تعرفي إلى معنى الحزن وأسبابه وأنواعه وطرق تجاوزه
الحزن أحد المشاعر والأحاسيس البشرية المدهشة، التي ما إن تغمرك حتى تنغمس فيها حتى أخمص قدميك، ولا تتملكك حتى تنتشر بكل وجدانك. فيضربك ألم بالصدر وغصة بالحلق، فالمقعد الفارغ على الطاولة يرقبك في سكون، والمساحات الخالية في التقويم تنقض على سعادتك لتتجمد في حيز الصمت البارد، والفضاءات الشاسعة تتسربل بعمق الصحراء الامتناهية، ليطل الإحساس بموجة مارقة من الحزن والوحدة التي تضرب من العدم.
القول بأننا نحزن هو غير عادل، نحن نختبر الحزن. إنها تجربة فريدة من نوعها، عميقة في تفاصيلها، مؤثرة في دقائقها. قد تتم مشاركة الحزن في وقت ما مع أفراد عائلتنا أو أصدقاؤنا. في بعض الأحيان نقاوم دحض الحزن ونرحب بالمشاعر الموجعة ونستعذب ألم الخسارة. لكن من المهم دائمًا ألا نستسلم لهذه المشاعر وقت طويل، فلا بد أن ننتبه إلى تأثير الحزن على صحتنا النفسية والجسدية ونجد طريقنا للعودة إلى طرق صحية للتعايش مع الخسارة.
لا توجد عملية حزن صحية وأخرى مرضية، فالحزن قد يكون تأثيره مدمر على الحياة إلم نسع لتحجيمه وإيقافه… بالسياق التالي سيدتي التقت استشاري الدعم والتنمية البشرية عفت أبو الخير في حديث حول الأسباب الشائعة للحزن، وأنواعه، ونصائح لمعالجته.
• تعريف الحزن
تقول عفت أبو الخير لسيدتي: الحزن هو الاستجابة الطبيعية للخسارة والفقد والوجع المخفي وراء حائط الألم. الخسارة جزء من الحياة، وكل البشر يعانون من الحزن، وأي خسارة كبيرة تشكل جزءًا من هويتنا حيث تحيط بنا تجربة الحزن الطبيعية عاطفيًا وجسديًا وعقليًا واجتماعيًا، ويمكن للشخص الحزين أن يبقى من خلال أنشطته اليومية ويتعايش مع الحياة اليومية، ونظرًا لأن كل شخص يحزن بطريقته الخاصة، فقد لا يتعرف زملاء العمل وحتى الأصدقاء على أعراض الحزن لديك، فمن الممكن أن نكون غير مدركين للألم أو نطاق المشاعر التي يمر بها الشخص داخليًا.
• الأسباب الشائعة للحزن
الحزن يحدث نتيجة لأنواع عديدة من الخسارة الكبيرة، وليس فقط بسبب وفاة أحد المقربين. في بعض الأحيان قد يكون من الصعب التعرف على أعراض الحزن على حقيقتها عندما تكون الخسارة أقل وضوحًا أو أهمية حيث بعض الأسباب الشائعة للحزن يمكن أن تشمل:
- فقدان الوظيفة.
- فقدان التواصل الاجتماعي لسبب أو آخر.
- إلغاء حدث مهم.
- الإجهاض.
- الطلاق.
- “العش الفارغ”، عندما يكبر الأطفال ويخرجون من منزل العائلة.
- تشخيص مرض يغير حياتك لنفسك أو لشخص عزيز عليك.
- وفاة حيوان أليف عزيز.
- وفاة أحد أفراد الأسرة.
• أنواع الحزن
- الحزن الطبيعي أو غير المعقد: هو نوع الحزن الذي يعاني منه معظم الأشخاص بعد خسارة كبيرة. وغالبًا ما يكون فترة الفجيعة بعد الموت. الحزن الطبيعي ينحسر مع مرور الوقت. على الرغم من أنك قد تشعر بحزن عميق أو تأثيرات عاطفية أو جسدية أخرى، خاصة في المراحل المبكرة، إلا أن الحزن الطبيعي لا يتعارض مع حياتك اليومية أو قدرتك على العمل أو الاعتناء بنفسك أو ممارسة الأنشطة اليومية.
- الحزن المتوقع: يتم الشعور بهذا النوع من الحزن تحسبا لخسارة كبيرة. يتضمن ذلك أشياء مثل التشخيص النهائي أو فقد الوظيفة أو الطلاق الوشيك. الحزن المتوقع طبيعي وينبغي التعامل معه على أنه حزن حتى لو لم تحدث الخسارة بعد.
