صفية بن زقر أيقونة فنية سعودية وضعت اللبنة الأولى للفن التشكيلي بالمملكة
استطاعت التشكيلية السعودية صفية بن زقر بروحها الحرة ووجدانها النابض وأحاسيسها المتدفقة وإبداعات أناملها السحرية المتدثرة بعشقها الأبدي لتراب الوطن، هذا العشق السرمدي الخالد المستقر بين جوانحها، والمسيطر على فكرها والمحرك لعقلها، أن تحفظ شواهد حضارة الوطن وموروث ثقافته وإرث عروبته من تراث وتقاليد وعادات وفنون، وتعبر عنها بأدق التفاصيل وأروع اللحظات المتوغلة بين الطيات والثنايا عبر حكايات وقصص ومواقف في لوحاتها الغنية مجسدة نوستالجيا وسحراً لا ينتهيان لزمن الآباء والأجداد منذ الطفولة وفي الصبا وفي أسفارها المتعددة وقبل عصر النفط وصولاً لعصرنا الحديث.
فنانة مفتونة بتراث الأجداد
لطالما عبرت صفية بن زقر عن افتتانها بالحياة الفطرية التي عاشها الأجداد بما تحمله من سياقات إبداعية كرستها الطبيعة البكر الغضة، وفرضتها البيئة القاسية والتي سبغت الحياة والبشر، وخلقت فنوناً مدهشة مثلت الإلهام الرئيسي لفنونها، فقد استمدت حكايات لوحاتها من الحياة اليومية بموطن نشأتها الأولى، ومن الثقافة المحلية والعادات والتقاليد المتعلقة بها خاصة فيما يتعلق بالأنوثة والهوية الشخصية والمجتمعية ومختلف القضايا ذات الصلة بالمجتمع السعودي، حيث غاصت في تفاصيل الحياة اليومية، وانغمست في دقائق وجزيئات ترجمتها في موضوعات، وصورتها في لوحات عن الحياة التقليدية والعادات الاجتماعية في المملكة، مثل ألعاب الأطفال، السوق، وجلسات السمر، وطقوس الزواج، والحج، والحرف مثل غزل الصوف وغيرها، حتى أنها صورت العديد من الممارسات القديمة التي كانت في عصرها، لتجذب انتباه المشاهد ليذهب بمخيلته لأبعاد أخرى تسمح له بالانغماس في القصص التي تثيرها اللوحات، ويتعرف إلى تاريخ وتراث المملكة العربية السعودية.
قد ترغبين في التعرف إلى ما قالته الفنانة التشكيلية الشهيرة الفريدة فريدا كاهلو عن الحب والحياة؟
فنانة شابة تجمع قصص الماضي قبل أن تلتهمها ذاكرة الزمن
وفقاً لموقع destinationksa.com، ولدت صفية بن زقر في العام 1940، في جدّة لعائلة ثرية من التجار، وانتقلت إلى القاهرة عندما كانت في السابعة من عمرها، درست حتى المرحلة الثانوية لتنتقل لمدرسة سانت مارتنز للفنون في لندن في أواخر الستينيات.
عند عودتها رأت بلدها من جديد، وبدأت في جمع القصص عن الحياة التقليدية هناك قبل أن تتلاشى ذاكرتها الحية، فقد كانت بن زقر تدرك تماماً عدم وجود تاريخ مكتوب لشبه الجزيرة العربية، فضلاً عن المفاهيم الخاطئة في التواريخ الموجودة والتي، كما لاحظت، غالباً ما كانت مكتوبة من قبل المستشرقين، والمقيمين في الغرب، ومن ثمّ فقد رأت أن دورها هو توثيق هذا التراث الغني الأصيل، فبحثت بدقة في الممارسات الفلكلورية والتراثية والعادات الاجتماعية ما بين الأشخاص الذين قاموا بها بالفعل، وبدلاً من أن تعمد لتصويرها تصويراً غامضاً أو حداثياً رسمتها وأبدعتها وفق المدرسة التأثيرية المتدثرة بعباءة الأسلوب الانطباعي؛ لكي تكون كل لوحة شاهداً يوثق بدقة ووضوح الحياة التقليدية في الخليج بالقرن الماضي قبل التحديث أو ظهور النفط، فبدأت بإنتاج رسومات بسيطة ثم طورت مهاراتها، بعد سنوات من الدراسة والممارسة الخاصة، باستخدام وسائل مختلفة، تتراوح من الطلاء الزيتي والألوان المائية والباستيل والرسم والنقوش، وقد تأثر أسلوبها الفني بأساليب كبار الفنانين التأثيريين أو الانطباعيين التشكيليين مثل: جيوتو فرا أنجيليكو وسيزان، كما ظهر تأثير فن شرق آسيا في العديد من لوحاتها، وقد لقبت في مرحلة من عمرها الفني بـ”سيزان السعودية” لظهور تأثرها بسيزان في سياقاتها اللونية.
