النمو المستدام للشركات: استراتيجيات فعّالة للمديرين
تواجه الشركات في وقتنا الحاضر تحديات معقدة تتطلب من المديرين تبني استراتيجيات ذكية تضمن نموًا مستدامًا، بعيدًا عن الأرباح المؤقتة والنجاحات العشوائية. أصبح النمو المستدام شعار المرحلة، حيث إن الشركات التي تتكيف بسرعة وتحافظ على مرونتها هي التي تواصل النجاح في سوق يتغير بوتيرة مذهلة. التقت “سيدتي” بالكوتش المهني والإعلامية والكاتبة الإماراتية الدكتورة عائشة البوسميط للحديث استراتيجيات فعّالة لتحقيق النمو المستدام.
استراتيجيات لتحقيق النمو المستدام للشركات
حددت د. عائشة البوسميط مجموعة من الاستراتيجيات التي تضمن نمو الشركات على نحو مستدام، من خلال أمثلة واقعية ودروس من أعرق الأدبيات الإدارية، بالإضافة إلى شركات عربية رائدة.
رؤية واضحة واستراتيجية مرنة
كل شيء يبدأ برؤية بعيدة المدى واضحة، حيث تستطيع الشركات التي تقدم رسم مسارها الكبير، وفي الوقت ذاته، تحتفظ بالمرونة الكافية لتعديل هذا المسار حسب الحاجة. إنها استراتيجية تركز على الفرص وتتلاءم مع نقاط القوة. وطرحت “البوسميط” مثالاً، قائلة: “عندما كانت أمازون مجرد متجر كتب إلكتروني، كانت رؤيتها تركز على التوسع والابتكار، فلم يتوقفوا عند بيع الكتب فقط، بل توسعوا إلى التجارة الإلكترونية السحابية والخدمات الأخرى، مما جعلهم يتصدرون عالمياً”. على الجانب الآخر، “كانت نوكيا تملك مكانة لا تُضاهى في الهواتف التقليدية، لكن رؤيتها كانت غير مرنة بما يكفي لمواكبة الثورة التكنولوجية في الهواتف الذكية، فخسرت السوق لصالح منافسين أسرع”.
الاستثمار في تطوير المهارات
العنصر البشري هو جوهر النجاح؛ فلا يمكن لأي شركة النجاح بدون فريق متكامل ذي مهارات عالية. الشركات التي تستثمر في تعليم وتدريب فرقها تجد نفسها أكثر استعداداً لمواجهة التحديات المستقبلية. الموظفون الذين يشعرون بالتقدير والتحفيز هم الأكثر إبداعاً وإنتاجية.
وطرحت “البوسميط”، ” تويوتا كمثال، فهي تتبنى فلسفة تطوير الموظفين باستمرار، مما يعزز من كفاءتهم وإبداعهم، ويضع الشركة في مصاف الشركات الرائدة. على العكس، تجاهلت كوداك تطوير مهارات فريقها لمواكبة التحولات الرقمية في التصوير، ونتيجة لذلك، تراجعت بعدما كانت رائدة في هذا المجال.
شركة أرامكس (Aramex)، إحدى الشركات العربية الكبرى في مجال الخدمات اللوجستية، تستثمر بانتظام في تطوير مهارات موظفيها من خلال برامج تدريبية وورش عمل، مما جعلها قادرة على التوسع عالمياً.
قد يعجبكم أيضًا مهارات قيادية يجب على كل رائد أعمال تنميتها
ثقافة تنظيمية تشجع الإبداع
البيئة التي تحفز التعاون وتدفع الموظفين للتفكير بحرية وابتكار حلول جديدة هي التي تنتج أفكارًا ومشاريع تُحدث ثورة في السوق. الشركات التي تستمع لأفكار موظفيها وتشجعهم على الإبداع هي الشركات التي تحقق النجاح.
جوجل مثالٌ بارز؛ فهي تشتهر بثقافة عملها التي تدعم الابتكار والإبداع. هذا المناخ جعلها تُنتج منتجات وخدمات جديدة باستمرار وساهم في سيطرتها على أسواق متعددة. بينما كانت بيئة العمل غير المرنة في سيرز سبباً في تدهور أدائها، فاعتمدت على سياسات تقليدية وبطيئة في الاستجابة لمتغيرات السوق، ما جعلها تخسر أمام منافسين أكثر تطورًا.