- الحزن المتأخر: في بعض الأحيان لا تتاح لنا الفرصة لمعالجة الحزن عند حدوث الخسارة. قد يكون هذا لأننا نعتني بأفراد الأسرة الآخرين، أو لأن الأحداث الخارجية (مثل فيروس كورونا) تمنع طقوس الحزن الطبيعية لدينا، أو لأننا لا ندرك الخسارة الكبيرة على حقيقتها، وقد يكون سبب الحزن المتأخر هو النشأة في ثقافة لا تشجع على الحزن، أو ببساطة بسبب الرغبة في مواجهة خسارة سابقة.
- الحزن المعقد: يتميز هذا النوع من الحزن بمشاعر متضاربة تجاه الخسارة. على سبيل المثال، الحزن على وفاة أحد الوالدين المنفصلين عنه أو الشريك المسيء، أو فقدان وظيفة لم تعد تحبها.
- الحزن التراكمي: يتراكم هذا النوع من الحزن بمرور الوقت ويتميز بعدد من الخسائر التي تحدث في فترة زمنية قصيرة نسبيًا. على المستوى الفردي، قد تبدو أي خسارة أقل أهمية، ويبدو الحزن في غير محله. قد نشعر بالحرج من الاعتراف بألم الحزن بسبب رحلة ملغاة أو غياب الحفلات المدرسية وغيرها من الأنشطة لأطفالنا. لكن هذه الخسائر الصغيرة تتراكم وتظهر مرة واحدة وقد تؤثر على سعادتنا فترة ما.
- الحزن الجماعي: يحدث هذا النوع من الحزن عندما يتعرض مجتمع أو قرية أو أمة إلى تغيير أو خسارة شديدة. يمكن أن يظهر الحزن الجماعي في أعقاب الأحداث الكبرى مثل الحرب أو الكوارث الطبيعية أو الاضطرابات السياسية أو الاجتماعية أو الانكماش الاقتصادي الكبير أو الأوبئة أو الإرهاب أو غيرها من الأعمال التي تؤدي إلى خسائر بشرية جماعية أو مأساة واسعة النطاق.
- الحزن المحروم، أو الحزن الخفي: أن هذا النوع من الحزن يحدث في أي وقت يشعر فيه شخص ما بأن المجتمع قد حرمه من “حاجته أو حقه أو دوره أو قدرته على الحزن”.
• كيفية معالجة الحزن
تقول عفت أبوالخير، عندما لا يشعر الشخص بأن حقه في الحزن والفجيعة معترف به، فقد يشعر بالعزلة، يمكن أن يساعد فهم أنماط الحزن الخاصة بكل شخص لإيجاد طرق لكيفية دعمه، على أن هناك العديد من الطرق التي يمكن أن تساعدك كمحاولة للتغلب على الحزن ومنها:
- إظهار المزيد من المشاعر: يميل الأشخاص الحزينون البديهيون إلى إظهار المزيد من المشاعر والتعامل مع خسارتهم من خلال مشاركة مشاعرهم مع الآخرين نحو مزيد من الدعم والتفهم.
- إطار لمعالجة حزنك: سيساعدك تأطير الحزن وتحجيمه أو وضعه بإطار مناسب لا يتجاوزه، بغض النظر عن مكان وجودك في رحلة الحزن.
- وصف خسارتك. تعد تسمية خسارتك وأي خسائر مرتبطة بها جزءًا مهمًا من قبول حقيقة الخسارة.
- اكتشاف ما هو مختلف: فبعد خسارة كبيرة، ستكون مختلفًا. ما تحتاجه قد يكون مختلفا أيضًأ، ومن ثمّ فقضاء بعض الوقت في استكشاف هذه الأشياء التي اختلفت بك أو بحياتك يساعد في توضيح هويتك الآن بعد الخسارة.
- تصور حياتك المستقبلية: مع الخسارة الكبيرة، قد يكون من المغري القفز مباشرة إلى “ماذا الآن؟” خذ وقتًا للاعتراف بخسارتك واستكشاف ما هو مختلف الآن.
• كم من الوقت يجب أن يستمر الحزن؟
تؤكد عفت أن الحزن الطبيعي يمكن أن يستغرق من 6 أشهر إلى عامين ليهدأ. في حين قد يستمر الحزن المعقد والمحروم، خاصة بدون الدعم (وذلك حسب جمعية علم النفس الأمريكية)، لافتة أنه بالنسبة لمعظم الناس، فإن الحزن يختفي مع مرور الوقت والاهتمام، حيث يميل الحزن، خاصة الناتج عن الخسائر الصغيرة، إلى الاختفاء بسرعة أكبر بمجرد الاعتراف به. وعلى الرغم من أن إدراك حزنك ومدى تأثيره على حياتك اليومية ومعالجته ليس بالأمر السهل. إلا أن أعمال الرعاية الذاتية قد تساعدك في النهاية على الانتقال إلى الجانب الآخر ومواصلة الحياة.