الفارسة المغربيَّة نور السلاوي: الخيل يتهادى على نبضات القلب
في سنٍّ مبكِّرةٍ جداً، وتحديداً في الرابعة من عمرها، تعلَّقت بالخيولِ أثناء استكشافها، مع أسرتها، المناظرَ الطبيعيَّة الخلَّابة في جبالِ الأطلس على ظهر أحصنةٍ صغيرةٍ. كان شغفها بالخيولِ يزداد يوماً بعد آخر، وفي كلِّ مرَّةٍ كانت تمتطي فيها ظهرَ الجياد، كانت تحلمُ بأن تصبح فارسةً محترفةً، تنافسُ في البطولات العالميَّة يوماً ما، وهو ما تحقَّق فعلياً، إذ سجَّلت إنجازاتٍ كبيرةً، أثبتت من خلالها قوَّةَ وعزيمةَ المرأةِ العربيَّة، وقدرتها على الوصولِ إلى أحلامها، في مقدِّمتها المشاركةُ بأولمبيادِ باريس 2024، متجاوزةً كلَّ التحدِّيات التي واجهتها. الفارسةُ المغربيَّة نور السلاوي، التقتها «سيدتي»، فأفردت أوراقَ نجاحاتها في هذا اللقاء.
تنسيق | ساره مرتضى Sarah Mourtada
حوار | لينا الحوراني Lina Alhourani
تصوير | أندرو كيمبر Andrew Kimber
تنسيق الأزياء | ريا بولي Ria Poly لدى MMG Artists
شعر ومكياج | ريبيكا دوني Rebecca Doney لدى MMG Artists
مساعدة مصور | مارينا نادولسكا Marianna Nadolska
موقع التصوير | Slaoui Fellous Equestrian، سويندون – لندن
الألعاب الأولمبيّة باريس 2024
تعدُّ الفروسية محورَ اهتمامِ نور، ورياضتها المفضَّلة، مع ذلك تحبُّ أيضاً ممارسةَ رياضاتٍ أخرى، تساعدها في البقاءِ بكاملِ لياقتها البدنيَّة مثل صالةِ الألعاب الرياضيَّة «الجيم»، واليوغا. تقولُ عن ذلك: «تساعدني هذه الرياضاتُ في تحسينِ مرونتي، وتوازني، وتركيزي الذهني، وهي جميعاً أنشطةٌ أساسيةٌ، تساعدُ الفارسَ في المنافسةِ برياضةِ الفروسيَّة. كذلك أستمتعُ بالتزلُّج على الأمواج، وركوبها متى ما سنحت لي الفرصة».
وتضيفُ: «المثابرةُ، والعملُ الجاد عواملُ رئيسةٌ في تحقيقِ النجاح. منذ الصغرِ وأنا أعملُ جاهدةً لأصبح فارسةً محترفةً، لذا بعد إكمالي مرحلةَ التعليمِ الثانوي، تفرَّغت لمدة عامٍ لركوبِ الخيل قبل أن أنتقلَ إلى فرنسا، وأبدأ أولى خطواتي الاحترافيَّة التي توَّجتها بالمشاركةِ في دورةِ الألعاب الأولمبيَّة باريس 2024، المختتمة أخيراً. جزءٌ كبيرٌ من نجاحي سببه وجودُ فريقٍ احترافي ومتميَّزٍ، يساعدني بشكلٍ يومي في تطوير قدراتي، وتنمية مهاراتي».
