ملك مسلاتي: “ناسنا” تحكي قصص السعودية
مصممة وفنانة سعودية مبدعة، تمتلك خبرة تمتد لأكثر من 20 عاماً في التصميم الداخلي، حيث عملت ملك مسلاتي جنباً إلى جنب مع الحرفيين، وبدأت في تصميم وإنتاج قطع سعودية الصنع بنسبة 100 % تجسد تقاليد الوطن وحضارته، ليكون ربوع الوطن من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها الملهم الأول لذلك المنتج السعودي، لتخرج منه تلك الدمية بمسمى «ناسنا» التي تعكس ثقافات مرتبطة بتراث أبناء المملكة.
حوار: زهراء الخالدي
تصوير : لينا مو
ملك مسلاتي
حدثينا عنك، من ملك مسلاتي؟
ملك مسلاتي، درست في دار الحنان، ومن ثم التحقت بكلية إدارة الأعمال في جامعة الملك عبد العزيز بمدينة جدة. وبعد التخرج كان لدي رغبة في تعلم التصميم الداخلي، وحصلت على شهادة تصميم المنتجات من Central Saint Martins، ومن خلال طبيعة عملي لمدة طويلة كنت أصمم وأصنع الأثاث، ومن خلال تجاربي كانت لدي رغبة في تعزيز هذا الشغف، فزرت معارض أكثر، وفي كل سفرياتي كنت أحصل على دورات أعزز فيها هذا الجانب. وكانت لدي الرغبة دائماً في أن يكون لدي منتج سعودي 100%.
بداياتك في مجال التصميم.
منذ الطفولة، كنت أحب أن أعمل بيتاً صغيراً وألعب فيه، أو خيمة أصممها وأجلس تحتها، «فيبدو أن هذه كانت البداية». وبعد أن أنهيت المرحلة التعليمية وتخرجت في دار الحنان، طلبت من والدي أن أسافر وأدرس وأتخصص في التصميم الداخلي في سويسرا، ولكن لم يتحقق ذلك حينها. فالتحقت بجامعة الملك عبد العزيز، تخصص إدارة أعمال، وتزوجت بعدها، وأنجبت، ولم أحقق ذلك الحلم أيضاً. ولكنني لم أترك شغفي، فكنت أترقب الفرصة، فالتحقت فترة التسعينيات بـ«فيوتشر سنتر» ببرنامج دبلوم تصميم داخلي. وكنت مستمتعة ونجحت فيه نجاحاً مبهراً، وأول مشروع تخرج كان عبارة عن تصميم غرفة يمنية، واخترتها لأنها قريبة لتراثنا، وهي عبارة عن جلسات يكون فيها الرسم على الحائط، وكنت سعيدة وقتها لأنني كنت أكتشف نمطاً جديداً.
يمكنك متابعة اللقاء على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط المصممة والفنانة السعودية ملك مسلاتي
منتج سعودي مميز
دار ملك.. ما فكرتها، ومن أين استوحيتها؟
فكرة دار ملك هي وجود مساحة تجمع بين المصمم والحرفي والمهني لإنتاج منتج سعودي مميز. وبدايتها كانت من خلال هدايا رمضان المصنعة، فكنت أضع التصور العام، ومن ثم أنفذ؛ أي أحول الفكرة إلى منتج، هذه هي دار ملك. الرحلة ليست سهلة، ولكن تمكنت من ذلك، لا سيما أن الحرفي غير موجود في ذلك الوقت. ويمكننا القول إن فكرة دار ملك هي وجود المصمم الذي يجلس مع الحرفي والمهني لينتج مواد وقطعاً فنية جميلة بأدوات محلية.
