مشاريع وحياة جديدة لثلاث سعوديات انتصرن على سرطان الثدي
الحياة تجارب ودروس وعبر، والإصابة بالسرطان قد تكون من التجارب الصعبة، ولكن بالتأكيد لا تعني بأي حال من الأحوال أنها نهاية الحياة، فهناك الكثير من الحالات التي لم تستسلم لليأس، وفضلت مواجهة المرض بكل شجاعة وتحديه، والتمسك بالأمل، حتى لو كان مجرد بصيص خافت للاستدلال به لخط النهاية السعيدة لهذه التجربة، وهن أكثر تفاؤلاً وإقبالاً على الحياة.
سيدتي تستعرض قصص 3 سعوديات تعرضن للإصابة بسرطان الثدي، ومحطات العلاج والألم والشفاء، وتمكن كل واحدة منهن من تجاوز تلك المرحلة بقوة وشجاعة وإرادة، باستثمار تلك التجربة لبداية حياة جديدة وأحلام وطموحات ومشاريع مختلفة، منها مشروع لصناعة الشموع وآخر لصناعة الشوكولاتة، بالإضافة لمشروع كتاب “تجربتي مع المرض”.
تجربة بطابع فريد
في عام 2019 وتحديداً في يوم ميلادها الذي كانت تستعد فيه مها العنقري لاستقبال عام جديد محمل بأمنيات وأحلام جديدة، تلقت خبر إصابتها بورم سرطاني في الثدي أثناء قيامها في صباح ذلك اليوم بزيارة روتينية للعيادة برفقة شريك حياتها الذي تفاجأت من صدمته وردة فعله، وبعد استيعاب الصدمة بدأت مها في رحلة العلاج التي رغبت أن تجعل منها تجربة ذات طابع فريد وجديد مليء بالمفاجآت، وكنوع من التحدي والمواجهة مع المرض، لم تستسلم مها لليأس والخوف والهواجس، بل على العكس من ذلك اتجهت للتسوق واقتناء كتب جديدة ذات محتوى مختلف عن التي اعتادت أن تقرأه، وكذلك شراء عطورات وملابس وبأشكال وألوان مختلفة وبعيدة كل البعد عن ذائقتها.
وأما عن علاقتها بمن حولها فقالت: رغم كل ذلك كانت المرحلة صعبة من ناحية المرض نفسه، وأيضاً من جهة الكشف عن أقنعة من حولك هناك أشخاص بادروا بالمساندة الخالية من الاستئذان، بادروا بقلوبهم وبدعائهم تقدموا بلا خوف، واعترف بأنني أعدتُ ترتيب علاقاتي بالآخرين في تلك الفترة، والحمدلله واجهت المجتمع بكل قوة، وجعلت من تجربتي رسالة لتثقيف المجتمع عن سرطان الثدي، أما عن الدعم النفسي والتأهيل فقد كنت أحصل عليه وبشكل خاص من منسوبات جمعية زهرة الذين وفروا باهتمام الاحتياجات النفسية والجسدية كافة.
وتضيف: اكتشفت من تجربة المرض التي كنت أخوضها أن القرار بيدي، فعيناي ستريان ما أرغبُ أن ترياه وأُذُناي ستسمعان ما أرغبُ أن تسمعاه، نعم شعرتُ بالضياع، ونعم تعبت وتألمت، وبحثتُ عن مُختص يسمعُ كلامي المُبعثر، ومع هذا كُله أقول إن الحياة جميلة جداً، وقرار سعادتك تأكد أنهُ في يدك.
غنائم التجربة
وتابعت: أبرز مراحل ومحطات العلاج التي مررت بها كانت عملية استئصال الثدي والتي تصفها بالصادمة والقاسية، لتعاني بعدها من مرحلة التغيرات الداخلية بسبب العلاج الهرموني ومضاعفاته، وبعد عام كامل جاءت لحظة الإعلان عن الشفاء والتعافي، وكانت من أجمل الساعات والأيام، لحظة سجدتُ فيها لله سجدة شُكرٍ وامتنان.
أما عن أهم درس خرجت به من هذه التجربة فهو أن المحاولة هي طريقُ النجاح والفوز والاستقرار والهدوء النفسي، تتابع: شعرتُ بالفخر لأني خرجتُ من التجربة بغنائم كثيرة، وتعلمت أن التوكل هو نجاةُ الإنسان والاستمتاع بكل وقتٍ، وحدث السماح برحيل كل الأفكار المزعج، استشعرت وصية الرسول لابن عباس: “واعلمْ أنَّ ما أصابَكَ لم يكُن ليُخطِئَك وما أخطأكَ لم يكُن ليُصيبَكَ”.