بدأت شهرة بن زقر منذ ما يزيد على نصف قرن عندما أقامت أول معرض لها في المملكة العربية السعودية؛ مما وضعها على الفور على خريطة الفنانات الموهوبات في المنطقة. بعد عامين فقط من ذلك، في عام 1970، أصبحت أول امرأة تقيم معرضاً فردياً لأعمالها في المملكة العربية السعودية، في مدينة جدة وفقاً لصحيفة ذا ناشيونال thenationalnewscom، حيث لم تكن هناك صالات عرض في المدينة في ذلك الوقت، لذلك عُرضت أعمال بن زقر في دار التربية الحديثة، وهي مدرسة للبنات.
وإذا تابعت السياق التالي فستتعرفين إلى التشكيلية: فيث رينغولد التي تقدم فناً ملتزماً ملوناً ونسوياً في متحف بيكاسو
دارة صفية بن زقر أول متحف للفنون الجميلة بالسعودية
وفقاً لموقع thenationalnewscom، كانت صفية بن زقر مهتمة بشدة بالتنوع الثقافي المدهش ما بين القبائل في شبه الجزيرة وأشكال ملابسهم التقليدية وفنونهم المختلفة، حيث سافرت في جميع أنحاء البلاد للبحث وشراء أمثلة على الملابس والأكسسوارات التقليدية، ومن عام 1997 إلى عام 1999، لترسم سلسلة طويلة من اللوحات بالألوان المائية، كل منها بالحجم نفسه، تصور الملابس المحلية الإقليمية، فقد كانت ترى أن لكل جزء من المملكة عمارة وأسلوب حياة وأزياء مختلفة.
من أشهر لوحاتها الزبون، أو المعطف، وهي صورة ذاتية رسمتها بالعام 1969، حيث تنظر بهدوء إلى المشاهد، وهي ترتدي معطفاً أصفر ذهبياً وغطاء رأس أبيض، وهي اللوحة التي أُطلق عليها “موناليزا الحجازية”.
في عام 1995، قامت بتجديد منزلها وتحويله إلى دارة صفية بن زقر، وقد افتتحت دارة صفية بن زقر عام 2000، وهي مؤسسة تحتوي على مكتبتها ولوحاتها، فضلاً عن نتائج أبحاثها الطويلة التي استمرت عقوداً من الزمن في الملابس التقليدية للنساء ومجموعة متزايدة من الأزياء والمجوهرات من المملكة العربية السعودية، وقد اعتبر أول متحف للفنون الجميلة بالمملكة، وتدعم دارة صفية منظمة اليونسكو والجمعيات الخيرية كما تنظم العديد من المسابقات الفنية، ومنذ عام 2003 بدأت الدارة في تقديم المناظرة الشعرية السنوية بمشاركة المهتمات بالأدب العربي من مثقفات وأكاديميات.
رحيل “أم الفن” عقب مسيرة حافلة بالأداءات المذهلة
ببالغ الحزن والأسى تنعى #جمعية_الثقافة_والفنون رائدة الفن التشكيلي السعودي الفنانة #صفية_بن_زقر والتي وافتها المنية بعد مسيرة تشكيلية حافلة، وضعت فيها بصمتها المضيئة بالإبداع في مشهدنا الثقافي والفني.
أحر التعازي لأهلها وذويها وللوسط الثقافي والفني ونسأل الله أن يتغمدها برحمته pic.twitter.com/9NYhczjrFH— جمعية الثقافة والفنون بجدة (@SASCA_JED) September 12, 2024
نظراً لرحلتها الطويلة التي استمرت عقوداً من الزمان أُطلق على صفية بن زقر الفنانة الأيقونية السعودية “أم الفن”، وقد تم تكريم صفية بن زقر بالعديد من المحافل العربية والدولية، وحصدت العديد من الجوائز الرفيعة على رأسها وسام الملك عبد العزيز وتكريم مجلس التعاون الخليجي، وجائزة «كأس» ودبلوم «دي إكسيلانس» من جرولادورا عام 1982 وغيرها الكثير من الأوسمة والجوائز الهامة.
