وهنا تساءل الأسد مندهشاً: كيف يكون فيه منفعة لي؟
أجاب كبير الحيوانات: نحن نسألكَ العطف وأن تنظر في هذا الأمر؛ ما رأيك! إن أنت لم تصطد أحداً منا، فلك علينا أن نعد لك وجبة شهية ونرسلها لك كل يوم في موعد الغداء، لتستمتع بها أنت وعائلتك؟
وافق الأسد على هذا العرض، وأعطاهم الأمان، ولكنه كان يخفي في نفسه مخالفته في حالة عدم تقديمهم الغذاء الكافي المناسب، ولكنه قال: إن أتى إليَّ كلَّ يوم حيوان كبير على الغذاء، دون تعب فسأكتفي به، ولن أصطاد غيره، وهذا وعد مني.
ووافقت الحيوانات على ما قاله الأسد لتخفف من عدد الحيوانات التي يتناولها في كل يوم، واستمر الوضع طويلاً، ولكن بعد فترة شعر الأسد بثقل جسمه وضعف عزيمته، وسيطر الاسترخاء والكسل عليه، بسبب جلوسه في عرينه لا يتحرك، منتظراً وصول الوليمة الشهية على مائدته بدون جهد أو مشقة، وأراد أن يعيد البحث من جديد واصطياد من حوله من الحيوانات.
والغريب أن ذلك الشعور بالغدر أحسته غالبية الحيوانات بالغابة، لدرجة أنهم خافوا من عودة الأسد إلى سابق عهده، ما يسبب لهم الكثير من الخوف والفزع حتى قبل اصطيادهم.
العبرة: دعي طفلك يتصور بالخيال صورة الغابة.
تشاورت الحيوانات مرة ثانية، وتواصل معهم الأرنب واقترح وهو أصغر الحيوانات حجماً وعمراً، وكان يسميه أقرانه بالغابة” الأرنب الذكي” لما يتمتع به من سعة الحيلة والحكمة والفطنة حيلة للتخلص نهائياً من الأسد المغرور الجبار الشرير.
ومرت الأيام حتى جاء دور الأرنب؛ وكان يرتعد خوفاً من الذهاب إلى الأسد، فكان يمشي ببطء، وفي طريقه إلى الأسد وجد بئراً قديمةً فنظر إلى داخل البئر ووجدها عميقة؛ إن سقط فيها أيُّ حيوان فسوف يغرق ويموت، عندها خطرت بباله فكرةٌ ذكيةٌ وقرر أن ينفذها.
وهنا قال لأصحابه الحيوانات : أعطوني فقط قليلاً من الوقت، حتى يشعر الأسد بمزيد من الجوع بسبب تأخير موعد تقديم غذائه، وبالتالي سيشعر بالجوع أكثر وأكثر، وقد يقدم على اصطياد واحدٍ منا كما كان يفعل من قبل.
وعندما وصل الأرنب إلى الأسد وجده غاضباً يزمجر بقوةٍ، وسأله: لماذا تأخرتَ أيُّها الأرنب؟ فقال له الأرنب وهو يمثل عليه: وأنا في طريقي إليك سمعت من يقول وهو مفتخر بقوته:” أنا أولى بهذه الأرض وما فيها من خيرات من أسدكم الجبار الكسول”.. ويرددها عالياً: أنا ملك الغابة أنا الأقوى منه.
غضب الأسد واستشاط غيظاً وقال للأرنب: دلني على مكانه حتى أعرفه من أنا، وسيكون فريستي لهذا اليوم.
العبرة : عرّفي طفلك معنى التواصل للتشاور وتبادل الرأي.
هنا اشتعل الأسد غضباً وقال: أين هو هذا الأسد الجبان، خذني إليه في الحال، فردَّ الأرنبُ: حالاً يا سيدي، وذهب به إلى البئر القديمةِ التي رآها وهو في الطريق إليه، فنظر الأسد في البئر ووجد المياه الصافية تتدفق منه حتى يكاد المرء أن يرى صورته فيها، ولمّا ناداه الأسد ليظهر له سمع صدى صوته يخرج من البئر، فظنَّ أنه الأسد الآخر، فقفز في البئر ليتعارك معه، وغرق فيه، وتخلصت حيوانات الغابة جميعها من شرِّ هذا الأسد الظالم، وكلُّ ذلك بسبب ذكاء هذا الأرنب وفطنته، وغباء الأسد وغروره.
العبرة :هناك شخصيات صادقة وأخرى لئيمة مخادعة.
كتاب “كليلة ودمنة”
“كليلة ودمنة” أحد الأعمال الأدبية العالمية الشهيرة، وهو مجموعة من القصص تدور على ألسنة الحيوانات، وكليلة ودمنة هما اسمان لثعلبين من أبطال القصص.
يرجع أصل كتاب كليلة ودمنة إلى الهند؛ حيث ألّفها الفيلسوف الهندي بيدبا لملك الهند، في القرن الثاني الهجري الموافق للقرن الثامن الميلادي، وقد ترجم عبد الله بن المقفع الكتاب إلى اللغة العربية، و لغات عالمية عديدة كاليونانية والإيطالية والتركية وغيرها.
عبرة: الذكاء يغلب القوة..والفطنة تكسب الحيلة.