كيف تعرفينا إلى «ناسنا»؟
عندما أنتجت «ناسنا» كنت أفكر في منتج أعبر فيه عن المملكة، وجاءت الفرصة عندما قررت أن أشارك في معرض شارة بمنتج جديد يتحدث عن السعودية. وجاءتني الفكرة خلال سفرياتي؛ إذ كنت أحب أن أجمع التحف واللوحات الجميلة، ومن بينها الدمى الخشبية التي تحكي عن تراث البلد والحرفيين فيها، وفكرت لم لا يكون لدينا دمية خشبية تحكي وتروي قصص مملكتنا ومناطقها وشعبها. وقررت أن أبدأ بصنع دمية محلية الصنع سعودية 100%. فبدأت البحث عن الأخشاب المتوافرة في السعودية، وبحثت عن مدى إمكانية تصنيعها وإنتاجها بكميات كبيرة. والأمر الآخر مدى إمكانية الرسم عليها، فهناك مراحل كثيرة مررنا بها حتى وصلنا إلى الشكل الذي هي عليه اليوم.
تحكي «ناسنا» وتروي قصص الناس وعاداتهم وتقاليدهم وتراثهم من كل مناطق المملكة من خلال ملبوساتهم وألوانهم، وبدأت أبحث في تراث ولباس كل منطقة، وشكل الجسم والأعمار والرجال والسيدات والصغار، عبر الإنترنت والكتب، ومن خلال زيارة المناطق وأهلها.
ومن عالم التصميم أيضأً اخترنا لك اللقاء مع المصممتان ابتسام وعهود الغفيلي
“فخورة بشباب المملكة الذين لديهم شغف وطموح ودعم رسمي”
شخصيات من مختلف المناطق
حدثينا عن بعض شخصيات «ناسنا».
من شخصيات «ناسنا»، الجوهرة وسعود ونورة وصيته وآمنة وفؤاد وشفا وهيلة وعبد العزيز وزهرة وعطرة وسعيد وهاجر وعبيد، التي تروي قصصاً من مختلف مناطق المملكة، بأزيائها التقليدية المطرزة والملونة والمصنوعة من مواد محلية وزخارف ونقوش خاصة بكل منطقة. فعلى سبيل المثال، ترتدي نورة اللباس التقليدي للمرأة النجدية، وهو الثوب المسرح الذي يتميز بكبر حجمه وذيله الطويل وأكمامه المتسعة التي يتم رفعها لتتقاطع فوق الرأس. بينما ترتدي عطرة الثوب العسيري المتروك، فيما ترتدي زهرة الثوب الشالكي. ومن الرجال في شخصيات ناسنا، نجد فؤاداً يرتدي لبس أهل الحجاز، وهو عبارة عن الثوب، والغبانة، والسديري، الذي استلهمت رسوماته من الزخارف الهندسية الموجودة على واجهة بيت حزوقة في جدة التراثية. وهناك العديد من الشخصيات الأخرى، مثل آمنة وشفا وعبد العزيز وسعيد وهاجر وغيرها.
ما الصعوبات التي واجهتك خلال مشوارك؟
اختلفت الصعوبات مع الوقت، ففي السابق كان الوصول إلى المعلومات صعباً جداً، ولكن اليوم مع وجود الإنترنت أصبحت سهلة ومتوافرة، بينما من الصعوبات التي أواجهها اليوم هي الوصول إلى المهنيين، فللأسف هم غير موجودين كالسابق سوى في المصانع. عرفتني «ناسنا» كثيراً إلى تراثنا وثقافتنا، وكلما كنت أعرف أكثر عن ثقافتنا أفرح وأعتز؛ لأن فيها تفاصيل تجعلك فخورة بكونك سعودية، فارتباطنا بعاداتنا وتقاليدينا يعطينا ثقلاً وثباتاً وقوةً.
كيف تعاملت مع جائحة كورونا؟
أنا من الأشخاص الذين كانوا سعداء خلال فترة كورونا، فكانت بمنزلة فترة هدوء وإنجاز الأشياء المؤجلة والاستمتاع فيها، فكنت أقوم بعمل رحلات داخلية؛ حيث تعرفت أكثر إلى مناطق المملكة وعاداتها وتقاليدها، فذهبت إلى الجنوب بجميع مناطقه، واستمتعت بالتعرف إلى هذه المناطق، وأكثر منطقة أثرت فيّ جازان؛ إذ تعرفت إلى الناس وسمعت قصصهم وتقربت منهم، وزرت جزيرة فرسان وحائل والجوف والعلا والأحساء… كل المناطق تقريباً زرتها، وجميع تلك الرحلات انعكست على عملي، وأصبحت أشاهد تراثنا وأتعلم وأستلهم منه القصص. وسألت نفسي: كيف يمكن أن أمثل هذا التراث العظيم؟ إلى أن جسدت ذلك في «ناسنا». كلما أسافر وأتعلم أكثر ستكون لدي شخصيات أكثر لأجسدها.