تعرّضت لإصابتين
دخلت الفارسةُ رياضةَ «بطولاتِ الفروسيَّة الثلاثيَّة» Eventing في العشرينيَّات من عمرها، وقد كان مستواها متواضعاً للغايةِ في البداية، كما تعترف، لذا تعرَّضت للإقصاءِ في سباقِ الموانع بأوَّلِ مشاركةٍ لها. تقولُ عن تلك المرحلة: «تعلَّمتُ من هذه التجربةِ ضرورةَ بذلِ جهدٍ كبيرٍ للنجاح، وتجاوزِ الانتكاسات. كنت متوتِّرةً قليلاً، لكنني تمكَّنت من تحويلِ هذا التوتُّر إلى شغفٍ، قادني إلى سكَّة الانتصاراتِ والنجاحات التي توَّجتها بمشاركتي في دورةِ الألعابِ الأولمبيَّة باريس 2024. هذه البطولة، شكَّلت محطَّةً استثنائيَّةً في مسيرتي الاحترافيَّة. خلال فترةِ الاستعداد لها، واجهتُ تحدِّياتٍ صعبةً، كادت أن تعصفَ بحلمِ المشاركة في الحدثِ العالمي، إذ تعرَّضت لإصابتَين، إحداهما قبل انطلاق الأولمبياد بأيامٍ قليلةٍ، والحمد لله تمكَّنت من المشاركةِ في البطولةِ بعد التزامي ببرنامجِ علاجٍ مكثَّفٍ في المغرب. طموحي لن يقف هنا، لكنَّ المشاركةَ في باريس 2024، كانت علامةً فارقةً في مسيرتي، ومنحتني حافزاً أكبر لتطويرِ مهاراتي، وتحسينِ أدائي لأعتلي منصَّات التتويج في البطولات المقبلة».
“المثابرة، والإيمان بالنفس أهم من الموهبة وحدها”
«كاش إن هاند»
ترى الفارسةُ الشابَّة أنها محظوظةٌ للغاية بالدعم الذي تلقَّته من مدرِّبتها ديبورا فيلوس التي كانت معها منذ البداية. كان إيمانُها بقدراتها، وتحفيزها على أداءِ التمارين الجادة من العواملِ الحاسمةِ في مسيرتها. تستدركُ نور: «بالطبع، عائلتي، وأصدقائي المقرَّبون، شكَّلوا أيضاً مصدرَ إلهامٍ لي، وكانت رسالتهم دائماً: استمرِّي في العمل، وحافظي على تركيزكِ، واحرصي على تحقيقِ حلمكِ».
أمَّا الحصانُ المفضَّل عند الفارسة، فهو «كاش إن هاند»، إذ يرافقها في كلِّ البطولات، ويعدُّ شريكها في مسيرةِ النجاح. عن علاقتها به، تجيبُ: «علاقتي بكاش إن هاند مبنيَّةٌ على الثقةِ، والاطمئنانِ الذي نستمدُّه سوياً من الموسيقى، فهي تساعدنا على التركيزِ أكثر، وتقديمِ أداءٍ أفضل، خاصَّةً عندما يتعلَّق الأمرُ بشيءٍ، يعتمد على الإيقاعِ مثل ركوبِ الخيل». وتستطردُ: «أشعرُ دائماً بأن هناك رابطاً عميقاً، وتناغماً مثالياً بين الأغنياتِ المفضَّلة لدي التي أستمع إليها باستمرارٍ، وأدائي مع حصاني، لاسيما أغنياتُ الفنَّانة الأستراليَّة سيا كيت، فهي تولِّد طاقةً عاطفيَّةً وتحفيزيَّةً قويَّةً، تزيدُ من ثقتي بنفسي».
“حولت التوتر إلى شغف قادني إلى سكة الانتصارات والنجاحات التي توجتها بمشاركتي في دورة الألعاب الأولمبية باريس 2024”
بعيداً عن التصنّع
تمتلك نور إسطبلاً في بريطانيا مع ديبورا فيلوس، شريكتها في الأعمال، يضمُّ 15 حصاناً، بما في ذلك خيولٌ صغيرةٌ، تقومان بتربيتها، وأخرى أكثر نضجاً مثل «كاش إن هاند». تتحدَّث عن الإسطبلِ بالقول: «كلُّ الخيولِ الموجودة مملوكةٌ لأفرادٍ، ودورنا تدريبها، وتجهيزها للمشاركةِ في البطولات، وتمثيلُ المغرب ومنطقةِ الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كذلك نجهِّز بعض الخيولِ للبيع، وقد بعنا خيولاً عدة، تمكَّنت من تحقيقِ نجاحاتٍ كبيرةٍ في أماكن كثيرةٍ».
