منال الضويان: تمثيل إبداعي لصوت المرأة السعودية في بينالي البندقية
مستقية الإلهام من التكوينات البلورية التي يكثر وجودها في مسقط رأسها الظهران والتي تُعرف بورود الصحراء، ومن أصوات السعوديات وهن تفاخرن بطموحاتهن وإنجازاتهن، حملت منال الضويان إبداعها إلى البندقية لتمثل المملكة العربية السعودية في مشاركتها الرابعة في بينالي البندقية للفنون، بتفويض من هيئة الفنون البصرية، وذلك من خلال العمل التركيبي متعدد الوسائط “نطقت الرمال فتحرك الصوت”.
صوت المرأة يعلو
عمل منال الضويان يجمع ما بين الظواهر الصوتية والجيولوجية الصحراوية وتستكشف فيه الفنانة الصوت كوسيط فني للمرة الأولى، متناولة في مزاولتها الفنية قضايا التقاليد والذاكرة الجماعية وتمثيل المرأة.
وعلى غرار أهازيج الحرب كالعَرضة والدحّة التي كان يؤديها الرجال، أتت أغاني وكتابات ورسوم النساء في هذا العمل كاستنهاض لروحية المرأة السعودية المقدامة والواثقة بنفسها وبقدراتها في ظل رؤية عظيمة رسمت مسار تحولات ضخمة في كافة القطاعات وأبرزها القطاعات الثقافية. ففي هذا العمل تُعبر النساء عن أنفسهن بعلو الصوت وعذب الكلام.
إذا دمغت الفنانة “أجسام” هذه الورود أيضاً بالنصوص، مستخدمة في تلك الكتابات والرسومات التي وضعتها المشارِكات في ورش العمل بعد أن عُرضت عليهن مقتطفات من الصحف المحلية والدولية.
وعن عملها هذا تقول الضويان في حديث خاص نُشر عبر موقع الجناح الوطني السعودي: “أحاول في العمل الذي أقدمه في بينالي الفنون 2024، تمثيل المرحلة التي وصلتُ إليها الآن في مسيرتي الفنية، انطلاقاً من مجتمعي وبلدي والعالم ككل. وهو عمل استوحيتُه من الدور المتطور للمرأة في المجال العام في بلدي وسعيها المستمر لإعادة تعريف المساحة المادية التي تعيش فيها والسرديات التي حددتها تاريخياً”.
وأشارت إلى أن هذا العمل يُبني على ما قامت به لزمن طويل من “التقصي للصورة الإعلامية وتأثيرها على تقرير المصير، مع التركيز على أهمية التمثيل الإعلامي للمرأة، وصورة المرأة في الذاكرة الجماعية لمجتمعها، والتأثير العميق لهذه الصور على فهم وإدراك البعد الإنساني”.
الضويان التي تعتبر أن “المرأة السعودية بدأ تاريخها يُكتب للتوّ”، تأمل في أن “يساعد هذا العمل كل مَن يشاهده وكل من شارك في ورش العمل التي تم تنظيمها لإعداده، على النظر داخل أنفسهم والاعتماد على مجتمعهم للعثور على صوتهم ومكانتهم”.
وردة الصحراء الذهبية
مجسمات ضخمة تشبه الورد المتفتحة، استوحت الفنانة قالبها من تكوينات وردة الصحراء، وهي تكوينات يُعرف أنها تنتج عبر سلسلة من التفاعلات بين المعادن المتواجدة في المياه مع الحبيبات الكلسية في الرمال تنتهي لتتبلور على شكل بتلات متلاحمة بلون الرمال لتصبح أشبه بورد ذهبية. وقد اختارت الفنانة هذا التصور لأنه يجمع بين الهشاشة وسرعة الزوال والأنوثة والقدرة على التحمّل، وكأنه يجسد لنا طبيعة المرأة وحساسيتها وقوتها في الوقت عينه، وقد استخدمت الفنانة هذا الرمز في مجسمات سابقة، ولكن هذا العمل يدعو الزائر لشق طريقه عبر متاهة من المجسمات الضخمة المطبوعة بالشاشة الحريرية. وكانت الضويان قد نظمت سلسلة من ورش العمل في أنحاء المملكة وأقامت قنوات تواصل مع أكثر من ألف امرأة وفتاة سعودية، وشكلت منبراً لإيصال أصواتهن تجاه الصورة التي تروجها وسائل الإعلام المحلية والعالمية عن المرأة السعودية، ويتناغم هذا التعبير مع عزيف الرمال الذي تصدره الكثبان في صحراء الربع الخالي عندما تتحرك فيقع الرمل بعضه على بعض. وقد سجلت الضويان هدير الأرض هذا لتسخيره في إحداث عملية استبدال في عملها، حيث صارت الرمال العزافة بمثابة الاستعارة التي ترمز إلى حبيبات الرمل الفردية الصغيرة التي تتفاعل وتندمج مع بعضها البعض لتشكل هديراً جماعياً. وكان الزوار قد توافدوا بأعداد كبيرة للاستمتاع بهذه الرحلة الفنية الغنية وعبروا عن اعتزازهم بالفنانة وعملها المتقن والرسالة التي تقدمها من خلاله.