وقد ودعت المملكة أمس الخميس 12 سبتمبر 2024 أيقونة الفن السعودي، وأحد أهم رواد وأعمدة الفن التشكيلي بالمملكة “أم الفن”، حيث غيّب الموت صفية بن زقر عن عمر ناهز 84 عاماً، بعد مسيرة فنية طويلة، استطاعت خلالها أن تحفر اسمها وفنها بمداد من نور في المشهد الثقافي والفني الخليجي والعربي، وقد نعاها محبوها ومحبو الفن التشكيلي في مختلف دول العالم.
ماذا قالوا عن صفية بن زقر؟
- “عملها اتسم بالجدية والأصالة وتمثيل التقاليد والعادات الاجتماعية السعودية”. الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز آل سعود (الذي كان الرئيس العام لرعاية الشباب) رحمه الله.
- “تحكي هذه اللوحات قصة تراثنا وحياتنا الاجتماعية بكل تفاصيلها الغنية من الألف إلى الياء”. وهيب بن زقر (شقيق صفية بن زقر) رحمه الله.
- ” تتمتع صفية بن زقر بشرف كونها أول فنانة انطباعية سعودية أبدعت فن تسجيل التاريخ بالألوان، وبرزت وحدها بين معاصريها السعوديين، إذ اختارت أسلوبها الفريد من نوعه. أسلوب انطباعي حقيقي” د. محمد سعيد فارسي، رحمه الله، أول أمين لمحافظة جدة والمؤسس الأول لشكلها الحديث.
- “أحيي حسها بالمسؤولية كمواطنة وفنانة ساهمت من خلال المؤسسات العامة والخاصة في دعم الحركة الثقافية والفنية في بلادنا، ولا يسع المرء إلا أن يعجب بطموحها المتواصل لإحياء تراثنا والحفاظ عليه، وجعل فنها يخدم قضية هذا التراث” الفنانة منيرة موصلي (رسامة سعودية، ورائدة من رواد الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية)
- ” فنانة أبدعت أعمالها، ولم تكتفِ باستغلال كل مواهبها الفنية للتعبير عن العواطف والمشاعر، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك لتجعل من فنها سجلاً لفترة مهمة جداً من تاريخ بلدها، المملكة العربية السعودية في أوائل هذا القرن، والتي جاءت بكل آلاتها، وإيقاعها السريع، وتصنيعها، ومظاهره الغامرة والكاسحة، كالطوفان العنيف الذي يغطي ويغمر ويجرف كل ما يأتي في طريقه، لا يوجد بأي حال من الأحوال مجال للمقاومة أو المواجهة، لأنه بالإضافة إلى قوتها، فإنها تمتلئ بالإغراء والجاذبية والجمال الخارجي الساحر” دكتور محمد عبد المجيد فضل (قسم التربية الفنية، كلية التربية، جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية).
- “يمكن تعريف دارة صفية بن زقر بأنها متحف فني خاص صغير الحجم ولكنه كبير في أهدافه وتطلعاته”، “إن هذه الدارة تتويج لجهود وتجربة فنية للفنانة صفية بن زقر على مدى ثلاثة عقود، باعتبارها رائدة الحركة الفنية في المملكة العربية السعودية” د. محمد بن صالح الرصيص (قسم التربية الفنية، كلية التربية، جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية).
- “إن عمل السيدة صفية بن زقر يلبي رغبات العديد من الكتاب والمفكرين والمؤرخين والمهتمين بالفولكلور، فهي تمكننا من التعرف إلى العديد من مشاهد الحياة اليومية التقليدية، والتي لم يعد عدد منها موجوداً أو اختفى تقريباً”. عبد العزيز الرفاعي (أديب وشاعر سعودي، يُعد من أبرز أعلام الأدب السعودي)
ويمكنك التعرف إلى أحد فناني الهوية المحافظين على قيم التراث إذا تابعت الرابط: ينكا شونيبار يستكشف الهوية الثقافية عبر رسائل درامية ساخرة