حالياً تدير مها العنقري مشروع “فلق” لصناعة الشموع،وهي علامة تجارية سعودية من عام 2015 وهي منتجات مصنوعة يدويا بكل حب ، وإختيار مواد خام وعطوذات جودة عالية كما لمها جهودها كمتطوعة لخدمة الوطن، وأصحاب مشاريع الاستثمار من المنزل.
وفي تقليل مشاعر الخوف لدى النساء بالتوعية بأهمية الكشف المُبكر الذي قد يكون بمثابة عدم وجود المرض أصلاً، من خلال جمعية زهرة.
مواجهة المرض
القصة الثانية ترويها البتول أحمد منصور، وهي ربة منزل وأم طفلين والتي تم تشخيص إصابتها بالسرطان في عام 2020 : كان الأمر مفاجئاً تماماً لي، حيث لم أكن أشعر بأي أعراض واضحة تشير إلى وجود مشكلة كبيرة، أما عن تلقّي الخبر فكان صعباً للغاية، ولم أكن أدرك كيفية التعامل مع الموقف في البداية، كان هناك خليط من الصدمة والخوف من المستقبل، لكن في الوقت نفسه شعرت بضرورة المواجهة والتوكل على الله، وخوض مرحلة العلاج بمساندة زوجي الذي كان دائماً بجانبي وداعمي الأول، كنت بحاجة إلى شخص أثق به ليكون أول من يعرف، وكنت أعرف أنني سأجد الدعم منه لبدء مرحلة العلاج التي كانت مليئة بالقلق والتوتر، بدأت أولاً بسلسلة من الفحوصات لتحديد مدى انتشار المرض، وبعد التشخيص كان عليّ أن أكون قوية للمرور بعدة مراحل، بدءاً من التشخيص، ثم العلاج الكيميائي وكل جلسة كانت تمثل تحدياً بحد ذاتها، ثم الجراحة، وأخيراً جلسات العلاج الإشعاعي، وفعلياً كل مرحلة من مراحل العلاج كانت تمثل تحدياً مختلفاً، لكنني تعلمت كيف أتعامل مع كل منها بشجاعة وصبر، والتوكل على الله، ومساندة زوجي وعائلتي وصديقاتي المقربات اللواتي كنّ مصدر الدعم العاطفي والروحي لي، وللمرافقة في الجلسات العلاجية أو للاستماع لي في اللحظات الصعبة، إلى جانب الدعم النفسي من مستشارين نفسيين، ووجود مجموعة دعم من المرضى الآخرين كان له تأثير كبير في تجاوز لحظات الخوف والقلق؛ لأنني كنت بحاجة إلى قوة داخلية، وليس فقط التركيز على الجوانب الجسدية للعلاج، ومع الوقت، وجدت أن الناس من حولي بدأوا في تفهمي ودعمي، والكثيرون منهم كانوا يشجعونني، كما اكتشفت أن الحديث عن التجربة يساعد في رفع الوعي حول المرض.
الفرح والانتصار
أما عن أهم درس تعلمته البتول فتقول: هو القوة الداخلية، اكتشفت أنني أقوى بكثير مما كنت أتصور، تعلمت أيضاً قيمة الأمل، وأنه حتى في أصعب الظروف يمكننا أن نجد ضوءاً يقودنا.
كنت أرى الحياة من منظور مختلف، ربما كانت بعض الأمور تبدو لي صغيرة أو غير مهمة، بعد التجربة، أصبحت أكثر تقديراً لكل لحظة، وأدركت أن الحياة قصيرة جداً لنقضيها في القلق أو الندم، أصبحت أركز أكثر على السعادة، والصحة، والعلاقات الحقيقية، وأن القوة الحقيقية ليست في الجسد فقط، بل في العقل والروح، تعلّمت الصبر، وتعلّمت ألا أفقد الأمل مهما كانت الظروف، كما كان تعلقي وتوكلي على الله وحده، كما أدركت أن الدعم العاطفي من العائلة والأصدقاء هو أعظم نعمة في مثل هذه المواقف.
وتابعت البتول: بعد حوالي عامين وفترة مليئة بالتحديات، بدأت أشعر بالامتنان لكل لحظة في تلك السنوات، لأنها ساعدتني على التعلم ومواجهة الصعاب، أما اللحظة التي لا يمكن أن تُنسى فهي عندما أخبرني الطبيب بأنني خالية من السرطان، شعرت حينها بمزيج من الراحة والفرح، كانت دموعي تنهمر، لكن هذه المرة كانت دموع الفرح والانتصار، وذلك كله بعد فضل الله عليّ ومنه وكرمه.