وحول علاقتها بوسائلِ التواصلِ الاجتماعي، تؤكِّد نور، أن هذه الوسائل منصاتٌ رائعةٌ للتواصلِ مع الناس، وتنشرُ فيها كلَّ ما هو حقيقي ومهمٌّ، بعيداً عن التصنُّع، إذ تحبُّ أن تظهر على طبيعتها، وتحاولُ دائماً تشجيعَ الأجيالِ الجديدة، خاصَّةً النساءَ على ممارسةِ الرياضة. تتابعُ: «ما يزعجني حقاً المنشوراتُ العامَّة، والسطحيَّة التي لا تقدِّم أي شيءٍ ذي معنى، لذا أفضِّل مشاركةَ المحتوى الهادف الذي يعكسُ شخصيَّتي».
وتستيقظ الفارسةُ المغربيَّة عادةً في السادسة والنصف صباحاً حيث تبدأ يومها مبكراً، وتقومُ بأنشطتها النهاريَّة، ثم تصطحب كلابها في جولةٍ صباحيَّةٍ، وتجهِّز نفسها للتدريبات، دون أن تنسى أخذ قسطٍ كافٍ من النوم. تستدركُ نور: «أحاولُ دائماً الحفاظَ على التوازنِ والثقة، وعلى أنوثتي أثناء التمارين سواء في طريقةِ تفكيري، أو روتيني اليومي، أو الأسلوبِ الذي أقدِّم به نفسي. كوني امرأةً، هذا يعني لي الكثير، ويمنحني مزيداً من التحدِّي للمنافسةِ في هذه الرياضة الصعبة».
سيعجبك متابعة رحلة طيران غير مسبوقة مع الكابتن طيّار رهف الجديعي
“علاقتي بكاش إن هاند مبنية على الثقة، والاطمئنانِ الذي نستمده سوياً من الموسيقى، فهي تساعدنا على التركيز أكثر، وتقديم أداء أفضل”
بانوراما خاصة
عندما لا تكون نور في ملابسِ الفروسيَّة، تفضِّل ارتداءَ الملابسِ المريحةِ والأنيقة. تقولُ عن «ستايلها»: «أحبُّ المزيجَ بين الكاجوال والأنيق مثل الجينزِ مع سترةٍ مناسبةٍ، أو jumpsuit. أقدِّر الموضةَ التي تعكسُ الراحةَ والأناقة، وأستعينُ بأختي الصغيرة إيمان، إذ لديها براعةٌ في تنسيقِ الملابسِ، والألوانِ، والإكسسوارات مع بعضها. بشكلٍ عامٍّ، أحبُّ الأزياءَ التي تحمل الطابعَ المغربي، وأهتمُّ بالاستدامة، وأحرصُ على الشراءِ من علاماتٍ تجاريَّةٍ، تستخدمُ موادَّ مستدامةً في تصنيعِ الألبسة. كذلك أحبُّ ملابسَ الفروسية، لا سيّما المعاطفُ الطويلة. أمَّا الإكسسوارات، فأفضِّل ارتداءَ خواتم جدتي، فهي تناسبُ مختلفَ أنماطِ الأزياء، وتحمل معنى عاطفياً بالنسبة لي».
وتعدُّ الفارسةُ المغربيَّة الحفاظَ على لياقتها البدنيَّة، ونظامها الغذائي أمراً لا جدال فيه، لذا تفضِّل الأطعمةَ الصحيَّة والغنيَّة بالعناصر الغذائيَّة، مع كثيرٍ من البروتينات الخاليةِ من الدهون، والخضرواتِ، والفواكه. تذكرُ: «لا أستطيع الاستغناءَ عن الماءِ إطلاقاً، وأحبُّ أن أبداً يومي بفنجانٍ من القهوة، كما أستمتع بالقراءةِ كلَّما أتيحت لي الفرصة، فهي تساعدني في المحافظةِ على تركيزي الذهني، لأستمرَّ في الرياضاتِ التنافسيَّة، وأحدُ الكتبِ التي أوصي بها، هو قوة الآن لإكهارت تول».تابعوا معنا لقاء سيدتي البروفيسورة مناهل ثابت
وتؤمنُ نور بالحكمةِ القائلة: «المثابرةُ، والإيمانُ بالنفس أهمُّ من الموهبةِ وحدها»، وتشدِّد على أن العملَ الجاد، والصبرَ، والاستعدادَ للتعلُّم عواملُ، تخلقُ النجاحَ على المدى البعيد، لكن يُحزنها في هذا العالم عدمُ المساواةِ بين البشر، وقلَّة الفرص، خاصَّةً للنساء في بعض المجالات. تستطردُ: «ما يجعلني سعيدةً رؤيةُ الآخرين من حولي يحقِّقون النجاح، وعلى الرغمِ من أنني إنسانةٌ اجتماعيَّةٌ إلا أنني أحبُّ أيضاً الحياةَ الهادئة. علاقتي مع عائلتي متينةٌ للغاية. لقد كانوا جزءاً كبيراً من رحلتي، ولا يزالون يقدِّمون لي الدعم اللامتناهي. أستمتع بالوقتِ الذي أقضيه معهم على الرغم من أننا نعيشُ في دولٍ مختلفةٍ».
