العيد.. حين تزهر الأرواح فرحاً

العيدُ ليس يوماً عابراً في روزنامةِ الوقت، ولا مناسبةً، تطرقُ الأبوابَ، وتمضي، بل هو ضوءٌ خافتٌ، يشعُّ في القلبِ، ونبضٌ دافئٌ، يوقظُ الروحَ من سباتها، فتبدأ الأماني بالتفتُّح كما تتفتَّحُ زهورُ الصباحِ بعد ليلةٍ ماطرةٍ. العيدُ هو القصيدةُ التي تحفظها الطفولةُ عن ظهرِ قلبٍ، وتُردِّدها القلوبُ كلَّ عامٍ بلحنٍ جديدٍ، وكأنَّها تسمعها للمرَّةِ الأولى.
في العيدِ، تمتلئ الأرواحُ بخفَّةِ الفراشاتِ، كأنَّ كلَّ الأعباءِ تسقطُ، كأنَّ العالمَ، يعودُ طفلاً، يركضُ في الأزقَّةِ، يضحكُ بملءِ فمه، يمدُّ يدَه ليلتقطَ الفرحَ كما يلتقطُ الأطفالُ حبَّاتِ المطرِ. في العيدِ، تتجمَّلُ الأرضُ بضحكاتِ الصغارِ، بأكفِّهم الممتدِّةِ نحو العيديَّاتِ، بأعينهم التي تعكسُ بريقَ الحياةِ.
العيدُ، ليس ثوباً جديداً، إنه شعورٌ نقي، هالةٌ من الفرحِ، تحيطُ بالروحِ. إنه صباحٌ مختلفٌ، حين تنفضُ المدنُ عن أرصفتِها التعبَ، وتصحو الشوارعُ على خطواتِ المحبِّين، وهم يحملون التهاني كما يحملُ النسيمُ عبقَ الزهرِ. إنه لحظةٌ صافيةٌ، تتلاقى فيها الأيادي المتباعدةُ، كأنَّما القلوبُ، تذكَّرت فجأةً أنها خُلِقَت للحبِّ، وأن الحياةَ أقصرُ من أن تُثقِلها الخصوماتُ.
في العيدِ، يصيرُ لكلِّ شيءٍ طعمٌ مختلفٌ: القهوةُ أدفأ، العناقُ أطول، الكلماتُ أكثر صدقاً. حتى الشمسُ في العيدِ، تبدو كأنَّها تبتسمُ، تُشرِقُ بتأنٍّ، كأنَّها تريدُ أن تمنحَ هذا اليومَ مزيداً من الضوءِ، مزيداً من الأملِ. إنه موعدٌ مع البداياتِ الجديدةِ، مع الصفحاتِ البيضاءِ، مع الأرواحِ التي تتخفَّفُ من أوجاعها كما تتخفَّفُ الأشجارُ من أوراقها اليابسةِ في الربيعِ.
العيدُ، ليس يوماً واحداً، بل لحظةٌ، تمتدُّ في الذاكرةِ، تبقى في زوايا القلبِ، وتضيءُ كلَّ مرَّةٍ، نحتاجُ فيها إلى جرعةٍ من الفرحِ. العيد، هو أن تجدَ نفسكَ بين مَن تُحبُّ، أن تسمعَ ضحكتك صافيةً كما لم تسمعها من قبل، أن تشعرَ بأن العالمَ، ولو ليومٍ واحدٍ، يشبه الحلم.