الدرعية .. لوحة فنية في معرض مُلتقى الحضارات في أرض التسامح بتونس
شاركت 25 فنانة من أكاديمية سناء هيشري للفنون الجميلة في معرض فني يكشف الستار عن تنوع الأساليب والتقنيات في رسم التراث العربي، وهو عبارة عن لوحات فنية تعكس عمق الحضارة التي صنّفتها اليونسكو على قائمة التراث الثقافي العربي، المعرض كان بعنوان: ” مُلتقى الحضارات في أرض التسامح“، وهو عبارة عن حياكة جديدة للتراث بتقنيات أكاديمية سناء هيشري للفنون الجميلة .
أُقيم المعرض بقصر نجمة الزهراء بسيدي بوسعيد، في تونس، وهو لمجموعة من الفنانات الطالبات في أكاديمية الفنانة التشكيلية التونسية سناء هيشري، وهي فنانة تشكيلية بلجيكيّة من أُصول تونسيّة، درست في الأكاديمية الملكيّة للفنون الجميلة ببروكسال، وهي تنقل خبرتها ومُشاركة تلاميذها لترسيخ ثقافة الحفاظ على التاريخ و الحضارة العربية.
الفنانات الطالبات رسمن لوحات تاريخية لمواقع أثرية ومعالم تاريخية مسجلة على لائحة التراث العالمي لليونسكو. احتفالاً بقيم ومعاني التسامح بين الحضارات، وهذا المعرض برعاية ودعم من الإمارات العربية المتحدة ومن الدكتورة إيمان أحمد السلامي سفيرة الإمارات العربية المتحدة بتونس، كما أشرفت وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي على هذا المعرض التاريخي مع حضور وفد من سفراء دول عربية من ضمنهم سفراء المغرب والكويت وقطر والأردن.
لوحات المشاركات في المعرض
لوحة الدرعية التاريخية نفحة الماضي العتيق بروح الحاضر المشرق
و اللوحة من إبداع الفنانة دلندة دريرة، وقد اختارت الدرعية بعد زيارتها وانبهارها بجمالها الذي انعكس على ألوان وخطوط اللوحة، وتقع الدرعية على ضفاف وادي حنيفة من مدينة الرياض وتحديداً في الشمال الغربي لها. ويعود تاريخها لعهد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى حين أرسى بها قواعد الحكم على الأساس القويم والحكم العادل، وتضم الدرعية التاريخية العديد من الآثار المميزة والقصور التاريخية المبنية وفق نمط العمارة النجدية والتي يعود تاريخها إلى أكثر من 300 عام. ومن أبرز معالم الدرعية التاريخية:
حي الطريف
يعد حي الطريف أحد المواقع السعودية الخمسة المدرجة في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، يحتوي الحي على قصر سلوى الذي بدأ منه حكم المملكة السعودية الأولى والذي كانت تدار منه شؤون حكم الدولة، كما يضم الحي جامع الإمام محمد بن سعود.
فندق باب سمحان في قلب الدرعية التاريخية بهوية نجدية عصرية
حي البجيري
يضم حي البجيري جامع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومدرسته التي كان يقصدها طلاب العلم، ويقع الحي في الجهة الشرقية من وادي حنيفة.
حي السريحة
يقع الحي شمال حي البجيري، ويضم بيوتاً ومزارع عدة إلى جانب مسجد السريحة الذي يعد أحد أقدم مساجد الدرعية التاريخية.
حي غصيبة
يعتبر حي غصيبة العاصمة الأولى للمنطقة ويبعد عن حي الطريف مسافة 2 كلم، تحيط بالحي أسوار مشيدة بالصخور وتتوسط البوابة الرئيسية السور الشرقي للحي.
لوحة الخط العربي حضارة تركت جمالها على كسوة الكعبة
اللوحة تعكس حضارة و تراث المملكة العربية السعودية العريق، وقد رسمتها الفنانة ” منى المنيف شطورو، وهي مرسومة بالخط العربي الذي أدرج في المملكة العربية السعودية إلى قائمة اليونسكو للتراث الثقافي العالمي غير المادي، في 14 كانون الأول (ديسمبر)، حضارة تركت جمالها على كسوة الكعبة.