وبعد خمسةِ أعوامٍ من الآن، أو أكثر، تريدُ نور السلاوي، أن تواصلَ التطوُّر، وتحقيق نتائجَ إيجابيَّةٍ في عالمِ الفروسية، وتمثيلَ المغرب في أولمبياد لوس أنجلوس 2028. تقولُ عن أمنياتها في ختامِ حديثها: «أريدُ أن أكون حاضرةً في كلِّ بطولةٍ رئيسةٍ، بما في ذلك بطولاتُ العالمِ للسيدات، وبطولاتُ الخيولِ الشابَّة، وهدفي ليس مجرَّد المشاركةِ فيها، وإنما تحقيقُ الإنجازاتِ أيضاً. أتمنَّى كذلك أن أتمكَّن من توسيعِ نطاقِ أعمالي، وأن أواصلَ إلهامَ الجيلِ القادم من الرياضيين العرب، لا سيما السيدات».
“ما يجعلني سعيدة رؤية الآخرين من حولي يحققون النجاح، وعلى الرغم من أنني إنسانة اجتماعية إلا أنني أحب أيضا الحياة الهادئة”
لا شكَّ أن موقعَ لندن على ضفافِ نهر التايمز في مشهدٍ ساحرٍ، يثيرُ مشاعرَ نور عند زيارةِ المكان. تصفُ العاصمةَ البريطانيَّة بالقول: «أرى المدينةَ من منظورِ عينِ الطائر الحرِّ. حتى إذا كنت على صهوةِ جوادي، أستمتعُ بكلِّ مَعْلَمٍ أثري، بدءاً من قصرِ وستمنستر، وبيج بن، وبرجِ لندن، وعينِ لندن، مروراً بكاتدرائيَّة سانت بول، وتاور بريدج الشهير، وليس انتهاءً بقصرِ باكنجهام، مركزِ الملكيَّة البريطانيَّة. كلُّها معالمُ، يمكن الاستمتاعُ بالمناظرِ الطبيعيَّة من حولها». وتضيفُ: «لم يعد يخفى على أحدٍ أهميَّةُ الوقتِ الذي نسرقه من حياتنا العمليَّة للهروبِ إلى الطبيعة، ومقدارُ انعكاسه الصحِّي على أجسادنا وعقولنا وأرواحنا. مَن يعيشُ في مدينةٍ صاخبةٍ مثل لندن، لن يصعب عليه اكتشافُ ذلك، ثم العثورُ على أماكنَ مذهلةٍ، تفي له بالغرضِ وأكثر من ذلك، لذا اخترتُ مكاناً لإسطبلي في ضواحي العاصمة، كما اعتدتُ على أن أخرج من لندن حتى أملأ رئتي بهواءِ البحرِ المالح في رحلةٍ حول خليجِ بوتاني الذي يشرحُ جمالَ الطبيعة، ويشتهرُ بمنحدراته الطباشيريَّة، ومسابحه الصخريَّة، وشاطئه الرملي الناعم. لندن تلك المدينةُ متراميةُ الأطراف، تقعُ في القلبِ من كلِّ شيءٍ، في الفنونِ والتاريخِ والثقافةِ وغير ذلك، لكنْ تبقى أحياؤها الفريدةُ أهمَّ ما يميِّزها عن المدنِ المحوريَّة الرئيسةِ الأخرى، فلكلٍّ منها طابعه الخاص».تابعي معنا الحوار مع لولوة الحمود: عشقنا هذا البلد وتشربنا من خيرها