رائد صناعة العطور باولو تيرينزي: تأثر أسلوبي بالثقافة العربية
جيل ثالث من عائلة تيرينزي الإيطالية التي توارثت عشقها للابتكارات العطرية من شموع وعطور ومنتجات العناية الشخصية، يمثله اليوم رائد صناعة العطور باولو تيرينزي، الذي حرص مع شقيقته تيزيانا على أن يحملا هذا الإرث بأمانة ويقوداه نحو المزيد من التألق والتفرد، أسسا علامتهما التجارية “تيزيانا تيرينزي” استكمالاً للرحلة العائلية المليئة بالمحطات الملهمة، وغاصا في رحلة الإبداع حتى أعماقها مرتكزين إلى الحياة كمصدر إلهام بكل ما فيها من الجمال كما وبكل ما فيها من اللامثالية.
وأثناء تواجده في العاصمة السعودية الرياض للحديث ضمن فعالية خاصة عن فن تركيب العطور، سيدتي التقت باولو تيرينزي؛ لتطلع منه على ميزات العلامة وتطلعاتها لها لا سيما في ما يتعلق بالسوق السعودي وعن أبرز نصائحه لرواد الأعمال المهتمين بقطاع العطور.
التحول المذهل
ما أهمية تواجدك في الرياض اليوم؟
اليوم نحن هنا لنتحدث عن فن تركيب العطور، وهو مشروع بدأته مع تيزيانا تيرينزي منذ 10 سنوات أو أكثر، ضمن مجموعتنا “لونا”، قمنا بابتكار عطر “لونا ستار”، كجزء من هذا الهرم المتوهج، وكأننا في رحلة بين المجرات وبين النجوم لإنشاء تأثيرات الطبقات من العطور، أعلم أن الحديث عن الطبقات أو التركيب شائع جداً الآن، وفي الثقافة العربية من الطبيعي جداً أن يقوم كل شخص بتركيب طبقات من العطر؛ إذ إنهم لديهم الموهبة للقيام بذلك بأنفسهم، واليوم نحن هنا لنقترح نهجاً جديداً للتركيب لتكون عملية فريدة من نوعها؛ لأن ما يبحث عنه عملاؤنا هو التفرد.
بالنسبة لي هذا مهم جداً، أولاً وقبل كل شيء لأنني بدأت مسيرتي في دولة خليجية، وأنا أحب الثقافة العربية، وأشعر بانجذاب كبير إليها، وأتعلم الكثير من هذا المكان، أحب الرياض وأحب المملكة، أسافر إليها منذ عام 2004، وأحصل على الإلهام، وأحب كوني شاهداً على هذا التحول المذهل والعصري الذي حصل هنا، رائع للغاية.
هل تلهمك الثقافة العربية حقاً كما تقول؟
في بداية مسيرتي المهنية، من بين الأشياء التي اعتاد الناس أن يقولوها لي كنقد أحياناً هو أن مجموعاتي تبدو عربية جداً، لكن كما تعلمون، أنا أرى أننا نتقاسم الثقافة نفسها، فنحن بشكل أو بآخر مزيج مندمج من ثقافة البحر الأبيض المتوسط، وأعتقد أنه في علامتنا لدينا العديد من الجينات المتنوعة، وهناك بعض الإلهام من العود، وأنا تعلمت كيفية استخدام العود في البلدان العربية؛ لذلك أعتقد أن أسلوبي متأثر بهذه الثقافة العربية، وبالمناسبة أنا أحب الثقافة البدوية كثيراً.
ما هي انطباعاتك حول عملاء العلامة في المملكة؟
فيما يتعلق بالعملاء السعوديين، فهم بالتأكيد متطورون للغاية ومتطلبون للغاية، وفي بعض الأحيان يكون من الصعب فهمهم بشكل أفضل؛ لأن لديهم معرفة كبيرة في العطور بسبب ثقافتهم وخبراتهم، وأنا أحب أن أكون هنا، فهذا يمثل تحدياً كبيراً لي، وفي كل مرة أتعلم شيئاً ما، إنه دائماً أمر ممتع.
ما هي تطلعاتك للعلامة في السوق السعودي؟
أحلم وأخطط لافتتاح متجر “تيزيانا تيرينزي” هنا قريباً جداً، حيث يمكننا التعبير عن رؤانا ضمن فن صناعة العطور من خلال علاماتنا التجارية، وأتطلع إلى اختيار موقع جميل جداً هنا في الرياض، وربما أيضاً في جدة، وبذلك نحتفي بما نحن عليه منذ سنوات.