لقد نشأ الخط العربي وتطور وازدهر في مكة المكرمة والمدينة بالدرجة الأولى ثم انتشر في كافة أرجاء بلاد الإِسلام، وأصبح الخط العربي من الفنون الإِسلامية التي اهتم بها المسلمون من ذوي العقول النيرة، وعندما استقر الخط العربي في مكة والمدينة وبدأ ينتشر منها إلى جهات أخرى عرف باسميهما المكي والمدني.
استخدمت في اللوحة عدة تقنيات لعلّ أبرزها الفريسكو مع الألوان الزيتية بعد خلطها بمعاجين مختلفة والمعادن بأنواعها لتحمل رسالة ثقافية وتطرح حضارة وتراث و آثار الشعوب العربية و تاريخها.
لوحة رابعة الثلاثة
لم تُتقبّل الفنانة سناء هيشري المغرمة بالألوان الزاهية والمشرقة فكرة الرسم باللون الأحادي على الفور من قبل طالباتها التي عوّدتهن على استخدام العديد من الألوان في رسم لوحاتهن، تقول سناء: “هذه التقنية هي إحدى أفضل الطرق للتأكيد على أسلوب فني قويّ و أنيق من خلال البساطة الواضحة، دراستي للألوان بدقّة عالية والتخطيط التمهيدي لدرجاته قبل البدء في رسم اللوحات أحد المعايير المهمة بالنسبة لي لأحصل على لوحات فنية مميزة و ناجحة.! وقد كان اختياري للألوان المناسبة في هذا المشروع الثقافي والتاريخي مهمة صعبة، فقد أردت اتخاذ اتجاه آخر والغوص في تجربة جديدة
لإنشاء محتوى أنيق و مصقول مع الحفاظ على حيويّة وإشراق الأعمال الفنية، كان لابد لي من اختيار لون أساسي و هو أحد الجوانب الرئيسية لرسم أحادي اللون المُميّز فكان فارس الألوان، الذي لعب دور البطولة في تصميم و رسم المناطق الأثرية العربية “البنّي” الذي لا وجود له على عجلة الألوان التقليدية ولا يشكل لوناً أساسياً أو ثانوياً و لا حتى ثالثياً، وهو مشتق من اللون البرتقالي، ويعد رمز الاستقرار و الصفاء”.
كان اللون الذي اختارته سناء مستقراً و يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأرض وهو لون التراب، أحد الألوان الحارة والذي يتكون من خلال الجمع بين الأحمر والأصفر والوردي والقليل من الأسود، اختيارها الجريء، تم توظيفه في رسم اللوحات الفنية، حيث تتمع اللوحة بإطلالة عصريّة حديثة وحضور طاغٍ وواضح للون البنّي على مشهد اللوحات الفنية لِيعكس دفء التّاريخ وعبق الحضارة لبعض المناطق في المملكة العربية التي صنّفتها اليونسكو على قائمة التراث الثقافي العربي، تعلّق سناء: “نمط أحادي اللون اتخذته منهجاً وطريقاً لإبراز تراثنا العربي، رسمت بدرجاته أصالة الماضي بروح الحاضر المجيد ليبقي نوراً في المستقبل.
لوحة واحة العين ذاكرة ثقافية وحضارة ضاربة في عمق التاريخ
مرّة أخرى توقظ الفنانة سناء هيشري ذاكرتها لتُحرّك خيالها وتُبدع في رسم مدينة العين التابعة لإمارة أبوظبي والتي قد زارتها العديد من المرّات، و بالرغم من زياراتها المتعددة لمدينة العين وإعجابها بجمالها، إلا أنها لم تلتفت إليها ولم تدرك جمال رسمها بمجرّد النظر إليها من اللحظة الأولى، إلى أن دخلت في تجربة فنية ضمن الدراسة البحثية للحضارة والتراث العربي الموقع من قبل اليونسكو.
اللوحة تحكي قصة الواحة الغناء فيها نحت وألوان وإبداع ونخيل تلك الأشجار المباركة التي أعادت صياغتها بطريقة الدمج و المزج بين الألوان و توظيف خامات، وباستعمال عدة تقنيات لعلّ أبرزها الفريسكو الحقيقية مع الألوان الزيتية بعد خلطها بمعاجين مختلفة و المعادن بأنواعها.
