كما في كل موسم من الكوتور، تعدنا الدور العالمية بإبداعات مستوحاة من نبض الواقع، مع نافذة مشرّعة على الأحلام، فأسبوع الهوت كوتور في باريس هو نقطة التقاء الخيال بالواقع، فكل زي حِيكَ بأنامل صغيرة متعَبة، وعيون أُرهقت لتنفيذ رسم أو مجسم على شكل فستان كما في تصاميم راهول ميشرا، وهكذا كان افتتاح أسبوع الهوت كوتور لموسم صيف 2025: كورسيهات أنثوية وفساتين بتقنيات خداع بصرية، وألوان تحاكي البشرة لدى سكياباريللي، ومجسمات لناطحات سحاب ذات طابع مستقبلي، لقد رسم المصممون المشاركون في اليوم الأول عالماً للمستقبل، متجذراً في الطفولة مع ديور، ولكنّه مجبول بالحنين إلى الماضي، هذا الماضي الذي كرمه جورج حبيقة في ذكرى ثلاثين عاماً على تأسيس الدار، فكان عرضه “فلاشباك” جال بنا بين خزائن الأرشيف مختصراً ثلاثة عقود، تميزت بفساتين أيقونية، فاستعادها بتقنيات جديدة ومتجددة، فالأب والابن يختصران جيلين ويثبتان من خلال تعاونهما أن الماضي يمكن أن يبني جسراً مع المستقبل في الألفية الجديدة التي يطغى عليها تقنيات الذكاء الاصطناعي.
سكياباريللي يرفع شعار “أنا أهتم”
لقد حمل عرض سكياباريللي Schiaparelli شعار I Care، وقد استوحاه المصمم من زيارة قام بها إلى تاجر للتحف وأدوات الأنتيكا، وكان يبحث عن شرائط تعود لحقبتي العشرينيات والثلاثينيات، وقد حملته هذه التجربة إلى استكشاف الماضي بعين الحاضر، فشكّلت مصدراً لإلهامه الذي لا ينضب منذ توليه مهامه لدى الدار منذ العام 2019، وقد شاركت في العرض كايلي جينير Kylie Jenner بكورسيه متقن الصنع عند منطقة الخصر، أمام نجمات تربعن في الصفوف الأولى. وقد تم تنظيم العرض في قصر Petit Palais الأثري وتتجه الأنظار إلى عرض ديور Dior الذي جرى بعد الظهر في متحف رودان Musee Rodin، خاصة وأنه كان العرض الأخير لماريا غراتزيا كيوري، وتسري شائعات عن احتمال تسلم جوناثان أندرسون Jonathan Anderson مكانها خاصة وأنه تغيب عن المشاركة في عروض “لويفي” في ميلانو وباريس في الفترة الأخيرة.
إيمان أيسي: تفوق في المزج بين التراث الأفريقي والطابع الأوروبي
لقد برع المصمم إيمان أيسي في ترجمة جذوره الأفريقية، ضمن مجموعة مستوحاة من الطابع القبلي، فكل شيء حاضر من قماش قبلي مزركش وزهور تراثية مصنوعة باليد ومثبتة بإتقان على الأزياء، وقد لفتنا ثوب من الكريب الأسود يتسم بياقة منخفضة ومطرز بزهور تراثية من الحبال اللامعة، ويتسم بقصة A Line، ولا ننسى الفستان المنفذ من قماش أفريقي الطبعات ولكنه مصنوع من الساتان الحريري بقصة سترابلس ومنسق مع قفازات من الساتان الأخضر؛ ليخلق طابعاً كولور بلوك راقياً أصيلاً لا يغيب عن جينات الدار التي بدأت بتنفيذ فساتين الكوتور منذ خمس سنوات فقط.
لقد ولد المصمم إيمان أيسي في الكاميرون ولكنه عاش في باريس، ومنها استوحت الدار أسلوبها في مقاربة الموضة، والتصاميم الراقية، ويبدو واضحاً أسلوب المصمم في الاستعانة بحبال الرافيا، لذا فهو يحل في كل موسم ضيفاً منذ العام 2020 على اتحاد الخياطة الراقية الذي وجد في تقنياته العالية في التفصيل والتطريز الحرفي روحاً جديدة تضيف بعداً إلى مجال الخياطة الراقية.