بحث لكل منطقة
كيف يتم اختيار الألوان في تصاميمك؟
يتم اختيار الألوان بناءً على المنطقة، غالباً أقوم بعمل بحث لكل واحدة من مناطق المملكة، لمعرفة كل الألوان والأشكال، فمثلاً الثوب المديني لا يمكن أن أعمله باللون الأخضر، والبشت الحساوي أيضاً له ألوانه المحددة وهكذا.
كيف تصفين الإقبال على التصميم؟
الإبداع موجود بكثرة في السعودية، وهو إبداع من نوع مميز غير موجود في أي بلد آخر، إبداع مرتبط بالثقافة والتراث، نحن لدينا تغذية بصرية في المملكة، والمنتجات ستكون مختلفة، لذا نجد الإقبال على التصميم وتعلمه بشغف موجود.
ما الرسالة التي ترغبين في إيصالها؟
إذا أراد الشخص أن يعمل شيئاً يجب أن يسعى إليه بجد، ويعمل أكثر، ويصر عليه، وأن يتحدى نفسه. باختصار، رسالتي إلى الشباب آمن بفكرتك وأسعى وتوكل على الله.
جهات داعمة
هل من جهات محلية ودولية تعاونت معها؟ وكيف تصفين هذه التجارب؟
من أوائل الجهات التي دعمتني بعد كورونا، وعندما كنت أرغب في أن أشترك في معرض شارة، هي سمو الأميرة جواهر بنت ماجد، التي قالت لي حينها «ملك أي قطعة ستنتجينها سأقتنيها»، والأميرة جواهر هي رائدة الفن في المنطقة الغربية، كما أن المجلس الفني السعودي من أوائل الحراك الفني في المنطقة الغربية. وهناك أيضاً «مسك» التي تمكنت من أن تجمع الفنانين والمصممين تحت مظلة واحدة. ولا ننسى أن خلق مجتمع للفن والمصممين في كل بلد وكل مدينة أمر جداً مهم؛ لأن الفنان أو المبدع عندما يجد نفسه وحده يضيع، بينما عندما يكون ضمن يمكن أن يتبادل مع أقرانه المعلومات. وفكرة أن أحداً ما من الممكن أن يسرق فكرة الآخر خاطئة وغير صحيحة؛ لأن التبادل المعرفي هو الذي يثري الأفكار، فالكرة موجودة لدى العديد من الأشخاص، ولكن من الذي ينفذها؟ ولا أنسى حاتم عقيل وبيت جميل وغيرهما العديد من الجهات التي تعاونت معها وكانت داعمة لي.
نقترح عليك متابعة اللقاء مع ماريا بحراوي
” خلق مجتمع للفن والمصممين مهم لأن الفنان عندما يجد نفسه وحده يضيع”
أيقونة سعودية
«ناسنا».. ما القصص التي ترويها، وهل هناك أي تطور في هذه الدمى لتواكب الجيل الجديد والعصر الذي نعيشه اليوم، لا سيما مع رؤية 2030؟
تمثل «ناسنا» الناس بأطيافهم، القصة التي ترويها الدمى ليست فكرة جديدة، فالدمى موجودة في كل بلد، في اليابان وروسيا ومصر والدنمارك، وجميعها تروي حكايات الشعوب في تلك البلدان، لذا ابتكرت «ناسنا» لتروي وتحكي للعالم عاداتنا وتقاليدنا وحكاياتنا، فكل قطعة أنتجها لها قصتها، وكل قطعة تروي قصة منطقة وعاداتها وتراثها وتقاليدها، وهناك قصص كثيرة ستروى من قبل شخصيات أخرى سيتم إنتاجها. أريد أن تصبح «ناسنا» أيقونة في المملكة، وجميعها مرسومة يدوياً ولن أتنازل عن ذلك، مع أن هذا الأمر أصعب وأكثر كلفة.