كما وظفت سناء تقنية أحادي اللون الذي يُعطي شُعوراً بالصورة الظلية المتناغمة والراقية والتي تعكس واقع الحضارة العربية والإنسانية التي تركها الأجداد على أرض الإمارات آثاراً و تراثاً تعكس قوّتهم ومساهمتهم في بناء الحضارة الإنسانية من حصون و قلاع و مدافن أثرية.
لوحة سوريا أرض الحضارات وبوابة إلى التاريخ
اللوحة للفنانة نائلة المصمودي، تحكي من خلالها عن الحضارة السورية القديمة تراث ثقافي غني، وتعد محافظة حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا، والتي تقع شمالي سوريا، من أكثر مدن البلاد اكتظاظاً بالسكان، ومن أقدم المدن المأهولة في التاريخ، إذ وقعت على مفترق طرق تجارية متعددة منذ الألفية الثانية قبل الميلاد، فخضعت لسيطرة حضارات مختلفة بداية من الحثيين ثم الآشوريين والعرب فالمغول ثم المماليك والعثمانيين، الذين جعلوها المدينة الثالثة عندهم، وتركت جميع هذه الحضارات أثراً تراثياً في معالمها.
حلب وبحسب منظمة اليونسكو للبحوث التاريخية والأثرية، هي أقدم مدينة في العالم، حيث يعود تاريخها إلى 12200 سنة قبل الميلاد، حيث تسبق أريحا ب 1600 سنة وتسبق دمشق.
تقول نائلة: “تظهر مدينة حلب بتعدد الطرز المعمارية الموجودة فيها، في اللوحة، إذ تجمع أنماطاً معماريةً سلجوقية وبيزنطيةً إضافةً للطرز المملوكية والعثمانية، ممن تعاقبوا عليها على مر السنين، وقد ظهرت أبواب مدينة حلب بأبوابها القديمة ذات الطراز المعماري الفريد والذي قلّ مثيلها في العالم أجمع، وتشبه هذه الأبواب إلى حدٍّ ما أبواب الأناضول والقسطنطينية من حيث الحجارة المستخدمة في البناء والأشكال والرسومات الموجودة عليها”.
إصدار جديد لمواقع التراث العالمي لليونسكو
أصدرت الفنانة التشكيلية سناء هيشري كتاباً تحت عنوان : ” مُلتقى الحضارات “، نتطلّع من خلال هذا الكتاب الحضاري إلى مكانة ثقافة تراث المملكة العربية السعودية في جزء مهم وإظهار التراث الثقافي السعودي المادي وغير المادي والتعريف به وتقديمه بطريقة مستدامة ومذاق راقٍ وبجودة عالية بالألوان والتشكيل لتتصدّر منطقة الدرعية التاريخية على صفحات هذا الكتاب.
يضم الكتاب واحة العين بالإمارات، القدس، سوريا الحضارة حلب، مسجد عقبة ابن نافع القيروان، جربة تونس، اليمن، فاس المغرب، البتراء بالأردن، وغيرها من المواقع الأثرية.
و تتصدّر على غلافه لوحة فنية للفنانة سناء هيشري، وهي مسجد عقبة ابن نافع القيرواني بفخامته وجاذبيته وجمال عمقه رابعة الثلاث، أي أنها تأتي في الأهمية في العالم الإسلامي بعد مكة والمدينة المنورة والقدس الشريف وهو صرح علمي نشر الإسلام في أفريقيا والأندلس.
و قد انقسم الكتاب بين لوحات سناء والأعمال الفنية لطالباتها واشتمل العديد من الصور ومواضيع تحليليّة لكل قطعة فنّيّة من تأليف الفنانة التشكيلية، يُلقي الأضواء بالألوان على الحضارة العربية المُدرجة في قائمة اليونسكو العالمي لترسيخ ثقافة الحفاظ على التاريخ والحضارة العربية والعودة بالزمن إلى الماضي في جولة عبر التاريخ.
كما يهدف كتاب ” مُلتقى الحضارات ” الموجّه للعالم إلى التعريف بمواقع التراث العالمي في الوطن العربي ونشرها بالحروف والألوان والتشكيل، لوحات فنية تعكس ثراء وجمال التراث العربي من أجل توثيق و ترسيخ الحضارة و حمايتها للأجيال المقبلة.