ديور تستعيد ذكريات الطفولة
تأخذنا المديرة الإبداعية لدار ديور، في آخر مجموعة تقدمها لدى الدار إلى الطفولة، حيث الجدران مزدانة برسوم لحيوانات ونباتات عالقة في ذكرياتنا، وحتى في اللاوعي لدينا، فرأينا أزياء ذات قالب طفولي شقي، بألوان النيود التي تحاكي البشرة، وتذكرنا برقة الباليرينا وبشفافية الزهور، وقد نفذت فساتين مع كورسيه يزدان بقماش التول مع تنانير منفوخة على شكل أقفاص تم تنفيذها على شكل قالب مربع التقطيع، قد تبدو لنا من خلال القماش الشفاف للفساتين، التي تم تنسيقها مع أحذية باليرينا تزدان بأربطة على شكل شرائط أو أحزمة رفيعة مثبتة تحاكي صنادل الغلادياتور، ولكن بتصميم ناعم.
راهول ميشرا وسر الثقب الأزرق
من الصورة الفوتوغرافية المسماة The pale Blue hole التي التقطها رائد فضاء كارل ساغان ونشرها في التسعينيات ضمن كتاب، نفذ المصمم راهول ميشرا Rahul Mishra مجموعته الجديدة التي استوحاها كمن ينظر الى كوكب الأرض من الفضاء. استعان المصمم راهول ميشرا بتقنيات ثلاثية الأبعاد لتنفيذ مجسمات تحاكي ناطحات السحاب اليوم عند الأكتاف، فتبدو تصاميمه التي طغى عليها اللون الأسود راقية، ومنفذة بمجسمات منحوتة عند الأكتاف وممزوجة مع قماش ميتاليكي بقصة منسدلة نحو الأسفل، ولا ننسى المعاطف الضخمة المنفذة بطراز مستقبلي يحاكي عصر التكنولوجيا، وقد ركزت الدار أيضاً على تصاميم طيور الغربان لتعزيز هالة الغموض على الفساتين خاصة عند الأكتاف، لترسم مشهدية مسرحية تتناغم فيها المؤثرات البصرية والسمعية.
جورج حبيقة: 30 عاماً من الإبداع ووداع لماري
في العام 95، افتتح جورج حبيقة مشغله في لبنان في الوقت الذي ولد فيه ابنه جاد شريكه اليوم في تصميم المجموعات الجديدة للدار، وهو الذي تخرج في نقابة الكوتور في باريس، فأطلق اليوم الأب والابن مجموعة جديدة جمعت روح الماضي ونفحة المستقبل، من حيث الفساتين الأيقونية المستوحاة من رائعة بحيرة البجع والأزياء التي ارتكزت على التويد والشيفون والتول، وهي الخامات التي أبدع المصمم في استعمالها على مدى ثلاثين عاماً، ولم يغب القفطان المطرز والغني بالتفاصيل عن المجموعة إضافة إلى فساتين بألوان تحاكي الأحجار الكريمة كالبنفسجي أو الإنديغو المطرز بأحجار وخرز ملون باليد، الحنين إلى الماضي ذهب بالمصمّمَين إلى الاستيحاء من The black Widow فساتين مجلّلة بالسواد بعضها مطرز باليد بأحجار تحاكي لون التوتياء، وظهرت العارضات بوشاح شفاف من الدانتيل يستعيد فترة الأربعينات التي سبق واستعادتها الدار؛ لتعيدنا إلى نجمات الغناء الأسطوريات في عالمنا العربي، مثل السيدة أم كلثوم وأسمهان والسيدة فيروز، هي جولة في أروقة الماضي بنكهة الحاضر على طريقة الدار.
لقد ركز جاد حبيقة على اللون الأسود احتراماً لذكرى جدته ماري التي علمت والده الحياكة ولها الفضل في دخول العائلة هذا المجال، لذا جاءت المجموعة مغمسة بالسواد، وحرص جاد المصمم الشاب على احترام جينات الدار التي يدين لها جورج حبيقة بالشهرة، فبالنسبة لجاد حبيقة، عروض الأزياء يجب أن تجعلنا نحلم وأن نخبر من خلالها قصة.
جيامباتسيتا فالي وعالم النهايات السعيدة
أطلقت دار جيامباتيستا فالي Giambattista Valli مجموعتها الراقية لصيف 2025، التي تتسم بفساتين أميرية منفوخة تحاكي الطبيعة بنقاء خطوطها وألوانها المونوكرومية الحيوية، فالتنانير منفوخة بطابع ملكي مع أغطية للرأس، وجاءت منسقة مع كابات من الحرير أو الساتان دوشيس الراقي أو من الغاباردين، وهي متصلة بغطاء للرأس يضفي هالة من الغموض على الإطلالة. كما سيطر التول المزركش على شكل فساتين كوكون بيضاوية الشكل، وكان لوقع فستان الزفاف نكهة مميزة بلونه الأحمر الذي يحاكي لون الياقوت.
تابعي المزيد معنا واكتشفي أسبوع الهوت كوتور في باريس ينطلق بزخم مع سكياباريللي
