ديفيد بينيديك يروي لـ “سيدتي” قصة نجاحه وشغفه بابتكار العطور
في عام 2016، ظهر في عالم العطور اسم جذب اهتمام العالم؛ شاب فرنسي طموح، ألهمته حديقة جدته في باريس بزهورها العطرة التي تتفتح مع كل موسم ربيعي، ورائحة شواطئ جزيرة كورسيكا عند غروب الشمس. آمن بنفسه وبأحلامه ورؤيته، وسعى ليبقي العلامة خارج التجاذبات التجارية، ليكون عطره قيمة بحد ذاتها؛ تروي حكايات جميلة وتفتح نقاشاً حول صناعة العطور المتخصصة المعاصرة. زار الرياض منذ ست سنوات، وعاد إليها اليوم حاملاً أحدث إصداراته من العطور الفاخرة، وقصة نجاح مذهلة؛ كتبت في ثماني سنوات فقط، لكنها نشأت في مخيلته منذ أن كان طفلاً صغيراً.
“ديفيد بينيديك”، مصمم العطور الشهير ومؤسس علامة BDK Parfums، في ضيافة “سيدتي”، لنروي معه حكاية رائد أعمال وصلت رائحة عطره لكل مكان في العالم.
قادتني مخيلتي
ما مقدار الشجاعة والعاطفة والثقة التي تطلبها إطلاق علامة تجارية للعطور عندما كان عمرك 24 عاماً فقط؟
بدأت العمل على الحلم مبكراً، لكنني عندما أطلقت علامتي التجارية BDK Parfums بشكل رسمي، كان عمري 26 عاماً، كان شغفي بالعطور قوياً جداً، وكنت واثقاً جداً مما أريده؛ وهو إنشاء دار عطور خاصة بي، لم أفكر في التحديات التي سوف أواجهها، وحدها مخيلتي ما كان يقودني.
نجاح مبهر في ثماني سنوات فقط، بينما استغرقت العلامات التجارية الأخرى عقوداً وعقوداً من الزمن لتحقق نجاحاً مماثلاً، ما هو سر نجاحك؟
أعتقد أن أهم نقطة، عندما تريد إنشاء علامة تجارية جديدة، سواء كان ذلك في مجال العطور أو الموضة، هو أن تكون مبدعاً وأصيلاً، لست مطالباً أبداً بإرضاء الجميع؛ لأن في النهاية كل شخص لديه نظرة مختلفة للأشياء، لقد حققت BDK Parfums هذا النجاح بسبب الإبداع والجودة والأصالة، وهي القيم الأساسية للدار، وأعتقد أن عملاءنا يرون ذلك أيضاً، وأشعر بفخر كبير؛ لأن شركة BDK Parfums تنمو وتزدهر على مرّ السنين.
ليس هذا فحسب، بل إن عطورك رشحت وفازت بجوائز عالمية، ماذا الذي يعنيه ذلك بالنسبة لك؟
كان ترشيحي من قبل مؤسسة العطور في الولايات المتحدة وفي باريس بمثابة علامة فارقة بالنسبة لي ولشركة BDK Parfums، فاز Velvet Tonka بجائزة أفضل عطر متخصص في فرنسا في عام 2022، وفاز Gris Charnel Extrait بجائزة أفضل عطر استثنائي في الولايات المتحدة في عام 2023، ويا لهما من إنجازين مهمين! من الرائع دائماً أن يعترف القطاع الذي تعمل ضمنه بالجودة والإبداع الذي تقدمه في السوق، أشعر بالامتنان فعلاً.
حديقة جدتي مصدر الإلهام
أماكن محددة مثل شرفة جدتك والشاطئ كانت مصدر إلهام لك، أخبرنا عن ذلك؟
منذ طفولتي، شهدت تفتح الزهور في كل فصل ربيع في حديقة شرفة جدتي في باريس، كانت تحب الزهور كما أحبها أنا، وذلك ألهمني كثيراً، وكان مشهد تفتح الأزهار بمثابة عرض مبهر أسعدتني رؤيته منذ أن كنت طفلاً! وهذا كان مصدر الإلهام خلف أول عطر ابتكرته على الإطلاق، Bouquet de Hongrie. أيضاً، خلال فصل الصيف، كنا نذهب معها كل عام إلى كورسيكا، وظلت رائحة الشواطئ والصخور عند غروب الشمس محفورة في ذاكرتي دائماً، ثم ألهمني ذلك لإصدار Sel d’argent.