شركة ماجد الفطيم في الإمارات مثال آخر، حيث تركز على خلق بيئة عمل تشجع على الابتكار والإبداع، مما ساعدها على تنويع أعمالها لتشمل قطاعات التجزئة، الترفيه، والعقارات.
تخطيط مالي محكم وذكي
النجاح المستدام يتطلب إدارة مالية قوية، مبنية على تحليلات دقيقة وتوقعات مدروسة. الشركات التي تستثمر بذكاء وتقلل من المخاطر المالية تستطيع النمو بشكل مستمر وآمن.
علي بابا أدركت أهمية التخطيط المالي المحكم منذ البداية، واستثمرت في تقنيات الدفع الإلكتروني وتطوير اللوجستيات، مما عزز تجربة العملاء وساهم في نموها السريع.
في المقابل، واجهت شركة وي وورك (WeWork) تحديات كبيرة بسبب سوء التخطيط المالي والإنفاق المفرط، مما أدى إلى انهيار خططها للاكتتاب العام واضطرارها لإعادة هيكلة الشركة بشكل كامل. (WeWork، التي تأسست عام 2010 في الولايات المتحدة، كانت رائدة في مساحات العمل المشتركة، لكنها فشلت في إدارة نفقاتها بشكل مستدام، مما تسبب في تراجع كبير وخسائر ضخمة أدت إلى تقليص نشاطها بشكل حاد.
التغلب على الخوف
الشركات التي بنت اسمًا تجاريًا قويًا يمكن أن تواجه صعوبات مالية تهدد وجودها. وفي بعض الأحيان، يكون الخوف من الفشل هو ما يمنع هذه الشركات من اتخاذ قرارات جريئة قد تنقذها. الشركات التي تتغلب على هذا الخوف وتستفيد من فشلها تكتسب فرصة لإعادة بناء استراتيجياتها والعودة أقوى.
أما شركة ليغو (LEGO) فعلى الرغم من نجاحها الكبير في صناعة الألعاب، واجهت الشركة في أوائل الألفية الجديدة أزمات مالية حادة بسبب التوسع المفرط واستثمارات غير مدروسة. لكن بدلاً من الاستسلام، أعادت ليغو تقييم استراتيجياتها، وركزت على منتجاتها الأساسية وإعادة بناء علامتها التجارية، مما أدى إلى تحقيق نجاح كبير واستعادة مكانتها الرائدة في السوق.
الابتكار كدافع أساسي للنمو
الإبداع والابتكار ليسا مجرد رفاهية؛ هما ضرورة للبقاء في سوق مليء بالمنافسة. الشركات التي تواصل التفكير خارج الصندوق وتطوير حلول غير تقليدية هي التي تنجح في التوسع والبقاء.
أبل، على سبيل المثال، كانت وما زالت نموذجاً للابتكار. منتجاتهم المبتكرة مثل iPhone وMacBook لم تكن مجرد أدوات؛ بل تجارب متكاملة غيرت طريقة تفاعل الناس مع التكنولوجيا. هذا النهج أبقاهم على القمة لعقود. من ناحية أخرى، تمسكت “بلاكبيري” بمنتجاتها القديمة دون أن تجدد أو تطور، مما أدى إلى تراجعها السريع.
فالنجاح في عالم الأعمال اليوم لا يُقاس فقط بتحقيق مكاسب مؤقتة، بل بقدرة الشركات على تحقيق نمو مستدام يضمن لها البقاء والتفوق على المدى الطويل، ولتحقيق ذلك، تحتاج الشركات إلى رؤية واضحة واستراتيجية مرنة، والاستثمار في تطوير مهارات موظفيها، وخلق ثقافة تنظيمية تشجع على الابتكار والإبداع. كما أن التخطيط المالي المحكم والقدرة على التكيف السريع مع تغيرات السوق يلعبان دوراً محورياً في هذا النجاح. بالإضافة إلى ذلك، فإن بناء علاقات قوية ومستدامة مع العملاء يضمن ولاءهم واستمرارهم في العودة.
أقرأوا أيضًا لرواد الأعمال: اطلعوا على سر تعثر الشركات والمشاريع وفق خبراء