لتطوي البتول تلك الصفحة من حياتها وتعاود الحياة بنظرة أكثر تفاؤلاً، ولتعود تمارس هوايتها بالرسم والأعمال الفنية وصنع الشوكولاتة بطرق متميزة وجذابة.
وأما نصيحتها لكل سيدة فهو أن تهتم بصحتها، وألا تتجاهل الفحص المبكر، الذي قد ينقذ حياتها، حيث يزيد من فرص العلاج الناجح، ويقلل من معاناة المراحل المتأخرة.
مضاعفات الصدمة
في عام 2012م أطلقت جمعية زهرة لسرطان الثدي حملتها السنوية لشهر أكتوبر للتوعية بسرطان الثدي في صحارى مول، وبصفتها إعلامية حضرت جوهرة أبودهيم لتغطية إطلاق الحملة، وكانت ترافق الحملة سيارة الفحص المزودة بجهاز أشعة الماموغرام والموجودة أمام أحد بوابات المول، وحينها طلب منها الفريق الطبي القيام بعملية الفحص، ولكنها رفضت ذلك، ولكن في آخر يوم من الحملة قصدت ذلك المول لشراء بعض المستلزمات، ولكن لا شعورياً وجدت نفسها تصعد لسيارة الفحص وتقوم بتعبئة البيانات، وبعد إجراء الفحص شعرت بشعور غريب مع كلمات الأخصائية التي قالت لها: (ربنا يطمنك على نفسك يا أختي)، الشعور كان مزيجاً من الخوف وعدم التركيز، وفي اليوم التالي تلقت الجوهرة مكالمة هاتفية من مدينة الملك فهد الطبية، للحضور في اليوم التالي ومقابلة الطبيب، شعرت حينها بمزيج من الحزن والخوف والقلق الذي لم يترك لها مجالاً للنوم في تلك الليلة، وفي صباح اليوم التالي ذهبت الجوهرة للموعد والهواجس تعصف بها طيلة الطريق، وبعد أن التقت بالطبيبة وأخبرتها بنتائج الفحص توجهت لأحد المطاعم لتختلي بنفسها ودموعها تنهمر والخوف على مصيرها ومصير أبنائها الصغار، وبعودتها للمنزل أخبرت زوجها الذي هدأ من روعها، وكان برفقتها مع أول زيارة لها للطبيب لبدء رحلة العلاج الذي بدأ بعملية جراحية لاستئصال الورم، وللأسف لم تكن العملية ناجحة، ولم يتم استئصال الورم بشكل كامل؛ مما تسبب في حصول مضاعفات صحية، ثم قرار إجراء عملية أخرى عاجلة، وبعدها عانت من الإصابة بجرثومة من غرفة العمليات، وبقيت لأشهر تتلقى المضادات.
العلاج في الخارج
ثم كان سفرجوهرة للعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية والمعاناة من ألم فراق صغيراتها يعتصر قلبها، وهناك استمرت في تلقي العلاج لمدة عامين في مستشفى “أمدي أندرسون” خضعت خلالها للعلاج الكيماوي ثم الإشعاعيّ، وعانت خلالها من الألم الجسدي والنفسي ومن الغربة خصوصاً في مناسبات الأعياد، وكانت تجد الدعم والمساندة من ابنها الذي ضحى بدراسته الجامعية، ومن صديقات الغربة، وهن سيدات أصبن بالمرض نفسه من دول الخليج وغيرها، وكان الأمل بالشفاء هو الدافع لهن بتخطي المرض والتوكل على الله.
وتختتم جوهرة: بفضل من الله تمكنت من تخطي هذه المرحلة الصعبة وعدت لأرض الوطن لأسجد في مطار الرياض شكراً لله على انتهاء هذه المرحلة من حياتي، التي كان الأمل والتوكل على الله هو سلاح النجاة بالنسبة لي، وعدم الاستماع لأي شيء يبعث على الإحباط، ولتوثيق هذه المرحلة من حياتها، ألفت الجوهرة كتاباً بعنوان “تجربتي مع المرض”، والذي اشتمل على فصول شيقة من رحلة السفر والغربة، وعادت الجوهرة لتمارس حياتها الطبيعية بين أسرتها، ولتواصل مسيرتها في بلاط صاحبة الجلالة.
اقرأ المزيد: بالفيديو: الجوهرة الزهرة تروي قصة تعافيها من سرطان الثدي