هذا وحرص الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة السعودي على أن يزور الجناح السعودي في بينالي البندقية للفنون ويلتقي نظيره الإيطالي.
سمو وزير الثقافة @BadrFAlSaud يلتقي بنظيره الإيطالي معالي السيد جينارو سانجيوليانو، ويزور الجناح السعودي في بينالي البندقية للفنون، ضمن زيارته الرسمية لجمهورية إيطاليا.#وزارة_الثقافة pic.twitter.com/O2Fw8Ver9Y
— وزارة الثقافة (@MOCSaudi) April 19, 2024
تبادل الإبداع في بينالي البندقية
بالنسبة للجناح الوطني لـ المملكة العربية السعودية فهو يضم مجموعة واسعة من الفنانين والمعماريين المبدعين، ويسعى إلى دعم مجال الفنون البصرية والعمارة في المملكة من خلال توفير منصة تُمكّن الفنانين والمعماريين السعوديين من إبراز أعمالهم أمام جمهور دولي. ويقع الجناح الوطني في منطقة الأرسنالي، ويوفّر مقراً للفنانين والمعماريين الموهوبين من مختلف مناطق المملكة، كما يُتيح فرص التعاون بين الممارسين والمهتمين بالثقافة ويوفر لهم منصة لممارسة الأنشطة الثقافية والإبداعية والبحثية في مجالات الفنون البصرية والعمارة. ومن خلال تبادل الأفكار في البينالي، سيتسنى للجماهير الاطلاع والتعرف على ملامح مختلفة من المملكة، في تواصل إبداعي فعّال لمواصلة بناء علاقات راسخة مع المجتمع الدولي.
ويتغيّر مفوّض الجناح الوطني السعودي سنوياً، بالتناوب بين هيئة الفنون البصرية وهيئة فنون العمارة والتصميم بحسب طبيعة المشاركة، وكانت مشاركة المملكة الأولى في بينالي البندقية للفنون عام 2011، من خلال عمل “الفلك الأسود” لـ شادية ورجاء عالم، ثم كانت المشاركة الثانية في عام 2019 من خلال عمل الفنانة زهرة الغامدي الذي يحمل اسم “بعد توهّم”، أما المشاركة الثالثة فكانت في عام 2022 بعمل للفنان مهند شونو يحمل اسم “منطق الشجر”، أما في هذه الدورة وهي الدورة الستين لمعرض الفنون الدولي – بينالي البندقية، تمثل الفنانة منال الضويان المملكة العربية السعودية من خلال عملها الجديد، الذي يُعرض في الفترة ما بين بين 20 أبريل و24 نوفمبر 2024، حيث يعكس الجناح الوطني السعودي موضوع البينالي: “أجانب أينما حللنا”، تحت إشراف أدريانو بيدروسا، وستكون ثالث مرةٍ تُمثل فيها امرأة بلدها بمعرض الفنون الدولي، الذي يدعو الفنانين إلى النظر في الاختلافات والفوارق المتأتّية من الهوية والجنسية والعرق. كذلك كانت هناك مشاركات ثلاث عن فئة العمارة شارك فيها مجموعة من الفنانين المعماريين.
نأخذكم في رحلة أعمق في إبداعات منال الضويان من خلال هذا المقال الذي قالت فيه: الفن مساحة تبحث في الأسئلة الصَّعبة.