هل تعرفون أن علامة إيطالية أخرى اختارت الرياض أيضاً لإطلاق أول عطر لها؟ لمزيد من التفاصيل اقرؤوا: فيري فيرنزي تطلق عطرها الأول من الرياض: فاخر كمجوهراتها
استكشاف الحدود الجديدة
كيف تصف نفسك لقراء سيدتي؟
أنا أصف نفسي دائماً بالاندفاع وعدم التقيد لأنني أحب استكشاف الحدود الجديدة غير المألوفة في صناعة العطور، ولا أتبع النمط التقليدي، ولكن أحاول أن أستلهم من النمط التقليدي عناصر لاستخدامها في المستقبل، والمستقبل بالنسبة لي هو محاولة تحويل العواطف إلى الفن السائل الذي هو العطر.
ما الاستراتيجية التي تعتمدها لقيادة الشركة نحو النجاح؟
بداية، أنا لست وحدي لأنني أشارك كل شيء مع أختي تيزيانا، أنا صانع العطور وهي المصممة، وهاتان الروحان مع كل التناقض والتقارب، تنتجان القوة المناسبة لهذا العمل، لذا إنه أسهل بكثير مما تفكرون فيه؛ لأن هذين القلبين يولدان عناصر الجمال العجيبة، ونحب أن نقول دائماً إننا صانعا العجائب.
هذا الجو العائلي والشراكة العائلية في العمل كيف كانت حافزاً لك ولشقيقتك؟
قيادة الشركة العائلية هي امتياز كبير ومسؤولية كبيرة أيضاً، أنا وأختي نتشارك كل شيء في مختلف المجالات، نحن نعتني بأقسام الشركة المختلفة، ولكن التركيز الرئيسي والهدف الرئيسي لنا هو كيف المحافظة على قيمة الشركة، ونحن نحب القيام بذلك وندرك أهمية الإرث الذي تلقيناه من جدنا ثم والدنا ونتمسك بمثالهم ودليلهم للسلوك الجيد في القيام بالأعمال وتنميتها والتعامل باحترام مع البيئة والزملاء والموظفين والعملاء بشكل أساسي.
أجيال توارثت الإبداع
ثلاثة أجيال توارثوا هذا العمل وأنت تمثل الجيل الثالث، ما الذي أضفته لأعمال العائلة؟
هذا سؤال جيد، أعتقد أنني وضعت روحي في هذا العمل، بالطبع أتبع خطى جدي وأبي، لكنني حاولت استكشاف منطقتي التي أنا أتميز فيها أكثر بموهبتي، وفي الحقيقة لقد مزجت ما بين روح رائد الأعمال وروح فنان صناعة العطور بطريقة ما، قمت بدمج هاتين المهارتين وفتح المزيد من الفروع وهذا لم يكن من قبل، نحن موجودون الآن في 120 دولة من أهم الدول، ولدينا 13 متجراً رئيسياً في أهم العواصم العالمية وما زال في جعبتنا الكثير من الأحلام.
ما هي أبرز الاختلافات بين الأجيال الثلاثة من عائلة تيرينزي؟
لا أعتقد أن هناك اختلافات كبيرة جداً بين الأجيال الثلاثة؛ لأن قيمة الأسرة، وبذور عائلة تيرينزي، وأسلوب الحياة الحلوة (بالإيطالية: La Dolce Vita)، وحب الجمال، هي نفسها بالنسبة لنا جميعاً، مع الشغف والفضول للتعلم والدراسة وتطوير أنفسنا هو ذاته بالنسبة لنا كلنا، ربما ما يجعلنا مختلفين قليلاً عن بعضنا البعض هي الفترة التي عشنا فيها أو المجتمع والبيئة المحيطة، لكنني أعتقد أن لدينا أوجه تشابه أكثر بكثير من الاختلافات.
وبالحديث عن العائلات التي تتوارث النجاح وتحافظ على استمرارية أعمالها لأجيال، تعرفوا على أقوى 100 شركة عائلية عربية في 2024 وفق فوربس
اللامثالية الجميلة
سافرت كثيراً، وزرت بلداناً مختلفة، كيف مكنك هذا من تعزيز مصادر اللإلهام؟
لقد كنت أسافر كثيراً بالفعل، أسافر سنوياً لمسافة 850.000 ميل، لذا نعم، لقد زرت العديد من الأماكن والبلدان، وأعتقد أن هذا هو أحد أبرز المصادر الرئيسية لإلهامي؛ لأن مقابلة الأشخاص والتعرف إلى ثقافات مختلفة، وفهم البيئة التي لا تقتصر على المناظر الطبيعية المحددة فحسب، بل الأشخاص من حولك، والثقافة المحيطة، كل هذا هو مصدر للإلهام، وبالنسبة لي، أي لحظة وأي لقاء يمكن أن يكون مصدراً للإلهام وربما يشكل مستقبل العطور.