جميل أن تقدم عطوراً تحمل قيمة رمزية بالنسبة لك كعطر Bouquet de Hongrie، ما أبرز مكونات هذا العطر؟
صحيح، عطر Bouquet de Hongrie هو أول عطر قمت بتصميمه على الإطلاق، وأتى كتكريم لتراث جدتي التي علمتني صناعة العطور، ونقلت لي حب العطور. جدتي ولدت في رومانيا لكنها كانت تتحدث اللغة المجرية. ولهذا السبب قمت بتسمية هذا العطر Bouquet de Hongrie، فالعائلة مهمة جداً بالنسبة لي، وهذا العطر هو عبارة عن باقة من الزهور المائية، ذات الرائحة العطرة، المكونات العليا شملت الكمثرى والكشمش الأسود والفراولة، أما قلب العطر فتكوّن من الورد والياسمين، والقاعدة من المسك، منعش ومبهج في الوقت نفسه.
قلب الصناعة
صناعة العطور باتت اليوم مشبعة بالعلامات التجارية الجديدة. أعطنا 5 خصائص رئيسية في علامتك التجارية تتميز بها لتصمد في هذه المساحة الصعبة؟
سأقول إن BDK Parfums تتمتع بالأصالة، باريسية جداً، زاخرة بالإبداع، مستقلة، وخالدة.
تقول: عندما أنشأت BDK، لم أشعر برغبة في تصميم مفهوم فقط، بل أردت حقاً استحضار التراث والتقاليد الباريسية الرائعة لصناعة العطور، ولكن مع لمسة عصرية، أخبرنا عن هذا الهدف؟
أعتقد أنه عندما تصبح العلامة التجارية مفاهيمية للغاية، فإنك تفقد الغرض من السبب الذي دفعك إلى إنشائها. أنا لست شخصاً يعتقد أنه عليك دائماً تبرير إبداعك. إن كونك مفاهيمياً للغاية، في رأيي، سيأخذ الناس بعيداً عن جمال صناعة العطور. مع BDK Parfums أردت فتح النقاش حول صناعة العطور الفرنسية الحديثة والمعاصرة، فقط لا غير.
درست في المعهد الفرنسي للموضة (IFM)، كيف أسهم ذلك في بناء قلعة الإبداع الخاصة بك؟
أمضيت في IFM وقتاً جميلاً أثناء دراستي، وهو بمثابة بوتقة ينصهر فيها الإبداع، لقد التقيت بالعديد من الأشخاص الملهمين من جميع أنحاء العالم، وبعضهم أصبحوا اليوم أصدقائي المقربين. منحني هذا القدرة على الدخول إلى قلب الصناعة، وعندما كنت أدرس هناك، تدربت مع فريق Givaudan لأحظى بمعرفة عميقة حول صناعة العطور. وأعتقد أنني تعلمت صناعة العطور مع مجموعة من أفضل صانعي العطور والمدربين، وأجد أن العلاقة بين الموضة والعطور قوية أيضاً، وقد تمكنت من فهم العلاقة بين هاتين الصناعتين.
فيما يتعلق ببدايات علامتك التجارية، ما هي التحديات الرئيسية التي واجهتها؟
كان التحدي الرئيسي الذي واجهته هو التعريف بشركة BDK Parfums من الصفر والعثور على الأشخاص المناسبين لتوزيع العلامة التجارية. في البداية، كنت جديداً في هذه الصناعة، وكان عليَّ أن أثبت جدارتي وتميزي.
هل يمكنك أن تصف لنا العملية الإبداعية الكاملة وراء صناعة العطر؟
أحب ربط المواد الخام بالألوان والقوام. عندما أتخيل تركيبة بناء على مادة خام معينة، أفكر أولاً أن أعطي لوناً لعملي. على سبيل المثال، إذا اخترت خشب الصندل، فسوف أفكر في اللون الرمادي والكريمي، بعدها أفكر في الرسالة التي أريد إيصالها إلى العالم. ودائماً ما تأتي التركيبات واختيار المواد الخام في المقام الأول.
