الشاعرية تعكسها الكلمات المنطوقة أو المكتوبة
يقول الشاعر والناقد الأدبي صالح شرف الدين لسيدتي : الشاعرية أو الشعرية هي حالة إنسانية تعكسها الكلمات المنطوقة أو المكتوبة، وهي حالة تسبق الفكرة، وتسبق الغاية، وتسبق الكلام والصورة، والشاعرية تأتي دون قرار مسبق، والشاعرية في شكلها المنظوم أو المنثور هي سيرورة إنسانية لها دلالاتها وإيقاعاتها ولغتها ورؤاها وفق حركة هذه السيرورة حضارياً وثقافياً.
عناصر الشاعرية وآفاقها
يقول الشاعر صالح شرف الدين”: إن الشاعرية تتكون من مجموعة من العناصر التى يتوصل بها الشاعر إلى مستوى معين فى الأداء الشعري، الذي يميزه عن غيره من الشعراء، وهذا معناه أن لكل شاعر شاعريته الخاصة، كما أن لكل إنسان شخصيته المستقلة، وللشاعرية عناصر أربعة أساسية :
- الفكرة الإنسانية الراقية.
- الإحساس والمشاعرالصادقة.
- الخيال المبدع المؤثر.
- الموسيقى المتنوعة الجاذبة للانتباه.
وهذه الشاعرية قد تكون في قصة أو رواية أو خطبة أو مسرحية أو مقال أو خاطرة ووجودها يقوي هذه المصنفات لكنه وجود غير أساسي، بينما وجودها في الشعر العربي يكون أساسياً، ولا نتخيل أن يخلو نص شعري من هذه العناصر مجتمعة، ومن أمثلة الشاعرية في المصنفات الأدبية غير الشعر قول الإمام علي في خطبته بعد التحكيم :” إن معصية الناصح الشفيق تورث الحسرة وتعقب الندامة، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ونخلت لكم مخزون رأيي”.
يقول شرف الدين: هذا المقطع يحمل كل عناصر الشاعرية رغم كونه مطلع خطبة، والفكرة الإنسانية (سوء حال من يخالف من ينصحه ويحبه ) والإحساس في (الإحساس بالألم لمخالفتهم أمره ) والخيال في :(نخلت لكم مخزون رأيي) ،والموسيقى في :(الحسرة والندامة، أمري ورأيي ).
ويؤكد شرف الدين أن ما يعده البعض شعراً تعليمياً مثل ألفية ابن مالك ينقصه عنصران أساسيان من عناصر الشاعرية يقول :
كلامنا لفظ مقيد كاستقم ..اسم وفعل ثم حرف الكلم، وهنا فكرة هي أقسام الكلام، ووزن (بحر الرجز ) وقافية، لكنه لا يوجد لديه إحساس أو مشاعر، ولا يوجد خيال، فكيف يكون شعراً ؟!
ويمكنك بالسياق التالي التعرف إلى: كيف تختلف قصائد النثر عن قصائد الشعر الموزون؟
اختلاف النقاد حول كنه الشعر
يقول: لطالما اختلف النقاد قديماً وحديثاً حول كنه الشعر، إلا أنهم لم يختلفوا على كنه الشاعرية، على أن هناك تعريفات كثيرة للشعر قديماً وحديثاً أسهب فيها النقاد فقالوا : هو الكلام الموزون المقفى، وقالوا هو الكلام الموزون المقفى الذي فيه خيال وإحساس، وقالوا هو شكل كتابي له قواعد خاصة يجب أن تتبع، وقالوا هو الأفكار والمشاعر والخيالات المموسقة، أما الشعرية أو الشاعرية فلم يختلف حولها القدماء أو المحدثون سوى أن البعض سماها ماء الشعر، الفكر والإحساس والخيال والموسيقى.
الشاعرية وتحقيق “الانفعال الصادق” ورفض “الافتعال المتصنَّع”
يقول: الشاعرية حالة من الحالات الإنسانية المركبة التي لا يستطيع أن يقبض على عناصرها ويعوم في بحرها سوى مبدع حقيقي، وعندما يأتي المبدع بالفكرة والإحساس والخيال والموسيقى في كلمات وجمل وأبيات ونصوص، بالتأكيد سنعرف كم هو ملهم ومبدع، فلا يستطيع أحد أن يغير أو يبدل كلمة أو جملة من جمله، لأنه قد أبدع نصاً يشبه الكائن الحي رأسه الفكر وقلبه المشاعر وجسمه الخيالات والكلمات والموسيقى، وعلى المبدع أن يعايش فكرة نصه ولا يتعجل الإبداع لأن الصدق الفني واحد من نواتج المعايشة الصادقة.
كيف يستطيع الشاعر أن يطوّر باستمرار أسلوبه الشعري؟
يقول الشاعر: يستطيع الشاعر ذلك بكثرة القراءة، والسفر، والتأمل، والإخلاص للتجربة، كما يجب على الشاعر أن يتقن اللغة العربية الفصحى، ويدرك مفرداتها وتراكيبها، والاطلاع وقراءة قصائد لشعراء آخرين من عدة عصور مختلفة، حتى يتمكن من التعلم منهم، والتعرف إلى أسلوبهم.
الرسالة الشعرية للشاعر
وبالنهاية عن الرسالة الشعرية للشاعر يقول شرف الدين: إن الأفكار والمعاني تمثل رسالة الشاعر ووصولها للمتلقي والتأثير فيه الهدف الأسمى، ويكون صادقاً في التعبير عنها إذا عايشها بإخلاص، وعبر عنها باحترافية، والشاعر الكبير هو الذي يستطيع أن يسيطر على أدواته بحيث يوجهها إلى نوع الرسالة التي يريد توصيلها للناس، سواء فى عصره أو لمن يأتي بعده. وكلما اتسمت تلك الرسالة بطابع إنساني أصيل اتسع نطاق تأثيرها، واستمر إشعاعها لأطول فترة ممكنة.
ومن خلال السياق التالي يمكنك التعرف إلى: الشعر الغنائي وكيف كانت البداية؟