«المغترة» قطعة مبتكرة
صممت «المغترة»، ما فكرتها واستخداماتها؟
جاءت الفكرة منذ أكثر من 7 سنوات، بعد أن لاحظت الحاجة الى وجود شماعة لتعليق الغترة والشماغ. فصممنا مغترة بطريقة عملية، تتضمن صندوقاً مع مرآة داخلية لحفظ المقتنيات الشخصية والعقال والكوفية، إضافة إلى مكان مخصص لوضع المبخرة. وهي تطبيق عصري لزخارف الفن الإسلامي؛ حيث استخدمت فيها رسم النجمة السباعية النادرة. وللعقال معان ودلالات كثيرة في تاريخ العرب، وقد طورت دار ملك فكرة جديدة لاستخدامه عن طريق إطلاق قيده ليحاكي العصر، ويعكس الهوية التراثية. وبدأ تطوير المنتج بعد تعلم وممارسة المهارات اليدوية لقشرة الخشب.
لو تحدثنا عن التكنولوجيا في الفن والتصميم، ما الذي أضافته؟
التكنولوجيا مهمة جداً، ولا نستغني عنها كونها تساعد وتسرع الكثير من الأعمال، ولكنني أعز الحرف والعمل اليدوي؛ إذ تعلمت الحِرف اليدوية لمدة سنة كاملة في المملكة من خلط الألوان من الطبيعة، وحفر الخشب والسيراميك، وجميعها كنا نستوحيها من تراث البلد، عندما كنا نأخذ الدروس من جدة القديمة مع بيت جميل بالتعاون مع مدرسة الملك تشارلز للفنون التقليدية. وكان هناك برنامج في جدة التاريخية تعلمنا من خلاله الحرف والنقوش وكيف نقرأ ونحلل الرموز الموجودة في البلد.
التكنولوجيا مهمة جداً، ولكن الفن والتصميم في نظري إذا كان يحكي عن التراث والثقافة له ميزة خاصة، وهي أن تكون يد الإنسان موجودة، فبمجرد القول إن هذه القطعة مرسومة بيد فنان سعودي، أو هذه القطعة مصنوعة في السعودية تعطيها مكانة أكبر، صحيح أنها تأخذ وقتاً كبيراً، ولكنها تستحق، وتجعل كل قطعة مختلفة عن الأخرى.
شباب الشغف والطموح
رسالة توجهينها بصفتك فنانة ومصممة سعودية إلى الجيل الجديد والراغبين في تعلم الحرف والفن؟
أنا جداً فخورة بشباب المملكة الذين لديهم شغف وطموح، والجهات المعنية تقدم لنا الكثير من الفرص، وأقول لهم أن يعملوا ويسعوا ويشاركوا ويتعلموا ويفتحوا مداركهم، وأن يقابلوا الناس ويتحدثوا معهم ويستفيدوا من تجاربهم؛ لأن الدولة متعطشة للشباب، وأتاحت لهم الفرص، وبإذن الله سيصلون إلى ما يسعون إليه. وأقول للفتيات إننا محظوظات بالدعم الذي نشهده اليوم في مملكتنا والفرص التي أتيحت لنا، لا سيما مع رؤية 2030 التي تدعم مسيرتنا.
لو أردت الانتساب إلى دار ملك، ما الطريقة لذلك؟
باب دار ملك مفتوح لكل شخص طموح لديه شغف وحب للعمل الجماعي، ويمكن لأي شخص أن يتواصل معنا عبر حسابنا على إنستغرام، فنحن نسعى إلى إيجاد حرفيات ممكن أن يعملن في جميع مدن المملكة ويساهمن في تعليم هذه الحرفة.
يمكنك أيضًا الاطلاع على هذا اللقاء مع مصممة الأزياء التراثية أماني السيد