ما سر الانجذاب لشخص معين؟

قد يجد الشباب أنفسهم منجذبين إلى أشخاص جدد بشكل مفاجئ، دون فهم واضح للأسباب الكامنة وراء هذا الشعور. هذا الانجذاب، الذي قد يحدث بسرعة، غالبًا ما يثير التساؤلات، خاصةً عندما يبدو أن الصفات الظاهرة للشخص الآخر لا تتوافق مع تفضيلاتهم المعتادة. وبينما يصفه البعض بالحدس أو الصدفة، يقدم العلم تفسيرات أكثر تفصيلاً، مشيرًا إلى تفاعل معقد بين العوامل النفسية والكيميائية العصبية التي تكمن وراء هذه الظاهرة.
أسباب الشعور بالانجذاب
حدد الباحثون في مجالات علم النفس وعلم الأعصاب مسارين رئيسيين يساهمان في الشعور بالانجذاب. المسار الأول يتعلق بالتشابهات الإدراكية، بينما يركز المسار الثاني على التغيرات الكيميائية التي تحدث في الدماغ. هذان العاملان لا يعملان بمعزل عن بعضهما البعض، بل يتكاملان لخلق تجربة الانجذاب المعقدة.
التشابه كعامل جذب أولي
أظهرت دراسة أجرتها جامعة بوسطن أن التشابه يلعب دورًا كبيرًا في تحديد من ننجذب إليهم. الأشخاص، وخاصةً الشباب، يميلون إلى الانجذاب نحو أولئك الذين يشاركونهم اهتمامات وقيمًا مماثلة. قد يشمل هذا التشابه أشياء بسيطة مثل الأذواق الموسيقية، أو الكتب المفضلة، أو حتى وجهات النظر السياسية، بالإضافة إلى تفاصيل تبدو غير مهمة مثل الوجبات الخفيفة المفضلة أو حس الفكاهة.
وفقًا للباحثين، فإن هذا التشابه، حتى على المستوى السطحي، يخلق شعورًا فوريًا بالألفة والراحة. هذه الألفة الأولية يمكن أن تكون بمثابة نقطة انطلاق للانجذاب، على الرغم من أن هذا الانجذاب قد لا يستمر بالضرورة مع مرور الوقت واكتشاف اختلافات أعمق.
آلية “التفكير الجوهري للذات”
تفسر دراسة التشابه هذا التأثير من خلال مفهوم نفسي يُعرف بـ “التفكير الجوهري للذات”. يشير هذا المفهوم إلى أن كل فرد يعتقد أنه يمتلك جوهرًا داخليًا فريدًا يحدد شخصيته ومعتقداته. عندما نلتقي بشخص يشاركنا اهتمامات مماثلة، نفترض بشكل لا شعوري أن لديه نفس الجوهر ونفس الرؤية للحياة. ولكن، كما يشير الباحثون، قد يكون هذا الافتراض مضللاً، حيث أننا غالبًا ما نجهل التعقيدات الداخلية للآخرين.
قد يؤدي هذا إلى أحكام سريعة وغير دقيقة، حيث نميل إلى رفض الأشخاص الذين يختلفون عنا في تفضيلاتهم. لذلك، من المهم أن نتذكر أن التشابه يمكن أن يكون بداية جيدة، ولكنه ليس ضمانًا للتوافق العميق أو العلاقة الناجحة.
كيمياء الدماغ ودورها في الانجذاب
بالإضافة إلى العوامل النفسية، يلعب الدماغ دورًا حاسمًا في تجربة الانجذاب. أشارت أبحاث أجرتها كلية الطب بجامعة هارفارد إلى أن الوقوع في الحب أو الانجذاب الرومانسي يؤدي إلى تنشيط دوائر المكافأة في الدماغ. هذه الدوائر هي نفسها التي تنشط عند تجربة المتعة أو تحقيق هدف ما.
عندما نرى شخصًا ننجذب إليه، يفرز الدماغ ناقلًا عصبيًا يسمى الدوبامين، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشعور بالسعادة والتحفيز. هذا يفسر لماذا نشعر بالرغبة في قضاء المزيد من الوقت مع هذا الشخص والسعي إلى التقارب منه. كما أن هناك استجابة كيميائية أخرى تتمثل في ارتفاع هرمون الكورتيزول في المراحل الأولى من الانجذاب، مما يسبب أعراضًا جسدية وعاطفية مثل خفقان القلب والتعرق والاحمرار.
في الوقت نفسه، قد ينخفض مستوى هرمون السيروتونين، مما يؤدي إلى ظهور أفكار ملحة ومزعجة حول الشخص الآخر. هذا يفسر لماذا قد نجد أنفسنا نفكر في هذا الشخص باستمرار أو نتحقق من هواتفنا بشكل متكرر على أمل تلقي رسالة منه.
استقرار الانجذاب وعلاقته بالتعلّق
توضح الأبحاث أن هرمونات أخرى مثل الأوكسيتوسين والفازوبريسين تلعب دورًا في تعزيز التعلّق العاطفي. الأوكسيتوسين مرتبط بالشعور بالقرب والثقة والأمان، بينما الفازوبريسين مرتبط بتكوين علاقات طويلة الأمد. هذا يفسر لماذا قد يتلاشى شعور الانجذاب الأولي مع مرور الوقت ويتحول إلى شعور بالراحة والاعتياد.
الانجذاب السريع: هل هو وهم؟
نعم، في كثير من الحالات، يمكن أن يكون الانجذاب السريع مبنيًا على وهم أو تصور غير دقيق. وفقًا لعلماء الأعصاب في هارفارد، فإن الانجذاب السريع يمكن أن يثبط نشاط الآليات العصبية المسؤولة عن إصدار الأحكام السلبية، مثل الخوف والتحيز الاجتماعي. هذا يعني أننا قد لا نرى الشخص الآخر على حقيقته في البداية، بل نركز على الصفات التي نريد أن نراها فيه.
بمعنى آخر، الدماغ يقوم بتعديل طريقة معالجة المعلومات في مرحلة الانجذاب، مما يجعلنا أكثر عرضة للتغاضي عن العيوب أو الاختلافات. لذلك، من المهم أن نكون على دراية بهذه الآلية وأن نحاول تقييم الأشخاص الآخرين بموضوعية قبل أن نقع في فخ الانجذاب السريع.
في الختام، الانجذاب هو ظاهرة معقدة تتأثر بمجموعة متنوعة من العوامل النفسية والكيميائية العصبية. فهم هذه العوامل يمكن أن يساعد الشباب على التمييز بين الانجذاب القائم على افتراضات سطحية والحب الحقيقي القائم على التفاهم والاحترام المتبادل. من المتوقع أن تستمر الأبحاث في هذا المجال في الكشف عن المزيد من التفاصيل حول آليات الانجذاب وتأثيرها على العلاقات الإنسانية.

