حينما لا نكون كما يجب
تستوقفني المشاهدُ التي تجعلُ الشخصَ فاقداً للسيطرةِ، أياً كان السببُ، سواءً أعلنها بضجيجه، أو بارتباك كلماته وصوته، أو بردِّ فعلٍ لا يشبهه حسبَ معرفتي به.
ربما أشاهدُ، لأواجه نفسي بما لا أعرفه عنها، فلا يعني أننا التقطنا تصرُّفاً خاطئاً، صدرَ من أحدهم، لم نرتكبه حتى الآن، أننا معصومون، أو أننا أكثر تهذيباً وهدوءاً منه، أو أننا نعرفُ أنفسنا بشكلٍ قاطعٍ، يؤكِّدُ متى نتصرَّفُ، ومتى نتوقَّفُ، ومتى نكونُ كما نريد. نحن فقط مختلفون فيما بيننا بما يُفقِدنا أنفسنا، ونختلفُ مع أنفسنا كلَّ يومٍ، وحسبَ الظروفِ، يا صديقي.
ما الأسبابُ، أو المواقفُ التي تجعلنا غير جيدين من وجهةِ نظرنا، أو من وجهةِ نظرِ الآخر، حسبَ المعاييرِ الطبيعيَّة لوجودنا البشري، ومتى نفقدُ هدوءنا؟! ومتى يخوننا التهذيبُ؟ ومتى ترتبكُ تصرُّفاتنا، ونتشكَّك بأنها لنا؟
تلك الأحداثُ التي تجعلنا نبالي، وبطريقةٍ مُبالغٍ فيها، وتُبعدنا عن الهدوءِ المألوفِ، تلك الأسبابُ التي لا تلتفتُ لنا، ولا تجعلنا قادرين على وضعِ حاجزٍ بين ما نشعرُ به، وبما نتصرَّفُ نتيجةً لهذا الشعورِ، وجميعنا معرَّضون بأكثر من طريقةٍ لهذه الحالاتِ التي نقولُ عنها “لسنا كما يجب، أو لسنا كما نحن، أو لسنا ما نريد أن نكون عليه”.
لا نكون كما يجب حينما نُهانُ، أو يُنتَقصُ من قيمتنا، أو حينما نعتقدُ أن الآخرَ يعرفنا جيداً، فنكفُّ عن تعليمه مَن نحن، وماذا نريد، من ثم نُسرِعُ في معاقبته على حساسيَّته المتدنية، وحينما نمارسُ لعبةَ تحويلِ المشاعرِ لنرتاحَ منها، فنفقدُ قدرتنا على تمييزِ مشاعرنا الأصيلةِ، ويصدأ بعضها، فلا يصبحُ صالحاً للاستخدام، فنستعينُ كلَّ مرَّةٍ بمشاعرَ خاطئةٍ، تُربكنا، وتُربك مَن حولنا.
لا نكون كما يجب حينما لا نملكُ أشخاصاً يُحبوننا كما نحن، ولا ترتبطُ محبتهم بإنجازاتنا، ولا ببريقنا، ولا تؤثِّرُ بهم إخفاقاتنا المتكرِّرة. يقولُ آلان دوبوتون واصفاً تأثيرَ هؤلاء الأشخاصِ فينا: “إن معرفةَ المرءِ أنه سيظلُّ محبوباً مهما وقعَ له في العالمِ شرطٌ مسبقٌ لأن يكون أداؤه حسناً، فهذه معرفةٌ، تزوِّده بالطاقةِ اللازمةِ لخوضِ المخاطرِ، والإحساسِ بالقوَّةِ من غير السماحِ للقلقِ الشديدِ بأن يقف حجرَ عثرةٍ في وجه الأداءِ الناجح”.
لا نكون كما يجب حينما نحرصُ على أن نُعجِب أحدهم فنفقدُ تلقائيَّتنا، وبساطتنا، وحقيقةَ مَن نحن، ولا نكون كما يجب في الوداعِ، وفي الرحيلِ المفاجئ، وفي الفقدانِ القاسي، أو حينما نملكُ صوتاً داخلياً، تجتمعُ فيه كلُّ الأصواتِ اللائمةِ المنتقدةِ التي سلَّطناها علينا.
ولا نكون كما يجب في أماكنَ، وعند أشخاصٍ، يجعلوننا أضيقَ روحاً وابتسامةَ وهدوءاً كما نريد.