في هذا السياق هل تعرفون الفرق بين العطور الاصطناعية والطبيعية.. أيهما الأفضل بالنسبة لكم؟
الزيارة الثانية إلى الرياض
غالباً ما تتم فعاليات الإطلاق الرسمية في باريس، ولكنكم بدأتم إطلاق أعمالكم في بلدان مختلفة مؤخراً، فهل هذا هو سبب وجودكم هنا اليوم في الرياض؟
نعم! باريس هي قلب BDK Parfums، ولكن العلامة التجارية مستوحاة أيضاً من العالم. أعتقد أنه من المهم السفر حول العالم وبناء علاقات مع الناس. كثيراً ما أقول إنني مواطن عالمي لأنني أرغب دائماً في اكتشاف ثقافات جديدة والتعرف إلى أشخاص جدد. أنا هنا اليوم في الرياض أولاً وقبل كل شيء لأنني أفتقدها، أتيت إلى الرياض للمرة الأولى قبل 6 سنوات، وبقي في ذاكرتي مدى ترحيب وضيافة الشعب السعودي، وأنا هنا من جديد لأطلق أحدث عطوري 312 Saint Honore وهو في الواقع اسم عنوان متجرنا الرئيسي الأول في باريس.
هل تم تصميمه ليكون مناسباً للناس في المنطقة والسعودية بالتحديد؟
لا أصنع عطراً لسوق محدد أبداً، هذا تجاري للغاية، وعلى العطور المتخصصة أن تحافظ على هذه الرؤية الأصيلة، عندما أقوم بإطلاق عطر جديد، فإنني أركز على كيفية إضافة شيء مختلف إلى عالم العطور، لكن أعتقد أن عطر 312 Saint Honore سينال استحسان الناس في المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط؛ لأنه يتضمن المسك الأبيض المركز والثابت، كما أنه منعش ومليء بالأحاسيس في الوقت نفسه، وأعتقد أنه سيتطابق بشكل جيد مع أذواق الناس هنا.
أصبح السوق السعودي مكاناً جذاباً للمبدعين من جميع أنحاء العالم، ما رأيك في هذا؟
أرى أن السوق السعودي مزدهر جداً حالياً، وأنا سعيد بالعودة اليوم وأشعر بالذهول لرؤية كل التطور الذي تشهده البلاد. يتمتع الشعب السعودي بمعرفة كبيرة بالصناعات الإبداعية وعلاقتهم بالدور الإبداعية عميقة، كما أنهم منفتحون حقاً على الابتكار والحداثة، لذا لمن دواعي سروري التحدث مع العملاء هنا.
كيف تصف العلاقة بين العملاء العرب وعطوركم؟
أعتقد أن العلاقة بين العملاء العرب وشركة BDK Parfums قوية. ولدت والدتي في المغرب، وهذه الخلفية الشرقية ألهمتني دائماً. أحب الروائح القوية والمواد الخام العميقة؛ مثل الأخشاب والعنبر والمسك، وهذا التراث يظهر في العديد من عطوري. أعتقد أن العملاء العرب لديهم الآن الكثير من الأذواق المختلفة، كما تعلمون أرى أنه في السعودية على سبيل المثال الناس يحبون الروائح المنعشة كرائحة الأزهار والمسك والأخشاب، وأنواعاً مختلفة من الروائح، وأعتقد أن BDK PARFUMS تقدم مجموعة واسعة من هذه العطور.
عالم الأصوات المسموعة
ريادة الأعمال هي عالم العقول المبدعة والأصوات المسموعة، ما هي نصائحك لرواد الأعمال في مجال العطور؟
نصيحتي الرئيسية للأشخاص الذين يريدون يوماً ما بناء دار العطور الخاصة بهم؛ هي أن يكونوا صادقين جداً في توجههم، وأن يفعلوا ذلك لسبب وجيه، أعتقد أن عالم العطور يتعلق بالإبداع، لذا عندما تريد دخول هذا السوق، عليك تقديم عنصر جديد ومفاجئ للناس، ولا تخف من إظهار رؤيتك رسمياً للعالم، فمن خلال إظهار تفردك ستكسب حب الناس لعملك، لذا مهما كان ما تريد القيام به، اتبع رؤيتك مهما كانت، وكن محاطاً بأشخاص طيبين يريدون لك النجاح. كن أول من يؤمن بنفسك.
هل لديك ما تقوله في الختام؟
نعم، أنا سعيد جداً بعودتي إلى السعودية والشرق الأوسط، لقد كانت هذه دائماً المنطقة التي ألهمتني كثيراً. لا أستطيع الانتظار لأرى ما سيجلبه المستقبل لشركة BDK Parfums وأنا فخور جداً بالعلاقات التي تربط العلامة التجارية بعملائنا في المملكة العربية السعودية.
أقيمت في الرياض أيضاً فعاليات عديدة في مجال العطور والروائح وعلاقتها بالتراث والثقافة ومنها عطور الشرق: تجربة شمية حسية غامرة في المتحف الوطني السعودي