ما هو مصدر الإلهام الرئيسي بالنسبة لك؟
بالنسبة لي، مصدر الإلهام هو الحياة، الحياة هي مصدر إلهامي، والسفر بالطبع، وهذا واضح في تيزيانا تيرينزي، هي رحلة لا تنتهي أبداً، النار والموقد واللحظات التي يشارك فيها الناس أحاسيسهم العميقة، ويحاولون أن يتقربوا أكثر من بعضهم البعض، هذه لحظات مهمة جداً في الحياة، وهذا ما حاولت التمسك به؛ لأنني أحب أن أستلهم من الحياة والحياة جميلة، ولكنها ليست مثالية، لذلك حتى في عطري أحب أن أبدع في تجسيد هذه اللامثالية، وهذا الحماس الذي يتملكك لكي يجعلك فريداً، نحن جميعاً فريدون ونبحث عن هذا التفرد.
تصفون منتجاتكم على أنها أطفال العائلة، فسر لنا ذلك؟
بداية، يجب أن تعلموا أننا في شركتنا نقوم بكل شيء بأنفسنا، بدءاً من وجهة النظر الإبداعية، مع قيام أختي بالتصميم، وأنا بصناعة العطر، وكل الإنتاج بما يشمل من مكونات يتم تصنيعه في الشركة، وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة لنا لأن كل زجاجة عطر وكل شمعة هي قطعة إبداعية، نحن نبتكرها تماماً، لذلك بالنسبة لنا هم مثل أطفالنا، وربما يكون هذا هو الاختلاف الرئيسي عن بقية العلامات في السوق كوننا ننتج بشكل كامل، وأعتقد أن هذا مهم جداً؛ لأن هناك كيمياء خاصة، ولمسة سحرية مرت عبر الأيدي الماهرة للمتعاونين، والشركاء، والموظفين، ونحن أنفسنا، ومن خلال الزجاجة والشمعة نصل إلى العميل بهذه الكيمياء السحرية الفريدة وغير المتكررة، لذلك هذا ما نفعله، نعاملهم بكل الحب والصبر كما لو كانوا أطفالنا.
رسالة للعالم ولرواد الأعمال
تواجدت العلامة في العديد من المحافل العالمية، ما الرسالة التي حملتموها خلال ذلك؟
تمت دعوتي للحضور شخصياً في العديد من الأحداث والأماكن، وعادةً ما تكون رسالتي هي نفسها، أولاً وقبل كل شيء احترام وحب بعضنا البعض، ومحاولة إيجاد توازن جيد مع الحياة، وتحقيق الانسجام مع الكون، ولكن ما يهمني أيضاً هو التحدث مع عملائنا، العملاء المخلصين، محبي العطور الحقيقيين؛ لأننا نعيش في عصر معين حيث تتغير الفئة المتخصصة، وعلينا أن نركز بشدة على ما يعنيه ذلك فنياً، وبالنسبة لي، فإن صناعة العطور في الوقت الحاضر ترتكز على الطابع الفني، وهذا ما نقدمه، ففي متاجرنا وخاصة المتجر الموجود في روما، سنقدم العطر المصمم بشكل خاص الذي يعد عطراً حصرياً ومصنوعاً لشخص واحد، والعديد من الشخصيات كلاعبي كرة القدم والفنانين والأمراء والملوك سيأتون إلى متجرنا للاستمتاع بهذه التجربة، وهذا يشكل الوجهة المقبلة لصناعة العطور، وهذه هي الرسالة التي سننقلها للجميع، ومفادها أنك لا يجب أن تكون شخصاً عادياً فقط، بل عليك أن تبحث عن جوهر تفردك.
اليوم ما هي نصائحك للشباب والشابات الذين يرغبون بدء مشوارهم كرواد أعمال في مجال العطور؟
نصيحتي لرواد الأعمال هي ألا تستسلموا أبداً، فهي مهنة صعبة للغاية وفي كل يوم ستكونون أمام اختبار جديد وسيحكم عليكم السوق، لذا لا تحاولوا أن تكونوا دائماً في القمة على مدار الوقت، ولكن حاولوا أن تكونوا ثابتين، ادرسوا كثيراً، وحاولوا أن تكوّنوا فكرة واضحة، وأن تتبعوا أحلامكم ورسالتكم، فإذا كان الطريق واضحاً في ذهنكم فسوف تنجحون بالتأكيد.
اقرؤوا معنا أيضاً الحوار المميز مع رائدة الأعمال خديجة الخرتيت التي قالت : من مصلحة مجتمعاتنا الاستفادة من طاقة المرأة